«مثالى»، هكذا يوجز الدكتور حسن الترابى، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبى السودانى، رؤيته للدستور المصرى الجديد.
السياسى، الذى خرج من رحم جماعة الإخوان، ويضعه كثيرون فى خندق مجددى التيار الإسلامى السياسى ـ يؤكد أن الدستور المصرى غير مسبوق تاريخياً فى الحريات، وفيما وصفه بتحجيم مؤسسة الرئاسة، لكنه يعبر عن اندهاشه من استمرار مجلس الشورى، ويتفهم ما حدث ليلة إقراره، «حتى لا ينسوا الصياغة»، إذا قطعوا النقاش، نافياً أنه «سُلق»، ونافياً أيضاً أى علاقة لمرشد الجماعة بالحكم، مؤكداً أنه لا يُستشار فى أمور الرئاسة.
ينصح الترابى المصريين بعدم الانجرار خلف الأحزاب الكثيرة، مذكراً بأن أمريكا بها حزبان فقط، مكرراً دائماً أن ما يحمى مصر هو الروح الوطنية المتجانسة، التى عرفتها عبر العصور، لتنتهى لأول مرة، بدستور يصنعه المصريون بأيديهم، لا بأيدى الحاكم.
وإلى نص الحوار:
■ كيف تقرأ ما يحدث بمصر؟
- أتفهم ما يحدث، فدائماً بعد الثورات الرأى مكتوم، وفجأة يحدث انطلاق، وتتكاثر الآراء، والظلمات كلها تنفجر مرة واحدة، والكل يريد لمطالباته أن تحل فورا، وعدد كثير من الناس لا يعرف الحقيقة، كان كل همهم، فى السابق، مصوباً على إزالة النظام، وعندما أزيل يتحيرون، فهم لم يتوقعوا أن النظام سيزول وما يحدث الآن، هو أن الكبار عندهم قليل من التجارب، فقد كانوا مكبوتين، فكان ما يوحدهم من قبل، وجود النظام وكراهيته، وعندما زال عامل التوحد ظهرت الصورة هكذا.
وهذا حال كل ثورات العالم، لم يتفقوا على شىء فقط هم ضد شىء واحد، والتوجهات من منطلقات مختلفة جداً، ليست مصوبة لأفكارهم ورؤاهم، ولا لقضايا مصر، ولا لابتلاءاتها. من السهل أن أدعو لاحترام قواعد الديمقراطية، لكن هى أساسا صعبة جداً فى التنافس، والإضرابات المتتالية، جعلت الناس يقدمون أولوية الأمن والاستقرار، على أى شىء آخر. ومسألة الأمن، فعلاً، مهمة فى مصر، لأنها اعتادت تاريخياً على استقرار نسبى والآن انطلقت وحدث ما حدث.
لا أحد لديه حلول جاهزة، قد نكون أساتذة فى علوم القانون والدستور، لكن أطروحاتنا تظل محاضرات نظرية، لا يوجد تطبيق، وإذا لم تطبق لن تعرف أيها أجدى، النظام الحاكم بدون تجارب، ولذلك لا يحتملون الحريات الواسعة.
على شعبنا فى شمال الوادى أن يعى جيداً أن مصر، الكل ينظر لها، من شرق وغرب، فما يجرى فيها يتأثرون به، فلو أحسنتم ستكونون مثالاً، الكل ليس لديه تجربة، والآن تم عزل كل من كان لديه تجربة، وظروف الانتقال هكذا كمراقب أرى أنها أمر طبيعى، فالإنسان إذا انتقل من بيت إلى بيت تجده مضطرباً، فلن تستقر أوضاعه، حتى يتكيف فى بيته الجديد، ما يطمئننى هو إيمانى بأن الوطنية فى مصر قوية، وخلافاً لبلدان أخرى، ليسوا موحدين فى وطنية واحدة، فهناك نزعات وقوميات، وحتى التيار السلفى فى مصر، الذى ليس عنده أى تجربة، ولا نظرية فى السياسة، وكنت أخشى عليهم، تطوروا نسبياً فى العمل السياسى.
■ هل اطلعت على الدستور المصرى الجديد؟
- نعم، ودرسته جيداً، أراه جاء مثالياً، أكثر مما كنت أتوقعه، فالقائمون عليه رتبوا موضوع الرئاسة وقلصوها حتى تتوازن مع السلطات الأخرى، لتصبح مؤسسة الرئاسة أقرب للملكية، السلطة التنفيذية فى يدها، لكن دستور مصر منح الكثير منها لمجلس الوزراء وربطه بالمجلس النيابى، وإذا حدث شىء يرجع بالاستفتاء، وهذا شىء لم أره فى دساتير من قبل، والحريات أهم مميزات الدستور، والامتياز معروف أنه حاجة نسبية أصلاً، وإذا تحرك البلد إلى مستوى أعلى سوف يتقدم، فمصر نسبياً تحركت وعلت، لأول مرة، منذ أن خلقها الله، فهذه أول ثورة حقيقية لها.
■ لكن هناك شريحة كبيرة فى مصر ترى أن الحريات منقوصة فى الدستور؟
- انظر للحريات كيف كانت مصر، وكيف هى، والآن أرى أن الحريات بالدستور المصرى الجديد بها قفزة.
■ وسلطات الرئيس أيضاً بها قفزة؟
- من الطبيعى أن يرى البعض أن الرئيس أخذ سلطات أعلى، لأن الجو جو خلاف، ولكنى أنظر للمستقبل وأخشى منه، لأن الرئيس أضعف جداً فى الدستور.
■ ألا ترى أن غياب نائب الرئيس عن الدستور يعطى سلطة أكبر للرئيس؟
- نائب الرئيس ليس مهماً، لأنه وضع لظروف استثنائية، حينما يموت الرئيس، أو يستقيل، ليتولى حتى تحدث انتخابات، فهو منصب شكلى، والنائب فى أمريكا لا قيمة له، ففى أمريكا يكون الرئيس جمهورياً والمجلس ديمقراطياً أو العكس.
الدستور أعطى مجلس الشورى بعض السلطات ولا أرى مبرراً لأن ننتخب مجلسين، فى دول أخرى الأمر مفهوم، لأن هناك كيانات وموازنات وهموم وقضايا مختلفة، بينما مصر بلد مستقر جداً، لا يوجد تباين كبير فى أفكار الناس، ربما فعلوا ذلك لإعطاء ضمانات أكبر، بمرور التشريعات بأكثر من جهة، وأفسر ذلك بأنه من شدة الطغيان أكثروا من الحريات، وهى فى بعض المرات تكون صالحة، وفى مرات أخرى قد تكون صعبة. الحريات فى مصر جعلت الكل يُضرب، حتى القضاة، وهناك شراسة فى الخصومة.
■ رغم كل ما قلته، هناك نسبة لها قيمتها رفضت الدستور، بماذا تفسر ذلك؟
- كثير من الناس فى مصر لم يصوتوا على الدستور، بل صوتوا بنعم أو لا على الرئيس وليس الدستور، وكان يجب أن يدرس الدستور ويناقش ويطرح كثيراً على الشعب، لكن، فى بلداننا، الدستور مثل النشيد الوطنى والعلم، مجرد رمزيات لا يرجع إليها، فالكل يفعل ما على هواه. الحريات أتيحت فى مصر الآن، فالكل سيعود للقانون، فكان يجب أن يفتحوا المجال للنقاش فى ندوات يحضرها قانونيون، ولكنى وجدت القانونيين فى مصر سيسوا القانون مع أو ضد، وشخصنوا المسألة أكثر من مما يجب لأن النظم فى حياتهم لم تكن موجودة، فلو جلسوا ونسوا من الرئيس، وناقشوا الدستور، ستكون الصورة مختلفة تماماً.
■ كيف ترى مخاوف «الأسلمة» و«الأخونة»؟
- والإسلام فعلاً يعم الحياة، ولكن لابد أن تكون هناك قاعدة من أصول الدين للناس، وأنصح الإخوان بأن يتركوا الحزب مستقلاً، فلديه عمل اجتماعى ثقافى دعوى، ولابد من الانطلاق، حتى تخرج ثورة هائلة يتخير من بينها الناس، ولكنهم لم يمروا بهذه التجربة من قبل، لأنهم كانوا مضغوطين ومكبوتين فى النظام السابق، ولابد أن يكيف الجميع نفسه، عدد كبير من الشباب بذل مجهوداً كبيراً لإزالة النظام السابق، لكن لسان حالهم يقول نحن ثائرون ومقاتلون، ولسنا مفكرين ولا مبرمجين ولا سياسيين، فهم مازالوا يبحثون، أما الكبار فليس لديهم جذور حزبية ولا مؤسسات، أنا لا أقصد أن ألوم عليهم، ولكن أقرأ ذلك بأنهم كانوا فى كبت ولم تكن لديهم حرية، فمصر لاتزال فى حالة تطور سياسى.
■ لكن هناك من يرى أن الدستور تم سلقه لـ«تمكين» الإخوان؟
- الدستور لم يسلق، وأرى أنه أخذ وقته تماماً، لننظر إلى المدة كلها، ستة أشهر كاملة، وليس، فقط، الأيام الأخيرة التى حدث بها الخلاف، أراهم ضبطوا الصياغات، وهذا أخذ نقاشات كثيرة فى تقديرى. الدستور مشروع يمر بمراحل كثيرة، منها مشاورات مع المختصين، ثم يناقش مادة مادة، وفقرة فقرة، وجملة جملة، حتى تضبط صياغتها. فى مصر لم يعتادوا أن يكون هناك دستور لك به علاقة، كان الحاكم فقط هو الذى يشرعه، والعرض الأخير، فى كل العالم، لابد أن يكون هكذا متواصلاً، فهو عرض صياغة فقط، وأنا تابعت هذه الجلسة طوال الليل، ولا يمكن أن ترفع الجلسة وتعود مرة أخرى، فهى للصياغة، وليس الصناعة، وكان لابد أن تستمر جملة واحدة حتى لا ينسوا، وحتى تكون الصياغة متجانسة لأن الكل يستعمل اللغة بطريقته.
■ ما نصائحك للمصريين فى المرحلة المقبلة؟
- اليوم يوم تشكيل القوى السياسية، وأنصحهم بعدم التكاثر حتى لا يتحير المواطن، ولو تشكل المجلس من قوى كثيرة، سيكون مرقعاً، وأى أزمة سوف تمزقه. يجب أن يكون تشكيل الأحزاب من القواعد، وليس من الصفوة.
■ وما نصيحتك للرئيس مرسى والإخوان؟
- الحكم يقوم على القانون والدستور، والسلطان لا يُفصَّل، والتيار الإسلامى فكر واحد فى أصوله، يخرج منه الساسة شيئاً مفيداً، ولابد أن يعرفوا قصة التدرج، زمان كانت الاشتراكية والرأسمالية صعبة التطبيق، الآن انتهى الأمر، هذا سيحدث بمصر، أرى آراءهم متناطحة، كما كانت شعوب العالم فى تجاربها. مصر تتميز بروح الوطنية والتجانس، وأتمنى على الإسلاميين أن ينظروا للسياسة كمنظومة حياة، ولا يفصلوها عن دوافع وثوابت الدين، فلربنا حسابه وعقابه، لكن اتركوا الناس تعيش على قاعدة مشتركة، من أصول وثوابت الدين، وخصصوا أناساً فى القصة السياسية بمفردهم، أرى الكل يهتف ضد المرشد، وفى تقديرى أنه بعيد ولا أحد يستشيره، وأرى أن الأزهر أخذ موقفاً معقولاً فى الأزمة، ولابد أن يؤخذ رأيه كما يؤخذ رأى الجميع لأن أى رأى يعطى إسهاماً.
■ تظل حالة من الخوف من حكم الإسلاميين قائمة.. لماذا؟
- لأن كل غريب منكر، فالكل خائف، عندما أتت الاشتراكية كانت صعبة، واضطرت تذهب لأوروبا الشرقية لتكيف نفسها، والغرب يكره الإسلام لأنهم لا يعرفونه، يعرفون فقط الحروب الصليبية والاستعمار، ووصموه بالإرهاب، والتخلف برجال الدين، عندما يعرفون الإسلام سيكون الأمر عادياً، فالكل يريد أن يحكم، وهذا ليس معقولاً. الاشتراكية الناس تمسكوا بها لأنها ضد الغرب، والآن الناس بعدوا عنها، وهذا ليس معناه أنها لم تقدم شيئاً، ولكن هذه التجربة أصلحت الغرب ولم تجعله يتطرف أكثر. ولذلك أؤكد أن الإسلام لن يضيع.