x

«المصري اليوم» تزور «مقبرة القطارات»

الأربعاء 16-01-2013 22:15 | كتب: محمد فتحي عبد العال |

«سكك حديد مصر».. ثانى أقدم السكك الحديدية فى العالم بعد إنجلترا، والأولى على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط، ربما تمنحك عراقة تلك الهيئة وتاريخها شعورا بالثقة وتُجبرك على ألا تتخذ غير القطار وسيلة للانتقال الآمن أو السفر من شمال مصر إلى جنوبها، لكن على عكس المتوقع لم يعد أمامك إلا أن تنطق بالشهادتين أو تُطلق روحك وتستودعها عند الله، فقد تكون الرحلة التى ستستقل فيها القطار هى الأخيرة.


«المصرى اليوم»، ترصد فى زيارة لمنطقة الفرز للسكة الحديد، حيث يطلق عليها «المقبرة»، واقع الفساد الذى استشرى داخل الهيئة لسنوات عديدة، كما ترصد حال 80% من جرارات الهيئة التى تخدم منذ 28 عاما، رغم انتهاء عمرها الافتراضى منذ سنوات، وكذلك حال العاملين الذين ليس لديهم أية حقوق مادية أو صحية أو معنوية.. وإليكم تفاصيل تلك الزيارة:


فى مساحة مترامية الأطراف، تزيد على 80 فداناً توجد منطقة الفرز الخاصة بهيئة سكك حديد مصر، لن تستطيع عيناك حصر الكم الهائل من جرارات القطارات، العمال وأهالى المنطقة يعرفونها بـ«المقبرة»، لأن بها أكبر تجمع لجرارات القطارات، لكن الغريب أن تعلم أن أكثر من نصف الجرارات الموجودة هناك «معطلة»، أو تم تكهينها رغم أنه لم يمر على بعضها أكثر من 5 سنوات.


أسباب وجود تلك الجرارات المعطلة كثيرة، بعضها غير مطابق للمواصفات والبعض الآخر تعرض لحوادث، فى حين أصبحت مصدرا لقطع غيار الجرارات الأخرى فى الخدمة.


سنوات عديدة مرت والجرارات تتزايد وتتراكم إلى أن وصلت لنحو 250، فيما لم تستغلها الهيئة بصيانتها ومن ثم إعادتها للخدمة، أو باعتها «خردة» واستغلت ثمنها فى تطوير أو صيانة أو تجديد مرفق السكة الحديد.


تضم هيئة سكك حديد مصر 821 جراراً، مقسمة على ثلاثة قطاعات هى (القطاع الطويل)، وتختص منطقة الفرز بجرارات هذا القطاع الذى يضم 456 جراراً، الذى يعمل منها 256 جراراً، والباقى ما بين معطل أو تم تكهينه أو لا يعمل، وتحمل قطاراتهم اللونين الرصاصى وهو ألمانى الصنع، والأزرق وهو أمريكى الصنع، ويطلق عليه «التكاتك» أو «الخنافس» كما يسميها عمال السكك الحديد نظرا لصغر حجمها.


يتبقى من 821 جراراً عدد 225، مقسمة على القطاع القصير وهى الجرارات التى تخدم بين بلد وآخر فى مسافات قصيرة وتحمل اللون الأصفر مثل (قطار المناشى، وأبوزعبل).


وهناك قطاع قطارات البضائع ولونها أحمر، ويوجد 100 جرار لا تعمل تماما وخارج نطاق الخدمة منذ ما يزيد على 12 عاما، وتوجد بحوش منطقة الفرز (المقبرة)، وبحسب المهندس سامى عفيفى، مدير عام منطقة الفرز فإن 80% من الجرارات فى هيئة السكك الحديد «ألمانية»، وموجودة فى الخدمة منذ 1978، وانتهى عمرها الافتراضى فعليا، إلا أن ورش الصيانة أجرت عدة عمرات لها، وتعول هيئة السكك الحديدية على الجرارات الألمانية، وتعتمد عليها بشكل رئيسى فى رحلاتها، أما الجرارات الأمريكية فلم تكمل ثلاث سنوات فى الخدمة بعد.


ويضيف المهندس سامى عفيفى، أن الجرار له ما يعرف بالدورى وهى مسافة (3 أشهر)، طالما أن الجرار لم يحدد له موعد الدورى الخاص به، فهو فى المحطة والرحلات، وكثيرا ما يأتى الجرار من الإسكندرية ليذهب مباشرة فى رحلة إلى أسوان، وربما يعمل الجرار ثلاثة أيام متصلة دون توقف وهو ما يؤثر على الحالة الفنية له، والسبب فى ذلك هو نقص الجرارت المؤهلة فى الهيئة.


يقول عادل، أحد الفنيين بمنطقة الفرز، إن أطول قطار فى مصر يضم 14 عربة مثل قطارى 890، 980 المتجهين إلى الأقصر وأسوان ذوى الجرارين الإسبانيين، وهناك ما يعرف بالتوربينى، وهو عبارة عن وحدة كاملة (عربة جر فى الأمام وأخرى فى الخلف) وبينهما عربات مما يسهل من عملية المناورة، ويعتبر وحدة كاملة تسهل عمليات الصيانة، فيما طالب بشراء عدد من تلك الجرارات ذات الوحدات المتكاملة، مؤكدا أن الهيئة تعمل على تسيير 1300 رحلة يوميا، يقوم بها نحو 400 جرار فقط، أى أن الجرار الواحد يقوم بـ3 رحلات يوميا، وهو ما لا يعطى الفرصة للكشف الفنى على سلامة الجرار وحالته التقنية، مشددا على أن السبب فى ذلك ضعف الإمكانيات.


بينما يقول محمود، عضو اللجنة النقابية بهيئة السكك الحديد، أنه فى عام 2007 وفى عهد محمد منصور، وزير النقل الأسبق، اشترت الهيئة (81 جرارا) بمنح من قطر وليبيا، إلا أن العجيب أنه تم تكهينها بالكامل بسبب عيوب فنية مثل (شرخ فى العجلات وعيوب فنية بمواتير العجل)، علما بأن هناك لجنة فنية قامت باختبار تلك الجرارات فى بلد الصنع وهى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم تبين وجود هذه العيوب الفنية بها، مما أدى إلى تكهينها جميعا.


أما سيد على، فنى بمنطقة الفرز، فيقول: أحيانا تشترى الهيئة جراراً، ويكون هناك عطل فنى فى جرار قديم يحتاج لقطعة غيار ربما يصل ثمنها إلى 20 ألف جنيه، فتأخذ الهيئة قطعة الغيار من الجرار الجديد لتضعها فى الجرارت القديمة، بمنطق «أشغل الثلاثة وأعطل واحد»، والسياسة المتبعة أن الجرارات القديمة أثبتت كفاءة فى العمل، أما الجرارات الجديدة فلا توجد ثقة من الهيئة فى عملها ولذلك تم ركنها منذ شرائها واستخدام قطع غيارها لتشغيل الجرارات القديمة.


وأكد على أنه فى عام 2007 قاموا بشراء صفقة من قطارات «آلستم» وهى عبارة عن 30 جراراً تصل تكلفة الجرار الواحد إلى 2.8 مليون دولار، وتم تكهين هذه الجرارات رغم أنها لم تدخل الخدمة إلا فى عام 2007.


ويضيف عادل سيد، مشرف بالورش، أن هناك ما يعرف باسم «علب العادم»، تأتى من مصانع محلية قطاع خاص، إلى الهيئة ويكون معظمها غير مطابق للمواصفات، وفائدة هذه العلب هى حماية الماكينة فى الجرار من حدوث حريق، وللأسف تأتى بعيوب فنية، ويضطر عمال الورش إلى توسيع فتحات العلب أو تهيئتها لوضعها فى الجرارات، وقد يسير القطار وعلبة العادم بها تسريب مثل قطار الصعيد، حتى ينتهوا من صيانة الجرارات، وإلا فإن تلك الجرارات سيتم إيقافها.


تعتبر منطقة الفرز هى عصب السكك الحديدية، حيث يتم الكشف الدورى على الجرارات كل 15 يوماً تقريبا، إلا أن عمال الورش والفنيين الذين يقومون بهذه الصيانة يعملون تحت ظروق سيئة، فلا توجد معدات للسلامة والأمن المهنى، كما يقول احد الفنيين، موضحاً أن مدير المنطقة قام بتعيين مهندس زراعى للسلامة والصحة المهنية، رغم أنه غير متخصص ومنتدب من هندسة السكة، كما أن العامل يعمل بلا ملابس معدة لذلك ولا أحذية تلائم ظروف العمل.


ويضيف مصطفى على، رئيس اللجنة النقابية، إن هناك ما يعرف باسم (عمال المناورة)، وهم أكثر عمال السكة الحديد تعرضا للموت والإصابة بالعجز الكلى والجزئى، كما أن الهيئة تعانى نقصا رهيبا فى تلك الفئة من العمال لأنها مهنة خطيرة ويخشى الجميع الالتحاق بها، ولا يوجد للعاملين بها كما لا يوجد للعاملين بالورش والصيانة عموما بدلات للمخاطر التى يتعرضون لها، ويمكن تلافى مثل هذه الحوادث إذا ما تم معاملة هؤلاء العمال بشكل آدمى، حيث يعمل عامل المناورة 24 ساعة ويحصل على 48 ساعة إجازة، الأمر الذى يسبب عدم تركيزه فى العمل رغم خطورة ما يقوم به، وإنهم طالبوا أكثر من مرة بجعل العمل كبقية العمال بنظام الوردية 8 ساعات أو 6 ساعات.


العامل ومستشفى السكك الحديدية


طالب مصطفى على، رئيس اللجنة النقابية بهيئة السكك الحديدية، الحكومة بأن تساوى بين عمال السكك الحديدية والعاملين بالهيئات الأخرى كالشرطة والكهرباء وغيرهما، فيما يتعلق بإمكانية علاجهم وأسرهم كالزوجة والأبناء، متسائلا: هل يعقل أن عامل السكك الحديدية رغم ما يقوم به من خدمات للشعب، ليلا ونهارا وأثناء العطلات الرسمية وفى الأعياد، لا يتمتع بتأمين صحى كامل، واذا ما أصيب أحد ابنائه لا يمكنه علاجه فى مستشفى هيئة السكك الحديدية، وحتى ذلك المستشفى لا يخدم خدمة لائقة، ومنذ عامين ويرددون أنهم يقومون بعمل صيانة وتطوير للمستشفى كمبنى وكخدمات، وهو ما لا نستطيع مشاهدته فعليا، فنحن نجد أسوأ خدمة طبية.


المثير للدهشة- كما يقول أحد المسؤولين بهيئة السكك الحديدية، رفض ذكر اسمه أن كثيرا من المسؤلين بالهيئة على علم بأن هناك بعض السائقين، خاصة سائقى قطارات البضائع، يتوقفون فى طريق الرحلة، بعد الاتفاق مع عناصر معينة تتاجر بالسولار فى السوق السوداء، لبيع السولار الموجود بخزان الجرار، المخصص ليقطع رحلته المعروفة، علما بأن الجرار يحوى أكثر من 3000 لتر من السولار.


ويضيف: المصيبة أن هناك عدداً ليس بقليل من السائقين والعطشجية يتعاطون الحبوب المخدرة والحشيش بهدف القدرة على العمل أو المزاج، وهو ما يقلل من كفاءته وقدرته على التصرف إذا واجه أزمة أو حادثاً، لذا فنحن نطالب بالكشف الدورى عليهم، مشدداً على أن تعاطيهم المخدرات أمر يجعل سلامة القطار كلها فى خطر، كما أن بعض السائقين ربما يعانى من أمراض مزمنة لا تتناسب مع مهنة سائق القطار كالسكر والكبد.


يوجد بمنطقة الفرز مساحات هائلة من الخردة وقطع الغيار المستبدلة وأجزاء متهالكة من القطارات، تمثل مصدراً اقتصادياً ضخما اذا تم استغلالها أو عمل مزادات علنية عليها، إلا أنه منذ 20 عاما لا يوجد سوى مقاول وحيد فقط هو (مجدى إطشا)، الذى يأخذ المستهلكات من الهيئة، ما يعد مخالفة للقانون، الذى يلز الهيئة بعمل مزادات علنية، تأتى فيها بعدد كبير من المقاولين.


وتتعرض منطقة الفرز بمنطقة الشرابية لحالات من السرقة من قبل عصابات متخصصة فى سرقة هذا النوع من الخردة، حيث إن قيمتها مرتفعة جدا، وتعرض أمين الشرطة إبراهيم محمد للإصابة بطلق نارى أثناء مطاردته عصابة سرقة الخردة، نقل على أثرها إلى مستشفى الشرطة، واستقر حاليا بمستشفى المعادى لخطورة حالته، الأمر الذى دفع مدير منطقة الفرز لطلب زيادة قوات الأمن الموجودة لحماية وتأمين المنطقة، حيث تحتوى على «كنز» يجب الحفاظ عليه.


المهندس عيد عبدالقادر، رئيس هيئة سكك حديد مصر الأسبق، يقول إن حالة هيئة سكك حديد مصر تحتاج لتعاون من كل أجهزة الدولة للنهوض بحالة القطارات، ووقف نزيف الدم، الذى تتسبب فيه حوادث القطارات، كما أن الهيئة تحتاج إلى إمكانيات مادية لتنفيذ مشروع المزلقانات الإلكترونية، التى وضعت خطتها فى أواخر 2008، ولم يتم تنفيذها بسبب وقف قرض من البنك الدولى قيمته 250 مليون دولار، موضحا أن تلك الأموال لم تتح إلا من 3 أشهر فقط، وبالفعل بدأت الهيئة فى تنفيذ المشروع فى 25 مزلقاناً من أصل 1261 مزلقاناً، ولا يحتاج المزلقان سوى 15 يوماً فقط لتركيب الأجهزة وربطها بالبلوكات، ليصبح المزلقان إلكترونيا، ويجعل عملية المرور للمواطنين وللقطارات سهلة وآمنة.

 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية