x

5 سنوات على رحيل الفارس النبيل مجدي مهنا (ملف خاص)

الجمعة 08-02-2013 00:01 | كتب: إسلام حامد, أحمد الهواري, ماهر حسن |
تصوير : other

هل كان «مجدى مهنا» عرّافًا؟ هل كان يرى المستقبل مثلما يعيش الحاضر و يتذكر الماضى؟ فقط كان مخلصا لوطنه، حريصا على مصلحته العامة، كاشفًا لـ«جيوبه السياسية الفاسدة»، رافضًا استكانته وخموله و تمدده على سرير الحكم جثة تلفظ أنفاسها الأخيرة، مشخصاً المرض، واصفاً الدواء.

كتب «مهنا» عن أساطين الحكم خلال عصر المخلوع مبارك، سماهم بأسمائهم، كشف عوراتهم بمشرط جراح، نصحهم، دلّهم على الطريق الصحيح.. فكانت النتيجة وفاته المبكرة، وحضورهم جنازته كنوع من ديكورات الديمقراطية التى زخرفوا بها فسادهم.. بعد ثلاثة أعوام من التقاطهم الصور فى جنازة «عراف السياسة»، تحقق ما قاله «مهنا» بثورة شعبية وضعت كل من كتب عنهم من فاسدين وراء القضبان، فى محاكمات لم يتنبأ بها أكثر المحللين تفاؤلا.

لقد مرت 5 سنوات على رحيل فارس الصحافة المصرية، صاحب معارك «فى الممنوع»، بين الصحافة والتليفزيون، رحل «مهنا» مبكرا بعد 52 عاما.. حياة قصيرة لكنها حافلة بمعارك خاضها فى سبيل الوطن، لتنوير الجماهير وتبصيرهم بمنظومة فساد عهد مبارك.. معارك مهنا سبقت ثورة 25 يناير بـ10 أعوام.. رحل مجدى مهنا فى الثامن من فبراير 2008 قبل أن يفرح بهذه الثورة التى خيبت ظن الطغاة.. الثورة التى أطاحت بهذا النظام، وخاض معاركه دون توازنات وبصدر مكشوف، لإدراكه حقيقة إما أن تكون محامى الشعب والمدافع عن حقوقه ضد الفساد والاستبداد، أو لا تكون.

المحترم

كان مجدى مهنا صاحب اللبنة الأولى فى التأسيس الأول لـ«المصرى اليوم»، حتى إن البعض رآه الابن المؤسس.

ومهنا مولود فى المنصورة بالدقهلية فى 24 نوفمبر 1956، توفى والده وهو ابن 3 سنوات، فانتقلت أسرته إلى قرية «سنتماى»، ميت غمر، مسقط رأس الأجداد، لـ3 سنوات، ثم انتقلت إلى القاهرة، ودرس بكلية الإعلام التى تخرج فيها 1978 قسم الصحافة، لكنه عمل بمهنة البحث عن المتاعب قبل تخرجه، فى مجلة صوت الجامعة 1975، فى نفس العام أسس «أسرة الحرية» مع زملاء له، وواصل عمله الصحفى أثناء خدمته العسكرية بمجلة النصر التى تصدرها القوات المسلحة. وبعد انتهاء الخدمة، التحق بمجلة روزاليوسف لمدة عام، ومنها إلى جريدة «الأهالي» لسان حال حزب التجمع، حتى أصدر الوفد جريدته عام 1984 برئاسة تحرير «مصطفى شردي»، فانتقل للعمل بها، وكتب فيها عموده الشهير «فى الممنوع».

مؤهلاته رشحته ليتدرج فى دولاب عمل الجريدة، من محرر إلى رئيس قسم التحقيقات، ثم رئيساً لتحرير جريدة «وفد الصعيد»، ثم مديراً لتحرير الوفد، فرئيساً لتحريرها لأكثر من عام ونصف العام، ليخرج منها إثر خلاف مع رئيس الحزب السابق نعمان جمعة، منتصراً لحرية الصحافة، ورافضاً استقطابه خارج حدود مهنته.

