فى مجموعة من أقوى المقالات الساخرة للكاتب الراحل جلال عامر، التى نشرتها الصحف المصرية، يجىء كتاب «مصر على كف عفريت»، الذى جمعها الكاتب الراحل وأصدرها عن «دار العين للنشر»، وقد جمعها «عامر» فى سياق قراءة لآخر الأوضاع عبر صور ورؤى متجاورة تصب فى هم عام واحد وأصيل، هو الهم الوطنى وما تعيشه مصر فى لحظة مفصلية وحرجة وفارقة من تاريخها عبر حس ساخر يمكن تصنيفه بأنه كوميديا سوداء يجعل ضحكنا أشبه بالبكاء على ما وصلت إليه مصر من أحوال، وما آلت إليه الأمور فيها من مصائب وكوارث هى أقرب إلى المساخر، مما يؤكد للجميع فعلاً أن مصر صارت «على كف عفريت»، وكأنها تنتظر مصيراً يصعب توقعه، رغم الخوف منه، وفى تشخيص هذه الحالة التى ترصد جوانب التردى والتراجع يصف «عامر» كتابه بأنه: «محاولة لبحث حالة وطن كان يملك غطاء ذهب فأصبح من دون غطاء بلاعة لماذا وكيف؟
فقد بدأت مصر بحفظ الموتى، وانتهت بحفظ الأناشيد، لأن كل مسؤول يتولى منصبه يقسم بأنّه سوف يسهر على راحة الشعب من دون أن يحدد أين سيسهر وللساعة كام؟ فى مصر لا يمشى الحاكم بأمر الدستور، بل بأمر الدكتور، ولم يعد أحد فى مصر يستحق أن نحمله على أكتافنا إلا أنبوبة البوتاجاز، فهل مصر فى يد أمينة.. أم فى إصبع أمريكا.. أم على كف عفريت»؟، ويعد الكتاب محاولة للإجابة عن هذا السؤال الذى يفجر الضحكات على واقعنا المر، ويكشف الكتاب أنّ المؤلف كان ضابطاً فى الجيش، وخاض ثلاث حروب ضد إسرائيل، لكنّه يخوض الآن «حرب الثلاث وجبات»، إذ يخرج المواطن لشراء الخبز وقد يعود أو لا يعود بعد معركة «الطوابير». ويكتب أيضاً عن زيارة حسنى مبارك إلى قبرى جمال عبدالناصر وأنور السادات وهى الزيارة السنوية التى يحرص عليها، متخيلاً ما الذى يمكن أن يقوله أمام قبر كل منهما. هكذا سيقول أمام قبر «عبدالناصر»: «طبعاً إنتَ عارف أنا لا عايز أزورك ولا أشوفك بس هىّ تحكمات السياسة اللعينة. حد يا راجل يعادى أمريكا؟ ويحارب المستثمرين، على العموم ارتاح أنا بعت كل المصانع اللى إنت عملتها، والعمال اللى إنت مصدعنا بيهم أهم متلقحين على القهاوى...»، وأمام قبر «السادات»، سيقرأ الفاتحة ثم يمسح وجهه وينصرف. هذه الحكاية تلخّص فعلاً ما أصاب مصر من تحولات، وتجيب عن سؤال: كيف تحولت من «أم البلاد» إلى «أم الفساد»؟
وفى هذه الكوميديا السوداء يرصد «عامر» سلبيات المجتمع المصرى وأوضاعه المتردية فى العصر الحديث، والكتاب تعرض لقضايا كثيرة تشغل الشارع المصرى، منها الصحة والتعليم والبطالة والفتنة الطائفية والهجرة والفساد الحكومى والتدهور الإعلامى والتطرف الدينى والتهديدات الأمنية والتحرش الجنسى وغيرها، ونحن هنا نقتبس بعضاً من أقواله التى قالها فى زمن قبل الثورة وتظل معنا وتتحقق إلى ما بعد الثورة.
وعلى غلاف كتابه كتب «عامر» يقول: «بدأت مصر بحفظ الموتى، وانتهت بحفظ الأناشيد، لأن كل مسؤول يتولى منصبه يقسم أنه سوف يسهر على راحة الشعب، دون أن يحدد أين سيسهر وللساعة كام؟ ففى مصر لا يمشى الحاكم بأمر الدستور، وإنما بأمر الدكتور، ولم يعد أحد فى مصر يستحق أن نحمله على أكتافنا إلا أنبوبة البوتاجاز، فهل مصر فى يد أمينة أم فى إصبع أمريكا أم على كف عفريت؟».
وعن غياب الدولة المدنية قال فى مقال له تحت عنوان «البقاء لله»: «توفيت إلى رحمة الله تعالى الدولة المدنية الشهيرة بالجمهورية، المولودة فى عام 1953، والمذكورة عمدة بلدان الشرق الأوسط وقريبة ونسيبة العم العربى، وخالة وعمة العالم الإسلامى، وشقيقة المرحومة الجامعة العربية، والمرحومة منظمة عدم الانحياز.. وسوف تشيع الجنازة من مقر الحزب الوطنى بكورنيش النيل»، وفى مقال بعنوان «كيلو هريسة» تحدث عن انخراط رجال الأعمال فى السياسة وفسادهم، وقال: «الأحكام العامة خاطئة، لذلك فإن رجال الأعمال ليسوا كلهم لصوصاً، بدليل أن بعضهم (شيوخ منصر)، وبعضهم شيوخ تليفزيون، وعلينا أن نفرق بين العصامى والحرامى».