وسط حدة الاحتقان الشديد والعنف السائد فى المشهد السياسى والشارع خرج اثنان من الدعاة بفتاوى تصب الزيت على النار، يهدران فيها دماء قيادات جبهة الإنقاذ الوطنى المعارضة، بدعوى أنه لا يجوز الخروج على الحاكم المسلم، ويشددان على أن الشريعة تجيز قتل من يدعو إلى إسقاط الرئيس الشرعى.
«المصرى اليوم» التقت أسامة قاسم، مفتى تنظيم الجهاد، صاحب فتوى تطبيق حد الحرابة، على قادة الجبهة، وبعد أن شدد على تمسكه بفتواه الدموية فجر مفاجأة وحدد أن تنظيم الجهاد سيحمل السلاح دفاعاً عن شرعية الرئيس، إذا استمر من وصفهم بـ«المخربين» فى الهجوم على منشآت الدولة السيادية.
فى المقابل، رفض الدكتور ناجح إبراهيم، القيادى بالجماعة الإسلامية، هذه الفتاوى الشاذة، وحذر من أنها ستقود البلاد إلى حرب أهلية، وشدد على أنه لا يجوز لأى داعية إصدار فتوى بقتل أى إنسان يختلف معه فى الرأى، وقال إن القضاء هو المجال الوحيد للفصل بين فرقاء السياسة.
وقال «إبراهيم» إن مثل هذه الفتاوى تضر الإسلاميين وتعطى جبهة الإنقاذ فرصة ذهبية للنيل من خصومها فى التيار الإسلامى، وأضاف أنه يتفق مع بعض مطالب الجبهة، ونصح الرئيس محمد مرسى، باستلهام تجربة زعيم جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا، فى تحقيق مصالحة وطنية.
أسامة قاسم مفتى تنظيم الجهاد: «حد الحرابة» واجب شرعى على قيادات «الإنقاذ»
لم يكد الرأى العام يستفيق من زلزال الفتوى التى أصدرها الدكتور محمود شعبان، الداعية السلفى، الأستاذ بجامعة الأزهر، والتى أباح فيها دماء قادة جبهة الإنقاذ الوطنى، حتى صدم مجدداً بفتوى «دموية» أخرى أصدرها أسامة قاسم، مفتى تنظيم الجهاد، وشدد فيها على أن حد الحرابة واجب شرعى على قيادات الجبهة المعارضة لرئيس الجمهورية.
ويتمسك «قاسم» فى حواره مع «المصرى اليوم» بفتواه، ويقول إن الشريعة الإسلامية أباحت إهدار دم من يخرج على الحاكم، وهدد بعودة تنظيم الجهاد لأعمال العنف لمواجهة من وصفهم بـ«المخربين»، وعلى رأسهم جبهة الإنقاذ، وللدفاع عن شرعية الرئيس محمد مرسى.
وانتقد مفتى الجهاد موقف السلفيين من الأحداث الأخيرة، ورفضهم فتاوى إهدار الدم، واتهمهم بأنه كانوا يدورن فى فلك الرئيس السابق حسنى مبارك، كما اتهم الرئيس مرسى بالتهاون مع المعارضة واعتبر أنه «ابتذل مقام الرئاسة»، وإلى نص الحوار:
■ هل الخلاف السياسى يستدعى إهدار دم المعارضين.. وما الأسباب التى دفعتك إلى إصدار فتوى حد الحرابة فى مواجهة «جبهة الإنقاذ»؟
- الجبهة تستحق حد الحرابة، لأن هناك تعاظماً شديداً لها، وهناك أسباب رئيسية جعلت هذا المعسكر يتعاظم، فهو يعد رأس الفتنة فى المشهد السياسى، وللأسف الحكومة والنظام تركاهم يمرحون طلقاء أحراراً يحرضون الشباب والناس ضد الرئيس والأمة، وهؤلاء لابد أن يحال بينهم وبين ما يرتكبون من جرائم عنف وتحريض، وهذه مسؤولية رئيسية تقع على عاتقهم، وكان على الدولة ألا تتركهم دون رادع.