صب تركة المنصب فى رصيد احترامه المهنى إلى أن أخذته «المصرى اليوم» إلى عالم أكثر رحابة، وأكثر اتصالاً بالناس الذين عشقهم، إذ كان أحد زُراع بذرة «المصرى اليوم» التى نمت لتصبح أقوى التجارب الصحفية المستقلة.

وكما وقف مع كثيرين أثناء عضويته بمجلس نقابة الصحفيين، لقى مواقف مماثلة حين ألم به المرض، وحين فتحت «المصرى اليوم» عموده للقراء ليكتبوا رسائل له حتى يعود إلى عموده المتميز مرة أخرى، انهالت باقات الحب والتقدير، لكنه أصر على الاحتفاظ بأسرار مرضه، قائلاً: «لا أرغب فى الدخول فى تفاصيل حياتى الصحية.. المشوار طويل.. وعلىّ أن أتقبله بنفس راضية مرضية، وأن أشكر الله فى السراء والضراء.. فليس أمامى طريق آخر لمشوار غيره، لكى أسلكه، وسوف يؤيدنى الله بنصر من عنده». أدرك الجميع مدى الصراع الشديد الذى يعانيه «مهنا» الصبور فى التصدى للمرض القاسى، متمسكاً بتحمل نفقات علاجه من جيبه الخاص، ورفض كل محاولات الدكتور أحمد نظيف لعلاجه على نفقة الدولة، إلى أن لقى ربه فى 8 فبراير 2008.

معاركه الصحفية

خاض مهنا معاركه على جبهات عدة، خشى الكثير من أقرانه أن يخوضوا غمارها، تفادياً لأذى الواصلين والسادة الكبار. ضمن رحلة الغوص فى أرشيفه، ومقالاته فى الوفد، تحت ذات العنوان «فى الممنوع»، عثرنا على «5» منها لاحق بها رجل الأعمال حسين سالم «قبل الزمان بزمان»، نشرتها «المصرى اليوم» تباعا ثم ضمنتها مع مجموعة منتقاة من مقالاته الأخرى «فى الممنوع» فى كتاب تذكارى، والمتأمل لهذه المقالات يتألم كما كاتبها للمستوى الذى تردت مصر إليه على كل الأصعدة، داخلياً وخارجياً، بسبب منظومة حكم فاشلة ونفعية، رأت فى مصر عزبة خاصة، ومواطنيها عبيداً وعقاراً يورث، إلى أن انهار النظام بالثورة الشعبية التى كان لـ«مهنا» بذور فيها، نبتت من كلماته فى قلوب وعقول، حولوا التحرير فى 25 يناير إلى رمز عالمى للحرية.

ما بين مقالاته فى الوفد وفى «المصرى اليوم»، بعنوان «فى الممنوع»، خاض عشرات المعارك الوطنية، بدافع من ضميره المهنى، ليحظى بتقدير الجميع على مختلف توجهاتهم السياسية، وتنوعت القضايا التى أثارها فكتب عن تزوير الانتخابات والبرلمانات الملفقة، وعن الصفقات المشبوهة وجوانب القصور والانحراف فى المؤسسات العامة، وعن تراجع مصر من دولة قائدة إلى مدربة لميليشيات لبنانية، وواجه المسؤولين فى نظام مبارك مباشرة ودون مواربة فى «عز» سطوتهم وسلطانهم.

ومما يذكر له مقال كتبه كرسالة مفتوحة إلى صفوت الشريف، الرجل القوى وقتها. اتهمه صراحة بإفساد الحياة السياسية فى أعقاب انتخابات مجلس الشورى قائلا له: «من واجبى أن أصارحك، بأنك نجحت وبامتياز فى تدمير الحياة السياسية وفى إفسادها وتسميمها.. حتى 20 سنة مقبلة، لست وحدك بالطبع، فهناك آخرون إلى جانبك، لكنك تقوم بالدور الأكبر. إن الفرق بينك وبين أى مسؤول آخر ساهم فى تسميم الحياة السياسية هو أنك تبدو أو تحاول أن تبدو مقتنعاً بما تفعله، وترى أنه يخدم الوطن ويعمل على إصلاح البلاد وعلى تقدمها، بينما الآخرون يعرفون أنهم (أراجوزات) وغير مقتنعين بما يفعلون، ويقولون هذا ويعلنونه فى جلساتهم الخاصة، فهم تروس يحركها الآخرون، وأنت الترس الكبير الذى يحرك التروس الصغيرة، ولو أن هناك قانوناً يعاقب على عملية الفساد السياسى لكنت أنت أول المسجلين فى القائمة».

