■ ككاتب ومفكر كيف ترى حجم المآسى التى تعرضت لها مصر مؤخراً ومنها حوادث القطارات وانهيارات المنازل الأخيرة؟
- مسلسل يدل دلالة قاطعة على عدم وجود الدولة، ليس فشلاً، بل عجز تام. فرئيس الوزراء الحالى هو نفسه نسخة طبق الأصل من رئيسه السابق، الذى أتى به لهذا المنصب، عصام شرف، وكلاهما لا يقدر على إدارة شعب مُفعم بالمشاكل مثل الشعب المصرى. فالمسؤولية لا تقع على رأس الحكومة فقط، أو حتى محمد مرسى، إنما على عاتق الجماعة التى لا تنظر إلا لنفسها ولمصالحها. ومؤسف جدا أن يذهب شباب الإخوان إلى مكان الحادث، ويروجون أنه قضاء وقدر. هذا ما أسميه «الضلال بعينه»، الذى هدفه التغمية على حقيقة الإهمال الذى أصاب كل روافد الحياة فى مصر.
■ إذن إلى أين تتجه مصر؟
- سأتحدث بصدق، وأعلم أن كلامى سيغضب كثيرين، من كل الاتجاهات، ورغم أننى أفضل الصمت إلا أننى أرى الصورة كئيبة، وإذا كنا قبلنا بالحزن فلا يجب أن نقبل بالكآبة، التى أعتقد أن أكثر من 80% من الشعب، من كل الطوائف والمستويات، يعانون منها، رغم كل المزاعم الكاذبة التى تحيط بنا. لم أعد أرى طاقة نور نرى عبرها أى أمل.
■ لماذا؟
- أولاً لأن الجماعة تتعامل مع مصر، الوطن، على طريقة لصوص السيارات، يسرقونها ثم يفككونها قطعة قطعة، الآن نقول «كان هناك وطن اسمه مصر». هذه جماعة لا تعرف معنى الوطن، ولا تنشغل به، فقط يخططون ويسعون لمصالحهم، ويكذبون من كبيرهم لصغيرهم، بلا خجل، واصفين ما يفعلونه بـ«الكذب الحلال»، أو «الكذب المُبارك»، ولديهم جرأة فريدة على التمسك بالباطل، وكل يوم يحكمون مصر فيه، يجرونها للخلف عشرات الخطوات، وتشعر وكأن هناك شيئاً مدبرا لتدمير كل ملامح حضارتها، وخصوصية ثقافتها. أنت أمام جماعة، أو حكام، لا تنصاع للقانون وتعتدى عليه جهاراً نهاراً، ولديها من صُناع الإفك أعداد هائلة، يحملون تبريرا لكل شىء.
■ تقصد حصار المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى من التيار الإسلامى؟
- لنتحدث بالمنطق، فى أى دولة عندما تحاصر المحكمة الدستورية العليا، ويمنع قضاتها من مباشرة أعمالهم علنا، تفقد هيبتها كدولة، ولا تستردها إلا بإعادة هيبة محكمتها الأعلى. لكن، لأن الأمر مدبر مع الجماعة أهالوا الوحل على فكرة القانون نفسها. السؤال لمن يحكمون، سواء كانوا الإخوان، أو العفاريت الزُرق، من هو حازم أبوإسماعيل؟ أليس مواطناً مثله مثل غيره، إذا خرج على القانون يعاقب؟ فبأى حق نتركه يحاصر أى منشآت، أو يهدد هذا الحزب أو هذه الشخصية العامة؟ لم تعد هناك دولة، بل غابة.
■ لماذا لا نتحدث عن الطرف المقابل، المعارضة؟
- المعارضة، بكل فئاتها، عاجزة عن الاتفاق، وبلورة رؤية مشتركة، وفصائل كثيرة منها قائمة على الانتهازية، ربما تتساوى فيها مع الإخوان. المعارضة ببساطة، كما الزوجة المقهورة، لا تجيد سوى الصراخ طوال النهار، وفى الليل ترتمى فى أحضان زوجها. معارضتنا صرخت، وفى النهاية رضخت، بشكل مهين.
■ هل أبوإسماعيل والإخوان يقودوننا للخلط بين الدين والسياسة؟
- نعلم يقينا، ومع احترامى الشديد جدا لعلماء الإسلام الحقيقيين، الدارسين المؤهلين، أصحاب الضمير، أن التاريخ الإسلامى شهد فقهاء كرسوا حياتهم لخدمة السلطان، أيا كان، ووظفوا فتاواهم لخدمة مصالحه. وهؤلاء يجب ألا نعتد بهم كرجال دين، وأنا كمسلم أبحر، قراءة، فى تاريخ دينه، أؤمن بأن القرآن وصف الرسول الكريم بأنه على خلق عظيم، والأخلاق العظيمة لا تعرف قبح الفعل أو اللفظ، وعالم الدين عندما يخاطب الجماهير، سواء فى موعظة أو خطبة، فلابد أن يتحدث بلغة الإسلام وهى لغة الأدب والبعد عن السباب.
■ قالوا إن الصحابة أنفسهم كانوا يسبون مخالفيهم؟
- هناك بالفعل بين الصحابة من كان يسب، وغير ذلك، لكن هؤلاء الصحابة بشر، يصيبون ويخطئون، ولنا فى ذلك دليل وهو قول عمر بن الخطاب «أصابت امرأة وأخطأ عمر»، فليس من المعقول أن يصبح خطأ أى صحابى عرفا نعمل به. إذا كان ثابتا تاريخيا أن صحابياً كان يدون القرآن لسيدنا محمد وارتد، هل أقتدى به وأقول إن بعض الصحابة ارتدوا؟ أو بعضهم اختلسوا.. فأفعل كما فعلوا!
■ ألم يمكن رجال دين من تصدر المشهد السياسى؟
- أذكرك بالعبارة التاريخية التى تقول: «المصريون عبيد لمن حكم»، كثيرون يطبقون ذلك الآن، حتى بعض الثوريين، المختلفين عن الجماعة، يتعاملون معها بلطف شديد جدا، وليس لديهم مانع فى التوافق. واضح جدا أن مصر الوطن غائبة عن الجميع، الجماعة أو السلفيين أو حتى مدعى الثورية، مجرد صراع على المناصب، بينما الوضع الاقتصادى حرج للغاية، البنية التحتية تنهار، والغلاء يتوحش، وقدرة الناس على التحمل ليست طويلة، مثير جدا أن يقول محمد مرسى سأقيم 1000 مصنع جديد، يا راجل يا طيب، ما تفتح المصانع التى أغلقت.
■ البعض يحمّل الأزهر مسؤولية الصمت أمام ما يراه تلاعبا من التيارات الإسلامية بالدين؟
- الأزهر مغلوب على أمره، بدليل أنهم استوردوا داعية سعودياً، وهابياً، حتى يعرفنا «أن مصر حلوة، ساعدوها»، بينما هى تزخر بآلاف الدعاة والعلماء، من شجرة منارة عريقة، فضلها غطى العالم الإسلامى كله، بما فيه السعودية. دعك من مصر، ألا يكشف استيراد خطيب وهابى إفلاساً لجماعة الإخوان وباقى التيارات الإسلامية.
■ كيف ترى اعتلاء الدكتور يوسف القرضاوى منبر الأزهر الشريف!
- أولا، هو إخوانى قديم، وله قصيدة شهيرة فى مدح حسن البنا. من العدل والإنصاف أن يستكين القرضاوى لشيخوخته، ويعطى وقته كله لعبادة الله، بدلا من أن يفرق الأمة الإسلامية، وعليه ألا ينسى أنه لا يملك زهد العلماء، فهو رسميا يعمل لخدمة السلطان، فى قطر، بدلا من أن يعمل لخدمة الدين، هو قد يملك العلم، لكنه يفتقد الزهد والورع.
■ هل تلمح لثورة جياع قادمة؟
- بالتأكيد سنراها قريبا، مصر مثل مريض يعالج بالمسكنات فقط، ولو غاب المسكن، ستأتى لحظة الإفاقة، والمصريون يتميزون بالصبر، مثل الجمل، لكن حذارى من غضبهم، حتى لو كنت تلاعبهم بالدين، وتحوله إلى مخدر، بينما جوهره العمل والاجتهاد والإتقان.
■ هل تأثرت قدسية الدين مع ممارسات التيارات الإسلامية؟
- مؤكد، ودون أن يغضب أحد، كثير من الشباب يمل من الدين، وهذا لم يكن موجودا، بعد أن رأوا ممارسات من كانوا يرفعون شعارات تطبيق الشريعة. الشباب يتساءل، عن أى شريعة يتحدثون، فالجماعة ترى الشريعة بشكل يختلف عن التيارات السلفية، وهؤلاء بدورهم يطرحونها غير التى يطرحها التيارات الجهادية، وداخل كل فصيل منها اختلافات آخرى. أنا كمسلم لا أرفض الشريعة، لكن السؤال ما الذى تقصده بها؟ وهل يجوز أن تفرض اجتهادات بشرية، تتباين، وتتناقض أحيانا، على الآخرين بحجة أن فهمك هو الشريعة ذاتها؟
■ بعضهم أوضح ما يقصده، خاصة فيما يتعلق بالمرأة!
- هذا مدهش، أقف طويلا أمام شغف الإسلاميين بقضية المرأة، وكأن الشريعة كل همها تقييد النساء والاستحواذ عليهن، هذه مسألة محيرة، ولم تطرح للنقاش بشكل كاف. ونتغافل أن المرأة هى أمنا وابنتنا وأختنا، قبل أن تكون زوجة، أو ما ملكت أيمانكم. الإصرار، فى عهدنا الحالى على قهر النساء، يحول الدين لمجرد رداء على أجساد المتأسلمين، لأن الدين سلوك ونظام ومعاملة، منظومة حياة تنعكس علينا من المنزل للعمل للمسجد. هل من يكذبون علينا يوميا، يعرفون شيئا عن الإسلام؟ ألم يقرأوا الحديث الشريف، فيما معناه،: «لا يزال الرجل يكذب ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا»، ألا يستحى الرجل الذى يكذب فى كل خطاباته من الله تعالى، وهو يتحدث باسمه؟
■ الرئيس يشكو من التركة الثقيلة التى خلفها نظام حسنى مبارك؟
- لا أعفى النظام السابق، فهو مسؤول عن جزء كبير مما نعيشه، ومنها انتشار الإخوان وترسيخ ما يروجون له، وكتبت مقالات عديدة، قبل 25 يناير، عن اتفاقات سرية بين الإخوان والنظام السابق، وكانت رسالتى واضحة فى «طيور الظلام»، كان عادل إمام ورياض الخولى وجهين لعملة فساد واحدة، تذكر حوارهما الذى يلخص علاقتهما، فحين يعاير أحدهما الآخر: أنت تعيش فى أمان بسببى، يرد عليه الثانى: أنت وجودك فى الأصل بسببى، هما معادلة واحدة، تماما كما ظهرت الإخوان، يوم 28 يناير، مع ظهور الجيش، ورسخت تواجدها برضا المجلس العسكرى، مستغلين تفكك القوى الثورية، وانتهازية بعضها، فى سرقة الثورة.
■ كيف ذلك والجماعة تتباهى بأن مرسى أنهى حكم العسكر، وأحال المشير و ورئيس الأركان نائبه للتقاعد؟
- «خليك حلو»، المشير وزير دفاع استمر فى منصبه 23 عاما، أصبح ورقة على شجرة، حل عليها الخريف، وستسقط بمرسى أو بغيره، المشير أدرك هو ومن معه أن المعركة لم تكن معركته، فقرر أن ينسحب بهذه الطريقة، وأعتقد أنه سعيد الآن بأنه يعيش فى أمان، لكن لا أعرف إلى متى سيستمر هذا الأمان. الخطأ الأكبر فيما يحدث الآن يتحمله مبارك نفسه، بتفويضه الأمر للجيش، ظنا منه أنه سيقف معه ويحميه، لكن خاب ظنه، فهى لعبة مصالح، ومازالت هكذا حتى الآن.
■ كيف تفسر العلاقة الحميمة بين النظام الحالى وغزة؟
- هذا شىء طبيعى جدا، لأن حماس كان لها دور كبير جدا فى وجود هذا النظام، فالرئيس محمد مرسى لن يستطيع أن يقول كيف خرج من السجن، ومن الذى ساعده، وأتمنى من السيد وزير الداخلية الحالى، الذى كان مسؤولا عن السجون وقتها، أن يقول لى كيف وصل المسجونون الأجانب إلى بلادهم، ولماذا التعتيم على كل هذه الوقائع؟ الواضح أن جماعة الإخوان ترد الجميل الآن لأبنائها فى غزة.
■ هل يختلف الوضع مع قطر؟
- قطر تستطيع أن تعتبرها مؤسسة مالية كبيرة، تستثمر أموالها فى كل العالم، وبالطبع لا اعتراض على استثماراتها فى مصر، لكن أعتقد أن الأمر مع قطر أكبر وأهم من أموال تستثمر، هى تحلم بزعامة الأمة العربية، وليس لديها سوى المال، لكنه قد يسمح لها بالتحكم فى شعب ودولة مهابة، تتوافر فيها كل شروط الزعامة. أشعر بدهشة كبيرة من أن جماعة الإخوان تمد يدها لـ«اللى يسوى واللى ما يسواش»، رغم أن هذا لن يحل مشاكل مصر، وإنقاذها لن يتم إلا بأيدى أبنائها، ولديها الإمكانيات التى تسمح لها بأن تقوم وتتعافى. سألخص لك مشكلتنا نقلا عن مواطن سمعته يشارك فى حوار على مقهى: «هما مش سرقوها، ليه بقى بيخربوها»، جملة عبقرية تشرح لك لماذا يتمسك الإخوان بإعاشتنا على الديون، التى ستقيد الأجيال القادمة، ولماذا أصبح الجنيه بلا قيمة، ولماذا أصبح الشعب بيمشى يكلم نفسه فى الشارع.