■ لكن مثل هذه الفتاوى الدموية قد تؤدى إلى تحمس شباب التيار الإسلامى وقتلهم قيادات جبهة الإنقاذ أو المعارضين للرئيس والنظام ويشهد الوطن حرب اغتيالات؟
- إذا كنا نخشى من تحمس الشباب وقيامهم بارتكاب اغتيالات فى مواجهة جبهة الإنقاذ فلابد أن نتذكر فى المقابل أن هؤلاء المعارضين يحرقون الوطن ومؤسساته، وهذه المؤسسات ملك للشعب، وأن استهداف الأملاك العامة والخاصة والأرواح والأبدان والحرمات يستدعى الدفاع الشرعى عنها.
■ استنكر السلفيون والجماعة الإسلامية والإخوان فتوى الحرابة وإهدار دماء قادة جبهة الإنقاذ، واعتبرها السلفيون مخالفة للشرع.. ما تفسيرك لذلك؟
- لا أتعجب من موقف السلفيين، لأننا إذا أردنا استحضار بعض مواقفهم قبل الثورة سنجدهم يدورون فى فلك المخلوع حسنى مبارك، بل كان بعضهم يرشدون عن الناس لصالح المخلوع، وكانوا يعتبرون الخروج على مبارك خروجاً على الإمام وأوجبوا طاعته، وكانوا يحكمون على المتظاهرين بأنهم خوارج، وإذا عدنا بعد الثورة فلن نندهش من مواقفهم، لذلك لا تهمنى تصريحاتهم. أما بالنسبة للإخوان فأنا أتفهم موقفهم، فهم يعلقون على هذه الفتاوى باعتبار أنهم فى سدة الحكم، ويدفعون عن أنفسهم أى شبهات، وبالنسبة للجماعة الإسلامية أرى أنه اختلط عليهم الأمر فى تفصيل الفتوى، وكان لابد أن يعرفوا أن المقصود منها هو أعداء الوطن من المعارضين، الذين يحرضون على العنف ويثيرون الفتن، ويمنحون العنف غطاء سياسيا.
■ ما رأيك فى تعامل الرئيس مرسى مع جبهة الإنقاذ، ولماذا لم يستجب لمطالبهم التى تحظى بإجماع القوى الوطنية؟
- الرئيس يتهاون تهاوناً شديداً فى تعامله معهم، ومتهاون بشكل أشد فى هيبة الدولة، حتى إنه ابتذل مقام الرئاسة ابتذالاً شديداً فى مسائل لا يمكن لأى دولة التهاون فيها، حتى إن القوى السياسية والرئيس تركوا الشباب لجبهة الإنقاذ، وتركوا الأموال المنهوبة فى أيديهم دون مصادرة، فاستعانوا بها لتنفيذ مخططاتهم الخبيثة، كما ترك الرئيس بعض الإعلاميين الذين يتعرضون لشخصه ليل نهار بالإهانة، وتركهم يُسقطون من هيبته فى قلوب الناس، وكما هو معلوم للدولة سلطان وهيبة وسطوة ومقام، وكلما توالت إهانة الرئيس سقطت هيبته، وانعدمت طاعته، ومن انعدمت طاعته حانت إقالته، وقد نصحنا الرئيس كثيراً بألا يتهاون فى هيبته.
■ ماذا سيكون موقفكم إذا استمر العنف فى الشارع وفشل الحوار الوطنى؟
- موقفنا سيكون كما تعلمين، مثل أى مواطن فى مصر، فآخر طريق للعلاج هو الجنوح اضطرارياً للدفاع عن أنفسنا، فهو أمر ليس اختيارياً، وإنما إجبارى، فلو وجدنا تقصيراً من الأمن، وحال استهداف بلادنا ونسائنا وأطفالنا، فلا مناص من المواجهة والجهاد.