وواجه أحمد نظيف: «تفتخر حكومتك ويفتخر معها الرئيس حسنى مبارك، بأن إجمالى الاحتياطى النقدى الأجنبى فى البنك المركزى بلغ ٢٨ ألف مليون دولار، أى بما يزيد على ١٦٠ ألف مليون جنيه، فيما نشهد تدهوراً ملحوظاً فى مستوى معيشة المواطنين، وفى الخدمات الأساسية التى تقدم لهم، وغياب الحد الأدنى منها اللازم لأى حياة آدمية، سواء فى عجز الدولة عن توفير مياه الشرب النقية فى الكثير من المناطق على مستوى الجمهورية، وفى تدهور شبكة الصرف الصحى».

وسأل الرئيس حسنى مبارك تحديداً «وليس أحداً» غيره: ماذا يا سيدى تفعل مليارات الدولارات فى البنك المركزى.. إذا ما حاول عابث خارجى أو داخلى استغلال حركة الاحتجاجات الواسعة فى الانقلاب على نظام الحكم؟!.. الذى أراه فاسداً.. ولا حل سوى تغييره بالكامل.. ولكننى أطالب بتغييره بوسائل ديمقراطية وليس بانقلاب فوضوى.. فهل تدرك القيادة السياسية تلك الحقائق أم أنها لاتزال تعيش فى برجها العاجى، ولا ترى ما يدور من أحداث خطيرة فى طول البلاد وعرضها، فوق السطح وليس تحته؟ الانفجار قادم، وسيكون مدوياً إذا لم تتحرك الدولة سريعاً.. والتحرك لا يكون بالأمن والبطش.. فهذا السلاح وصلت الدولة فى استخدامه إلى حدوده القصوى، وأى استخدام أكبر له سيؤدى إلى نتائج عكسية وعواقب وخيمة. وحتى يستطيع الرئيس مبارك أن يفهم كلامى.. فيا سيدى ليس أمن البلاد فقط هو المهدد اليوم، بل أمن نظام حكمك أيضاً.. والسلام».

وتوقف عند انحرافات وزير الإسكان الأسبق، واستهدافه الصحفيين قائلاً: «لا أعرف ما الذى قاله المهندس محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان سابقاً، أمام الكعبة الشريفة، وهو يحج إلى بيت الله الحرام هذا العام، لكننى تخيلت المشهد.. وهو جالس بين يدى الله.. ينظر إلى الكعبة والدموع تنهمر من عينيه.. رافعاً يديه لطلب المغفرة عما اقترفه من ذنوب وآثام فى حق الآخرين، وفى حق نفسه.

ففى لحظة صدق مع النفس يعترف: يا الله لقد فعلت كذا وكذا.. وما كان علىَّ أن أفعل ذلك.. وقد أذيت فلاناً وفلاناً، وتسببت فى أذية الكثيرين.. وما كان علىَّ أن أفعل ذلك. يارب.. لقد تسببت فى حبس العديد من الصحفيين لمجرد أنهم مارسوا حقهم فى نقدى.. ورفضت التنازل عن الدعاوى القضائية التى رفعتها ضدهم.. وما كان علىَّ أن أفعل ذلك».