■ ألم ينصفك التاريخ بإثباته وجود ميليشيات للإخوان، كما ذكرت فى مسلسل «الجماعة»؟
- أنا سيناريست مهنى، أحترم تاريخى، ولا يجوز أن يفتئت عمل فنى على ثوابت تاريخية، أو يدعيها. المليشيات موجودة منذ عهد حسن البنا، وهو نفسه يروى فى كتاباته أنه كان يشارك فى التدريبات بنفسه، وأنه كان هناك نوعان من التدريب، أحدهما عسكرى، يتولاه محترفون من الداخلية، وآخر منهجى وتعليمى، وعليهما تسير هذه المليشيات حتى هذه اللحظة، وشاهدنا نماذج منها فى جامعة الأزهر، قبل سنوات، ومن ينسى تفاخر المرشد السابق مهدى عاكف بانه يستطيع إرسال10 آلاف مقاتل لغزة؟، فمن أين سيأتى بهم، ومن الذى هاجم المعتصمين أمام الاتحادية؟ ومن الذى حاصر المحكمة الدستورية؟ ومن الذى كان فى استقبال الرئيس فى الاستاد بذكرى 6 أكتوبر؟
■ هل تحمى الميليشيات النظام الحالى من مصير مماثل لسلفه، مبارك؟
- سيلقى المصير نفسه، أيا كان حُماته، لكن ليس الآن، سيحدث حين تكوينا النار ونصرخ من الألم. قبل أى شىء عليك أن تأتى بأقوال وخطابات مرسى، وتبحث فى كم منهما صدق وكم كذب. رجل يخرج على الملأ ويكذب، كيف أصدقه بعد ذلك. الكاذب لا يصدق حتى فى صلاته، ونتذكر الحديث الشريف، فى ما معناه: «.. أيكون المسلم كاذبا قال لا»، مرسى لا يرأس نفسه.
■ من يرأسه هو ومصر؟
- يرأس مصر، رئيس مرسى نفسه، وهو نفسه رئيسه فى الجماعة، وأنا لا أعرفه، فقد يكون فيها من هو أكثر تأثيرا وسلطة من مرشدها، محمد بديع. القوى هو من يملك مفاتيح الاقتصاد، المال، والشاطر هو المتحكم فى استثمارات الجماعة ولا يستهان به على الإطلاق.
■ البعض يتوقع عمليات ثأر مقبلة من الجماعة ضد معارضيها!
- عمليات الثأر بدأت من اللحظة الأولى وستستمر، لأن الجماعة لا تنسى خصوماتها أبدا. ككاتب سيناريو، أعتقد أننا لم نر وجه الجماعة القبيح كاملا، وهى ترجئ إظهاره حتى يكتمل «التمكين»، مع فوزها فى انتخابات البرلمان المقبلة، حينها ستقدم كل أفكارها على المعارضين والشعب، وسنرى التنكيل الحقيقى.
■ ما الذى تتوقعه فى الذكرى الثانية لـ25 يناير؟
- المليونيات موضة وانتهت، وأصبحت ضجة بلا طحن، ونصف من سيتجمع فى التحرير سيكون من الإخوان، لإثارة البلبلة وقتل الهمم من خلال الجدالات التى ستحدث.
■ وما السيناريو الذى تتوقعه لمصر فى الفترة المقبلة؟
- الرؤية ضبابية ومحدودة للغاية. كنت أتمنى أن أقضى آخر أيام فى عمرى ومصر فى أفضل حالة، وأن أكون فى وطن آمن ومزدهر، وأرى البشاشة على وجوه المصريين، والابتسامة الحلوة والروح الطيبة أشياء غابت عنا الآن.
■ هل تقديمك لمسلسل جديد الآن يؤكد ابتعادك عن تقديم الجزء الثانى من الجماعة؟
- أبدا، الجزء الثانى بدأت فيه فعلا، لكن هذا لا يعنى أننى فى خصومة مع الجماعة ولكنى رافض تماما لها، وجودا أو فكرا، وعندما كتبت الجزء الأول كان عن قناعة شخصية، ولكن الكذابين المضللين ادعوا أننى كتبته بتكليف من أمن الدولة، رغم أنه هاجم مرات عديدة الحزب الوطنى والنظام السابق أكثر من الجماعة. أنا الآن نادم على أننى لم أذكر فضائح كثيرة، تعففت عن ذكرها فى الجزء الأول، لكن الجزء الثانى قادم، لأننى أعتمد على جهد بحثى متأنٍّ ودقيق.