■ هل يمكن لتيار الجهاد العودة للعنف والدفاع عن الرئيس حال سقوطه؟
- نعم، فالجهاد على استعداد للدفاع عنه وعن غيره، لكن لابد أن نترك الشرطة تقوم بواجبها، فإذا لم تؤده وازدادت أعمال التخريب والتحريض على العنف وتدمير مؤسسات الدولة فلا مناص ولا مهرب من أن نقف كجهاد خلف هذه المنشآت لحمايتها والدفاع عنها وعن شرعية أول رئيس منتخب، ولا يمكن أن نترك المخربين وعلى رأسهم جبهة الإنقاذ، لأن وقتها سيدركنا الغرق جميعاً، فإما أن نأخذ على أيدى الرئيس وننجو به، وإما غرقنا جميعاً لو تخاذلنا عن الدفاع عن الشرعية.
■ ما رأيك فى مطالب جبهة الإنقاذ.. ألا ترى أن فيها ما يمسّ الشعب ومنها العدالة الاجتماعية ورفع مستوى المعيشة وتغيير الحكومة؟
- لا أجدها مطالب منطقية فى الوقت الحالى، لأننا يجب أن نستحضر أننا خارجون من ثورة أعقبت حكماً مجرماً، استمر حقبة طويلة من الزمن.
.. ود. ناجح إبراهيم القيادى بالجماعة الإسلامية: إهدار دم المعارضين يقود البلاد إلى حرب أهلية
شن الدكتور ناجح إبراهيم المفكر الإسلامى، القيادى التاريخى بالجماعة الإسلامية، هجوماً شديداً على من أصدروا فتاوى إهدار دم المعارضين، ووصف هذه الفتاوى بالغلو والشطط، واعتبر أنها تؤدى إلى إلغاء التعددية السياسية، وتنذر بالحرب الأهلية، وشدد ناجح فى حوار مع «المصرى اليوم» على ضرورة مواجهة مثل هذه الفتاوى بمفاهيم الإسلام الصحيح، ونبذ العنف، وإلغاء المليونيات المؤيدة والمضادة ووقف الحشد لها، وأن يحكم الرئيس بعقلية الدولة لا بعقلية الجماعة.
وإلى الحوار:
■ صدرت مؤخرا فتاوى دموية تدعو إلى قتل قيادات جبهة الإنقاذ مثل «البرادعى وصباحى» وتطبيق حد الحرابة من قبل قيادات التيار الإسلامى من مشايخ السلفية والجهاد، ما رأيك فيها؟
- هذه الفتاوى «غلو وشطط» يضر بالإسلاميين قبل غيرهم ويفيد «جبهة الإنقاذ» قبل غيرهم، وستكون وسيلة «الإنقاذ» لمنحها مساحة كبيرة لضرب الإسلاميين داخليا وخارجيا، وأخشى أن تتسبب هذه الفتاوى فى عودة الاغتيالات السياسية، خاصة مع وجود بيئة للعنف باستخدام أطفال الشوارع والبلطجية فى المشهد السياسى، وهذا بالتالى سيؤدى إلى العبث ضد كل الأطراف ومن كل الأطراف معارضة ومؤيدة.
■ هل ترى أن جبهة الإنقاذ تستحق من الناحية الشرعية تطبيق حد الحرابة؟
- هذا مفهوم خاطئ، ولا يحق لأى داعية أو معارض أن يفتى بقتل أى إنسان سياسى أو غير سياسى، فنحن فى دولة مؤسسات، وهناك قضاء ونيابة وأى إنسان يعترض على فعل معين أو تصريحات لابد أن يذهب إلى القضاء والنيابة ويقدم بلاغات، لكن لا يعنى أن أختلف مع شخص معارض أن أفتى بإهدار دمه.
■ وما نتائج انتشار مثل هذه الفتاوى الشاذة؟
- ستؤدى إلى حرب أهلية وقد يؤدى هذا إلى خلق حماس لدى الشباب وانتشار الاغتيالات السياسية بين الطرفين المعارض والمؤيد، ما يخلق عنفاً مضادا وندخل فى دوامة العنف التى لا تنتهى، فلو كل معارض تعرض للقتل ستكون النتيجة إلغاء التعددية السياسية من باب خلفى وتؤدى إلى إشاعة الفوضى.
■ هل هناك دوافع للعنف من الخارج وهل ترى أن جبهة الإنقاذ تنفذ أجندات غربية دفعت بعض رموز التيار الإسلامى إلى إصدار هذه الفتاوى؟
- هناك تدخل خارجى وراء العنف فى الشارع المصرى، ولا أستبعد ذلك لكن هل تنفذ الجبهة أجندات غربية فى التخريب، لا أستطيع أن أجزم بذلك.
■ حزبا النور والوطن و«الإخوان» والجماعة الإسلامية استنكرت هذه الفتاوى لكن أيدها تنظيم الجهاد وأصدر فتوى حد الحرابة على جبهة الإنقاذ، لكن السلفيين طالبوا بعدم الاعتداد بها وقالوا إن الفتاوى لابد أن تصدر من مؤسسة رسمية وتحديدا دار الإفتاء، ما رأيك؟
- هذا صحيح، ولابد من وقف هذا السيل الجارف من الفتاوى وألا يتم الاعتداد الا بفتاوى رسمية من دار الإفتاء ولابد من التفرقة بين الداعية والمفتى، فليس كل داعية له حق الإفتاء، كما أن الفتوى علم متخصص ولا يتصدى لها إلا أهل الإفتاء.
■ بحسب رأيك من المسؤول عن الأزمة الحالية.. المعارضة أم النظام وجماعة الإخوان المسلمين؟
- كلاهما يتحمل جزءاً من المسؤولية عن الأزمة السياسية والعنف فى الشارع المصرى فلو الحكومة والنظام فعلا مثلما فعل «مانديلا» لما لجأت المعارضة إلى ذلك ولو أن الأخيرة لم تستخدم أطفال الشوارع والبلطجية فى حرق مقار الإخوان وحزب الوفد وحصار مؤسسات الدولة وحصار قصر الرئاسة لما تطور الأمر لذلك.
■ كيف يمكن الخروج من الأزمة الحالية؟
- للخروج من الأزمة لابد على المعارضة ألا تعطى غطاء سياسياً وشرعيا للعنف، وتترك سياسة استخدام أطفال الشوارع والبلطجية، والتخلى عن فكرة المليونيات والمليونيات المضادة وفكرة الحشد، لأن هذه المليونيات باب للاحتراب الأهلى ولابد أن يقوم كل فصيل سواء معارض أو مؤيد بتقديم المصلحة العامة للوطن على مصلحة أى فصيل أو حزب أو جماعة.
■ ألا ترى أن جبهة الإنقاذ على حق فى بعض مطالبها؟
- لا أنكر أن لديها بعض الحق فى بعض المطالب لكن لا أدعمها فى مطلب إسقاط الرئيس، كما أن لها مساؤى أكثر من إيجابيات، فأكبر سوءاتها هو التطبيع مع العنف وإعطاءه غطاءاً سياسياً والتغاضى عن حرق مصر باستخدام البلطحية، كما أن الجبهة ترى أنه إذا كان حرق مرسى لن يتم إلا بحرق مصر فلا يهمها ذلك فلتذهب مصر ومرسى إلى الجحيم طالما سيؤدى ذلك لإسقاط الرئيس، وهذا أكبر مساوئهم.
■ مع ظهور العنف فى الشارع المصرى ومطالب إسقاط الرئيس، هل تتوقع عودة الجهاد والجماعة الإسلامية للعنف المضاد حال إسقاط الرئيس؟
- كل شىء ممكن وجائز أن يعود التيار الإسلامى أجمعه للعنف، لكن أحذر من حدوث ذلك، لأن النتائج ستكون كارثية وستؤدى إلى تقسيم البلد، وهنا ستكون الطامة الكبرى وقد ينقسم الجيش وتحدث فوضى فى الشارع.