على بعد خطوات من أرض فلسطين، سور متواضع هو الفاصل بين رفح وغزة.. أثناء سيرنا فى شارع قريب كنا نسمع تعليقات «شايفين العمارة البيضا اللى هناك دى فى غزة»، غزة أقرب إليهم من أى شىء آخر، نبضات الضرب أو الاعتداء عليها تؤثر فيهم كما لو كانوا يعيشون داخلها، نتحدث عن أهل رفح، تلك المنطقة الحدودية الخطرة، والحساسة، التى ما إن تطأ قدماك أرضها، إلا وتلحظ تلك البيوت الفاخرة، الأقرب إلى القصور الفخمة .
على غرار «جوهانسبرج» وعندما تسأل لا تعرف إجابة محددة، وإنما تستمع لكلمات مثل: «الأنفاق يا عم الله يسهلهم»، لكن لأننا لم نرد أخذ أى انطباع دون حقائق تجاهلنا التعليق، وسرنا إلى الداخل والعمارات والبيوت القريبة جداً من غزة، ومررنا فى ميدان الجندى المجهول الذى تم تكسيره من قبل الجماعات السلفية المتشددة فى سيناء خلال جمعة الشريعة، وقيل لنا إنهم حاولوا تكسير تمثال السادات، لكنهم فشلوا لقوة بنيانه، المهم أن رفح لها ما يميزها بالفعل من أجواء ترقب لقربها من غزة والحدود مع إسرائيل، الجميع يتحدث عن حادث قتل الجنود المصريين، وعن معبر رفح، لكن الأهم والمثير هوالحديث عن الأنفاق، التى تتواجد داخل البيوت حتى إن أحد سكان رفح أكد لنا أنه سيذهب ليلاً لتقديم واجب العزاء فى غزة عن طريق أحد الأنفاق.
«النفق زى أى مشروع عالى».. هكذا حدثنا «أبوحسن» داخل منزله الأنيق الذى علمنا أن به أحد الأنفاق الخاصة بالبضائع فهو يرسل إلى غزة «الكالمنتينا» ـ أحد أنواع الفواكه ـ ليكسب 500 جنيه عن الكمية المطلوبة، «أبوحسن» يؤكد أن «الأنفاق كانت من 10 سنين بجد، الأنفاق دلوقتى لا تأتى بهمها، كانت تنقل حديد وخردة وسلع وخضار وحاجات كتير، دلوقتى لأ».
ويتابع: «الرأى العام تأخر فى إثارة موضوع الأنفاق، دلوقتى مالهاش لازمة، دى كانت أيام أمن الدولة، ونظام مبارك، حتى موضوع تهريب السلاح.. فلسطين لا تحتاج الآن لتهريب سلاح، هم يصنعون كل شىء، وكان كل شىء يتم فى البداية بالتنسيق مع الحكومة».
ويؤكد أن ما تم تدميره من الأنفاق «كام نفق كبار الحجم» وأن الأخطر فى الأنفاق الصغيرة الموجودة جوه البيوت التى لم يقترب منها أحد وهى تعمل حتى الآن.. ببساطة مئات الأنفاق، تحت كل بيت نفق، يا ستى، هنا قاطعنا «حسن» ولده، الذى يشكو من البطالة داخل رفح، التى يعانى منها شباب المدينة وأن البطالة تدفعهم للعمل فى الأنفاق، وهو عمل مرهق، كما وصفه لنا كثيرون، فالشاب يظل محنى الظهر بطول النفق، الذى قد لا يتعدى مترين متر لإدخال بضاعة، والبضاعة المطلوب تهريبها إلى غزة تأخذ مدة طويلة «حسن» يتحدث والمرارة تغلف حديثه: «كنا فاكرين بعد الثورة الشباب هايتوظف، بنتفرج على الأخبار واحنا مدفونين هنا».
وبعد استماعنا لأهالى رفح صعدنا إلى التل الكبير بمحمية «الأحراش» بالقرب من رفح لنرى «غزة» على بعد أمتار قليلة منا يكمن فيها وجع سنوات طويلة، لا نحمل له سوى الأمل فى عالم أفضل لنا ولهم دون تخطى حدود وطن دفع كثيرون فى ترابه دماءهم، على بعد أمتار قليلة صعد منا أطفال يلهون بالدراجات البخارية، دون خوف من قصف أو رادار أو عسكرى يمنعهم، ألقينا نظرة الوداع وذهبنا.