النّهار كان «موقعة الجمل»، ولكن المُشكلة الأكبر التي لا يذكرها أحد كانت في تِلك الليلة الطويلة التي أعقبته، رُصاص القنَّاصة المَكتوم الذي يَخطف الرّفاق من أكْتُفِ أصحابهم، شيئاً لا سَبيل لمُقاومته أو الوقوف أمامه، كان أشبه بالقدرِ المَكتوب.
ما أبقى الثورة حيَّة في تِلك الليلة كان هؤلاء الذين ازدادت أقدامهم ثباتاً في الأرض كلما اهتزَّت قلوبهم: الخوف الذي يَرتد إيماناً، والرَّهبة التي تَصير تَمسُّكاً.
ما أبقى الثورة كان قنابل المولوتوف التي أضاءت سَماء القاهرة ليلتها، ورُوح الله التي أحاطَت بالميدانِ وناسه، ليُرَدّ البأس عَنهم ويُبقيهم آمنين.
وما تبقى حين انتهى يوم الجمل بكل ما فيه وحَلَّت شمس الخَميس.. كانت تِلك الحكايات الصغيرة التي يرويها الناس لبعضهم بفخر وإرهاق عن موقعة الأمس، أين كانوا وماذا فعلوا، وبجانبهم بعض زجاجات المولوتوف التي تذكَّرهم.. «وإن عُدْتُم.. عُدنا».