وخاض «مهنا» حرباً شرسة ضد واحدة من كبرى الصفقات «المشبوهة» فى مجال البترول، وهى صفقة «ميدور»، التى تناولها فى العديد من المقالات ليقول أخيراً: «التساؤلات التى طرحتها عليهم.. هناك أحد احتمالين: الأول أن يستمروا فى صمتهم وأنهم قرروا ألا يتكلموا، خشية أن يتورط أحدهم فى الكلام، فيورط الآخرين معه، وينكشف الغطاء عن البخار الفاسد من هذه الصفقة، وتتكشف معه الحقائق وتظهر أبعاد الصفقة وتفاصيلها.. ومئات الملايين من الدولارات التى ذهبت إلى جيوب البعض، والضغوط التى تعرض لها البنك الأهلى ورئيسه السابق محمود عبدالعزيز لشراء نسبة ٢٠٪ من حصة رجل الأعمال حسين سالم، بحوالى ٣٦٠٪ من ثمنها الحقيقى. أما الاحتمال الثانى فهو أن يصيبنى اليأس وأنسى الموضوع وأغلق ملف (ميدور).

والذى يدفعنى إلى الكتابة مرة ثالثة هو ردود الفعل الواسعة التى تلقيتها حول ما نشر فى المقالين السابقين، وسيل المعلومات التى تدفقت أمامى.. والتى لا أريد التسرع فى نشرها قبل أن أتحقق منها.

وأطراف الصفقة: ١ - رجل الأعمال حسين سالم. ٢ - شركة «ميرهاف» الإسرائيلية. ٣ - المهندس سامح فهمى، وزير البترول الحالى، الذى شغل منصب العضو المنتدب لشركة ميدور لتكرير البترول».

وانتقد «مهنا» رؤساء الوزارات المتلاحقة فى سياساتهم المختلفة، ومن بينهم عاطف عبيد، الذى كتب عنه: «قال رئيس الوزراء فى حوار تليفزيونى إن سبب المشكلة الاقتصادية هو زيادة الإنتاج، ثم عاد بعد أيام ليقول فى لقاء مع مستثمرى العاشر من رمضان إن سبب المشكلات الاقتصادية هو الفجوة الكبيرة بين الواردات والصادرات، أى أن السبب الأول الذى ذكره يتناقض تماما مع الثانى، فالأول يتحدث عن زيادة الإنتاج، والثانى يتحدث عن نقص الإنتاج، الذى يتم سداده عن طريق الاستيراد، لكنه أعلن عن إقامة 50 ألف مشروع سنويا تعمل على توفير مليون فرصة عمل، وأؤكد أن الحكومة لن تفى بهذا الوعد لأن لها سابقة فى ذلك».

وفى مقالات أخرى تعرض للفتاوى الرسمية للشيخ الراحل سيد طنطاوى، التى كثيراً ما كانت تثير جدلاً، وظل الشأن الفلسطينى حاضرا فى غير مقال مما كتبه، كما عرض لمهازل مسلسل الخصخصة لبيع مقدرات الشعب بأبخس الأثمان، وما يجرى وراء الكواليس من عمولات وانحرافات، ومن هذه الشركات شركة حلوان للأسمنت، وتحدث عن السياسات التعليمية التى أدت لانهيار التعليم فى مصر، وأزمة البطالة ومستوى العلاج فى مستشفيات الدولة.

والمتأمل لكل مقالات فارس الصحافة سيقف بجلاء على كل تفاصيل الانهيار فى عهد مبارك على كل المستويات. ولا يختلف أحد على أن الذى حرك قلماً وطنياً مثل قلم مجدى مهنا فى هذا الاتجاه إنما هو ضميره الوطنى والمهنى.

قبل ثورة 25 يناير 2011 بـ10 أعوام منذ يونيو 2001 كثف القلم النبيل هجومه على أحد من أبرز رموز منظومة الفساد، «حسين سالم»، ليعرض تفصيلا وتوثيقا، وبالأدلة والتواريخ، أبعاد صفقته المشبوهة «ميدور»، التى مهدت لتصدير الغاز إلى إسرائيل بأبخس ثمن، بمباركة النظام الفاسد، ولم يجرؤ أحد سواه على خوض معركة مماثلة ضد عناصر فساد أقل شأنا وخطورة من «سالم»، وثيق الصلة بـ«مبارك» شخصيا، فى 8 فبراير 2008، رحل قلم حاد على من يضر وطنه، محب لمن يزرعون أرضه خضرة وثورة.. فمن ينساه؟!

مهنا والإخوان.. مطلب «الشرعية» الذى حققته الثورة

شغلت جماعة الإخوان جزءًا  خاصًا اً من اهتمامات الراحل، خاصة بعد القبض على مجموعة من طلاب الأزهر من الجماعة الإخوانية، فيما عرف بقضية «ميليشيات الأزهر».. كان موقف «مهنا» من الإخوان ثابتاً، داعماً نقلهم من خانة «المحظورة» إلى خانة الشرعية، ودمجهم فى الواقع السياسى، ناحتاً عبارات موجزة ودالة، فقد كان يرى فى مقالات مثل «المواجهة بين الإخوان والمجتمع ليست من مصلحة أحد»، و«ارفعوا يد الأمن عن ملف التيار الإسلامى»، و«لا حل لمشكلة الديمقراطية سوى بحل معضلة الإخوان».

دعمه لحق الإخوان فى التواجد السياسى لم يمنعه من رؤية مخاوف منهم بعد «ميليشيات الأزهر».

»كيف ندافع عن الإخوان؟» يكتب القلم المُبصر بتاريخ 15 ديسمبر 2006: «وكما بدا فى الصور التى نشرتها (المصرى اليوم) ضمن انفرادتها المتكررة.. قيامهم بممارسة تدريبات شبه عسكرية.. كالكاراتيه والجودو.. وكأن هناك جناحاً عسكرياً من شباب الإخوان داخل الجماعة.. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات: هل هذا عمل فردى أم أنه عمل منظم صادر عن قيادة الجماعة؟ من يقوم بتدريب هؤلاء الشباب على فنون القتال؟ ومن الذى سيقاتلونه؟ إذا كان اليوم جهاز الأمن.. فهل غدا يقومون بمهام أخرى.. فى مواجهة أعداء آخرين؟ فمن هم هؤلاء الأعداء؟ هل من الممكن أن يكلف هذا الشباب أو هذا التنظيم - لا أعلم - بالنزول إلى الشارع مثلاً فى مهام محددة؟ هل فى مرحلة أخرى يمكن أن يكلفوا باغتيال بعض الشخصيات؟ هل لدى هؤلاء الشباب أسلحة وذخائر.. وليس الأمر متوقفاً على مجرد عصى وخناجر وسيوف وجنازير؟».

حينها رد عليه د.عصام العريان مبرراً ما فعله شباب الجماعة فى 21 ديسمبر فعقب كاتبنا «لا جديد فيما قاله الدكتور عصام العريان.. وأصارحه بأن رسالته لم تبدد المخاوف التى شعرت بها بعد أحداث جامعة الأزهر.. فلاتزال هناك مساحة من الشك بداخلى، من الصعب إزالتها بالكلام.. فهى تحتاج إلى مواقف وإلى وضوح رؤية من جماعة الإخوان المسلمين.. التى لا يزال خطابها الإعلامى والسياسى غامضاً فى بعض جوانبه».

يواصل من نجح فى الفصل بين الخلاف السياسى والرؤية الوطنية الجامعة: «هذا لا يغير شيئاً فى موقفى الثابت، من أن قضية تيار الإسلام السياسى هى قضية سياسية تعالج بالسياسة وليس بالأمن.. والحل فى رأيى هو فى ضرورة الاعتراف بالجماعة التى تسمى المحظورة وحصولها على الشرعية.. ثم أى خروج على الشرعية بعد ذلك منها أو من غيرها يواجه بالقانون وبالحسم.. ولا أرى حلا آخر غيره.. إن اعتذار طلبة الأزهر من جماعة الإخوان لا يكفى.. وأتساءل: لماذا لا تعتذر جماعة الإخوان نفسها ولا تكتفى بتقديم التبريرات لما حدث حتى ولو كانت صحيحة فى أغلبها؟ لو علمت جماعة الإخوان حجم ما خسرته لما ترددت فى تقديم هذا الاعتذار».

لم تقدم جماعة الإخوان اعتذارا عما حدث وقتها، ولم تقدم اعتذارات واضحة على أشياء حدثت بعدها، ولاتزال دعوة مجدى مهنا لهم للاعتذار مفتوحة بعد رحيله بسنوات.

فخ الحوار الوطنى

فى كلمته إلى الشعب، دعا الرئيس حسنى مبارك إلى فتح حوار واسع، تشارك فيه قوى المجتمع بجميع تياراتها ومؤسساتها، حول التعديلات الدستورية التى طرحها بصفته رئيساً للحزب الوطنى.

وتلقف وزير الإعلام أنس الفقى الدعوة، وأعد حملة تشارك فيها جميع وسائل الإعلام تستمر ثلاثة شهور، قبل إقرار تلك التعديلات فى مجلس الشعب على نهاية شهر أبريل المقبل.

ودعوة الرئيس وحملة الوزير لكى تؤتى ثمارها، لابد أن يسبق الحوار حول التعديلات الدستورية، حوار آخر بين القوى والتيارات السياسية حول عدد من القضايا المحورية، التى بدون التوصل إلى توافق حولها، فأى حديث عن التعديلات الدستورية وحتى بعد إقرارها، لن يحقق الهدف منه، وستتحول تلك النصوص الدستورية الجديدة إلى مجرد مواد تحمل أرقاماً لكنها بلا مضمون، هى مجرد كلمات إنشائية لا وجود فعلياً لها على أرض الواقع.

مثلاً ما فائدة إدخال تعديل جديد على المادة ٧٦ من الدستور يتيح للأحزاب السياسية مشاركة أوسع فى الترشيح على منصب رئيس الجمهورية، بينما الحزب الحاكم لا يؤمن بحق تداول السلطة بين الأحزاب والقوى السياسية، الذى هو أساس وصلب العملية الديمقراطية، فبدون تداول السلطة لا وجود للديمقراطية، وأى حديث عنها هو خداع ووهم و«لعب تلات ورقات».

هذه قضية لابد من حسمها، ومن أن يصل الحزب الحاكم وقياداته ويرسل من التطمينات إلى قوى المجتمع بأنه لن يحتكر العمل السياسى لحسابه، وأن التعديلات الدستورية ليست مجرد نصوص للزهو بها، والادعاء بأننا نملك دستوراً ديمقراطياً، لكن هذه النصوص لن تطبق على أرض الواقع.

قضية العنف الدائر فى المجتمع، سواء من جانب الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة وأجهزة الأمن، أو من جانب بعض القوى الأخرى، خاصة على ضوء أحداث جامعة الأزهر الأخيرة، واتهام جماعة الإخوان بتدبيرها.

قضية ثالثة لا تقل أهمية، تتعلق بشكل نظام الحكم الذى نريده فى المستقبل القريب والبعيد، على أساس أن إدخال تعديلات كبيرة على نظام الحكم يحتاج إلى بعض الوقت، طالما ارتضينا الديمقراطية كوسيلة للتغيير، وليس العنف أو الانقلابات العسكرية.

ما نظام الحكم الذى نريده ونبحث عنه، أعتقد أن هذه قضية كبيرة، تحتاج إلى نقاش وحوار واسع من قوى المجتمع، قبل إقرار أو حتى الحديث عن أى تعديلات دستورية.

الحوار حول تلك القضايا الأساسية له الأولوية الأولى، وهو يسبق أى حوار أو حديث آخر، هذا إذا أردنا فعلاً الإصلاح، وإذا كانت دعوتنا خالصة لوجه الله والشعب، وإذا أردنا أن تكون هذه الخطوة إلى الأمام وليس فى «فراغ»، كالفراغ الذى عشنا فيه على مدى العشرين عاماً الأخيرة.. فهل تدرك الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المشاركة فى دعوة الرئيس مبارك وفى حملة وزير الإعلام، إذا لم يدركها الحزب الوطنى؟ وحتى لا يتحول الحوار إلى «فخ» جديد، كغيره من الأفخاخ التى سبقته والتى نصبها الحزب الوطنى لها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية