x

«المصري اليوم» ترصد أوجاع حدود مصر 2-7: هنا «رفح».. مدينة «الإخوة الأعداء»

الخميس 23-02-2012 15:59 | كتب: أشرف جمال |
تصوير : other

 

9 آلاف كيلو متر قطعتها «المصرى اليوم» ذهاباً من القاهرة وإياباً من مدن الحدود باتجاهاتها الثلاثة، فى رحلة متواصلة استغرقت نحو الشهرين، رصدت خلالها أوضاع تلك المدن بقراها ونجوعها مترامية الأطراف، وعاشت مع سكانها أوجاعهم وهمومهم التى تطابق الكثير منها رغم الاختلافات الجغرافية والديموجرافية، والعرقية.

«الثورة لم تصل بعد».. جملة وجدتها الأكثر دقة فى وصف ما شهدته من أحوال معيشية لأبناء الأطراف، والتى شابه بعضها مجاعات الصومال، وجاوز البعض الآخر حياة عصور ما قبل الميلاد، ببدائيتها وجهلها وجاهليتها، وجميعها عوامل تنذر بانفجار جديد قد تدفع مصر ثمنه غالياً، لأن تجاهل الأطراف يعنى فتح الأبواب على مصاريعها أمام الطامعين فى بلادنا، وما أكثرهم.

«الإهمال والفقر والعنصرية» كانت العامل المشترك لأوجاع أبناء حدودنا الشرقية والغربية والجنوبية، على حد سواء، فكثير منهم دفع حياته ثمناً للجوع والعطش، بل لرشفة دواء لم يجدها فى ذروة مرضه، وجميعهم أدخلونا دائرة التصنيف العنصرى، بعد أن سبقونا إليها بفعل الغباء الأمنى والتخاذل الإعلامى، فانقسم المصريون فى نظرهم إلى «البدوى» و«البحراوى» أو «ابن الوادى»، وهى مصطلحات توحدوا عليها دون اتفاق مسبق، لكونها خلاصة تمييز صنعته الدولة منذ عقود طويلة، ليكتووا هم بناره، ويتجرعوا مرارته دون أن يسمع بصراخهم أحد.

رحلتنا الطويلة لم ترصد الحالة الإنسانية فحسب، وإنما دفعتها المصادفة «أحياناً» وحب المغامرة «عادة» إلى التطرق لظواهر غاية فى الغرابة، وملفات كادت تكلفنا الحياة، لتكون المحصلة رصداً صحفياً نطرحه أمام المسؤولين فى 7 حلقات، مغلفاً بتحذير يحمل خلاصة المعايشة: «احذروا انفجار حراس مصر

هنا «رفح».. مدينة «الإخوة الأعداء»

«لا تذهب هناك وحدك».. نصيحة تلقيتها بلهجة تحذيرية قاطعة من بعض زملائى المهتمين بتغطية الشأنين السيناوى والفلسطينى، والذين التقيتهم بالصدفة فى أحد فنادق العريش، فبمجرد علمهم عزمى التوجه بمفردى فى مهمة عشوائية إلى مدينة رفح أرصد خلالها ما آلت إليه تلك الرقعة الحدودية من أحوال بعد ثورة يناير، وما كانت عليه من أوضاع وأوجاع قبل الثورة، أكدوا لى أن الطرف الشرقى لمصر بات غير مؤهل أمنياً حتى لمجرد سيرى منفرداً بين أرجاء هذه المدينة أو الجلوس على مقهى، لدرجة أن أحدهم حذرنى من أنى قد أدفع حياتى ثمناً لتلك «الزيارة المتهورة» على حد تعبيره.

لم أتوقف كثيراً أمام تلك التحذيرات، رغم اكتراثى بها ويقينى بصدقها، فقررت التوجه إلى رفح أعزل من أسلحتى الصحفية «الأوراق والكاميرا والمسجل»، ومستقلاً سيارة نقل جماعى لأكون بين الناس الذين استقبلونى فى بادئ الأمر بنظرات ريبة سرعان ما تلاشت بمجرد تحرك السيارة وانشغال الركاب بأحاديثهم الجانبية التى تمحور غالبيتها حول الانفلات الأمنى والصراعات القبلية المسلحة بين عائلات العريش وقبائل بدو رفح، وانتشار ظاهرة «توثيق» البشر والسيارات بين الجانبين، والتوثيق- كما عرفت بعد ذلك- يعد مادة أصيلة فى قانون العرف البدوى لا يتم اللجوء إليها عادة إلا عند الضرورة القصوى، ويعنى قيام طرف صاحب الحق باحتجاز الأشياء الثمينة من آخر «محقوق» كرهينة لحين حصول الأول على حقه.

«ادخلوها بعناء خائفين».. هذا ما تشعره بمجرد وصولك مدينة رفح- التى عرّفها الفراعنة قبل خمسة آلاف سنة بـ«روبيهوى»، ثم أطلق عليها الرومان «رافيا»- حيث تساورك انقباضة غريبة، خاصة بعد أن تكتشف أنك محط أنظار تظل ترمقك حتى تتوراى عنها، وتتنامى إلى أسماعك همسات تشعر معها بكونك غير مرحب بك، لكن بمجرد المكوث قليلاً فى أى مكان تتوه فى ثنايا فوضى مدمرة لاصوت يعلو فيها فوق صوت التهريب العلنى و«الثقيل» عبر الأنفاق التى لا ينقصها فقط سوى لافتات إرشادية لتمييزها عن بعضها البعض.

«العنصرية الشديدة».. أقل ما يمكن أن تستشفه بمجرد التحاور مع أحد أبناء هذه المدينة الحدودية، الواقعة على مساحة 633 ألف كيلو متر مربع، فهى بلدة تجهر بالكراهية بين طوائفها الثلاث- حسبما أكد سالم مرزوق، سائق التاكسى الذى أعادنى من رفح إلى العريش- موضحاً أن (البدو) هم أهل سيناء الأصليون ويمثلون الأكثرية وأصولهم مصرية 100%، و(القلاعيين) وهم أيضا من أهل سيناء، ولكن من أصول فلسطينية وسورية ودرزية وتركية بل روسية أيضاً، و(الوافدين) وهم أهالى الدلتا من القاهرة والصعيد.

ويقول «سالم»- وهو أحد سكان مدينة «الشيخ زويد» المجاورة لرفح: «جميعهم لا يحب الآخر، وكأنهم اتفقوا فقط على الكراهية المتبادلة، فالبدوى خائن وعميل، فى نظر الوافد الذى يُعتبر هو الآخر دخيلاً محتلاً ويطلق عليه أبناء المدينة الأصليون اسم «المصرى»، بينما يجهر الكثير من القلاعيين بانتمائهم لفلسطين أكثر من مصر، حتى ولو كانوا مصريين أباً عن جد، وما قد يفسر ذلك هو أن المدينة قُسّمت إلى شطرين بعد اتفاقية كامب ديفيد، حيث استعادت مصر سيناء، وحسب الاتفاقية وضعت الأسلاك الشائكة فانفصلت رفح سيناء عن رفح فلسطين.

«بالله عليكم لمّوا السلاح».. هذه الدعوة كانت أول ما تلقيته من شكاوى لسكان رفح البسطاء- الذين تجاوز عددهم التقديرى وفقاً لإحصاء عام 2010، نحو 66 ألفاً و938 نسمة- نقلها عنهم المهندس عماد الشريف، موظف بمجلس مدينة رفح، والذى تعرفت عليه فى ثانى زياراتى للمدينة الحدودية، مؤكداً أن انتشار السلاح بصورة كبيرة فى رفح «ينذر بالخطر».

«الشريف» يقول: «كل واحد بقى عنده سلاح، وحينما تنشب أى مشاجرة، تُشهر هذه الأسلحة لتصبح المعركة أشبه بالحرب الأهلية، مما يهدد أمننا جميعاً، والحل الوحيد أن تسحب الحكومة هذا السلاح من خلال الضغط على المشايخ الذين يعرفون أعداد هذه الأسلحة عند كل واحد».

قبيل توجهى لمدينة رفح للمرة الثانية، كنت على موعد مع صديق شاب يدعى سعيد عُتيّق، وهو من سكان إحدى القرى الحدودية برفح، لكنه يعيش بجوار تجارته فى مدينة الشيخ زويد. بمجرد أن تناقشت مع «سعيد» حول فكرتى الراصدة لأوضاع سكان المدن الحدودية، فوجئت بسيل جارف من المعلومات حول أهل المنطقة وآلامهم وأمانيهم، وهو ما لم أستغربه بعد أن علمت أن هذا الشاب هو أحد الأعضاء المؤثرين فى ائتلاف شباب الثورة، بل يمكن أن نعتبره حلقة الوصل بين مركز الثورة فى القاهرة، وطرفها الشرقى فى سيناء.

«نعانى انهياراً أمنياً أدى إلى انفلات أخلاقى».. صورة مبدئية رسمها «سعيد» للوضع الحالى بدءاً من رفح وضواحيها حتى العريش، قائلاً: «بعد انتهاء حرب 73 كان هناك احترام وخوف شديدان من الأمن، خاصة الجيش المصرى الذى فرض هيبته وكسر عقيدة حاولت إسرائيل غرسها بأن مصر بلا مخالب، وبمجرد انتهاء الحرب أصبح الجيش هو الشىء المصرى الأكثر حبا فى نفوس أهالى سيناء، خصوصاً جهازى المخابرات (العامة والحربية)، لكن جاءت الممارسات الأمنية الشاذة والفاسدة والعنصرية لجهاز الشرطة، وابتعاد القوات المسلحة عن المشهد الأمنى فى سيناء، ليبدلا الصورة، ويحولا الاحترام إلى خوف من القهر والافتراء». صمت لبرهة ثم تابع: «ظللنا على معاناتنا إلى أن انفجرت الثورة التى أنهت أسطورة القهر الأمنى، فبات الناس لا يحترمون أى جهاز أمنى على الإطلاق، وفقط كانوا يتذكرون تصارع أجهزة الأمن على بسط النفوذ فى تلك المنطقة التى كانت قبل الثورة مرتعاً ومسرح عمليات للعديد من الأجهزة والجهات الخارجية».

ويضيف «سعيد»: «المشكلة أنه رغم سعادتنا بانتهاء السطوة الأمنية الشرسة، انتابنا خوف وقلق عارم من مجرد فكرة العيش بلا أمن، خاصة أن التركيبة السكانية لهذه المنطقة غاية فى التعقيد، وبالفعل حدث ما نخشاه، فأصبحت شمال سيناء برمتها منطقة شديدة التسلح لكل القبائل والعشائر».

ويواصل: «باتت المظاهرات المسلحة تجوب الشوارع علناً، بسيارات (تويوتا) من نوع (ماردونا)، والتى عادة ما تقلّ رجالاً يحملون الأسلحة الثقيلة، مثل المظاهرات المسلحة لحماس والفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة، بجانب انتشار اللجوء إلى التوثيق بين عائلات العريش وبدو رفح، لدرجة أن سكان هاتين المدينتين أصبحوا يفكرون كثيراً قبل الانتقال بينهما، ليقين كل منهم أن الذى سيتم توقيفه من الجانب الآخر، لن يعود إلى بيته، أو سيترك سيارته أو أثمن ما لديه».

«سيارة قوية ودليل مأمون».. هذا فقط ما تحتاجه للتوغل فى عمق مدينة رفح، والسير بين قراها الثمانى المحاذية للخط الحدودى وهى «الطايرة وجوز أبورعد والمهدية ونجع شبانة وصلاح الدين والبرث ووداى العمرو وأخيراً الحسنة»، وهو ما وجدته فى دليلى السائق «سالم» وصديقى «سعيد»، الذى اقترح أن تكون بداية الجولة من «نجع شبانة» لكونها قريته، فسلكنا الطريق المتجه من الشيخ زويد لمطار قوات الأمم المتحدة، ثم انعطفنا يساراً عبر طريق ضيق ومكتظ بسيارات «التانك» الثقيلة المحملة بالبنزين والسولار، والتى كانت تقف على قارعة الطريق تفرغ حمولاتها علانية فى «فناطيس» بلاستيكية، وبسؤال صديقىّ عما أرى، قال «سالم»: «هذه الفناطيس تنقلها سيارات نقل أخرى إلى الأنفاق ومنها تُهرّب إلى غزة، دون النظر لأزمة الوقود التى نعيشها فى رفح».

«الدولة انهارت عندنا قبل الثورة بنحو 4 سنوات، وكنا متأكدين من سقوط نظام مبارك منذ ذلك الوقت».. إجابة مثيرة تلقيتها من الشيخ عبد الهادى عُتيّق، عضو المجلس المحلى لمدينة رفح، أحد كبار شيوخ نجع شبانة، رداً على سؤالى حول أوضاع المدينة الحدودية بعد الثورة، مضيفاً: «المؤشر على كلامى هو أنه كانت لدينا مناطق فى القرى الحدودية، خاصة فى المهدية وشبانة، لم يستطع الأمن بشتى وسائله وعدده وعتاده اقتحامها، لأن أغلبية سكانها كانوا إما من المقهورين من ظلم وتعالى المسؤولين عن الأمن فى رفح، أو مطاريد هاربين من أحكام غيابية فى قضايا ملفقة لهم، فكان حكم الدولة على المدن فقط».

وتابع الشيخ «عُتيّق»- الذى استقبلنى فى منزله بنجع شبانة: «لم نشهد أى تطور اقتصادى أو خدمى ملموس بعد الثورة، باستثناء مساحة الحرية التى كنا محرومين منها رغم حياتنا القبلية، خاصة أن رموز القبائل أغلبهم كانوا عملاء للأمن بمختلف أجهزته، وبالتالى كانوا فاقدى الأهلية والثقة بين أبناء قبائلهم، ليقيننا التام بأن ولائهم وانتماءهم الأول والأخير للأجهزة التى عيّنتهم شيوخاً وعُمداً، فلجأ الأهالى إلى الشباب الذين لا يتعاملون مع الأمن إطلاقاً، بل المطلوبين أمنياً أحياناً، ليكونوا أهل الثقة ويتولوا مسؤولية حل مشاكل ونزاعات القبائل، وحلوا محل الشيوخ والعمد إجرائياً، فصاروا يواجهون المشاكل ويحلونها، بواسطة العرف القبلى الذى لاتزال له الكلمة العليا بيننا».

«كلما تعمقنا من الثلث الأخير لنجع شبانة صوب وسط سيناء وجدنا العيش البائس والمعاناة والخطر الحقيقى، بينما لو سرنا فى الاتجاه المعاكس (شمالاً) نحو البحر سنجد العيش الرغد والحياة الكريمة».. جغرافيا اجتماعية لخريطة سكان قرى رفح الحدودية، وصفها صديقى «سعيد» أثناء سيرنا سوياً فى عمق هذه القرى بمحاذاة الخط الحدودى، حيث كنا متوجهين لزيارة أحد أصدقائه قرب «المهدية» ويدعى على حسن سليمان، والذى استقبلنا بحفاوة فى «مندرة» بيته المبنية بالخوص.

و«سليمان» الذى يعمل فى زراعة الزيتون، رب لأسرة مكونة من 17 فرداً، منهم 13 ابناً وبنتاً بجانبه وزوجته وأبوه وعمته، وليست تربيتهم وتلبية احتياجاتهم هما همه الوحيد، إذ يقول: «ليتها المشكلة الوحيدة، فنحن نَفِّت الخبز فى الشاى إذا تضورنا جوعاً، لكن الأزمة إن الحكومة (الأمن) مش سايبانى فى حالى، فرغم أنى أعيش منذ 20 سنة فى منزل لا يستطيع أن يحيا فيه بشر، لأنه معدوم حتى من بدائيات الحياة، إلا أننى كنت لا أنعم بالمبيت فيه لكونى مطلوباً أمنياً، فقط لأن لدى القليل من الوعى السياسى الذى كان كفيلاً بتلفيق عدة قضايا تكفيرية».

ويضيف: «الحكومة لم تكن تملك سوى إصدار خطابات اعتقال وأحكام غيابية لكل من هو بدوى، فكانت المحصلة أن 70% من شباب رفح عليهم أحكام، ولا يبيتون ليلهم فى مكان تناولوا العشاء فيه، وأصبح جبل الحلال (أحد أكبر جبال وسط سيناء)، مقراً لهم فى الليل.

عندما تجولت فى مدينة رفح فى آخر أيام زيارتى، شعرت بأننى فى معزل تام عن مصر، بل كأننى فى ثكنة عسكرية أو منطقة خاضعة لحظر التجوال، فالمحال التجارية مغلقة لخلوها من البضائع التى لم يستطع أصحابها جلبها من القاهرة، بسبب حالة الانفلات الأمنى التى تشهدها المنطقة فى أعقاب الثورة، وغبار الأسمنت والرمال يجعل من «الربو» صديقاً فتاكاً لقاطنى شارع صلاح الدين، فسعيت لأن تكون وجهتى هى شاطئ البحر المتوسط، لأشتم نسيمه العليل وأستمتع بجمال مياهه الزرقاء «ثلاثية الأبعاد»، لكن بمجرد وصولى إليه فوجئت بتضييق أمنى ذكّرنى بشواطئ السلوم، بل زاد عليها إجراء لم أعهده فى كل السواحل التى زرتها، وهو دخول الشاطئ بالبطاقة الشخصية.

«منى برهوم» ناشطة سياسية واجتماعية من أهالى مدينة رفح المصرية، كان من الضرورى أن ألتقيها لما لها من شهرة واسعة فى العمل الخدمى والأهلى، لأستخلص منها جديد الأوضاع فى رفح بعد الثورة، فكان ما لديها «لا جديد».

«منى» أكدت أن الأهالى يعيشون فى رعب، ويقضون ساعات الليل فى الشوارع والميادين العامة والحدائق، بسبب القصف الإسرائيلى المستمر لمنطقة الشريط الحدودى مع قطاع غزة، والذى يتسبب فى تصدع المنازل وتحطم النوافذ والأبواب، وانهيار خزانات المياه فوق أسطح المنازل، ويكفى أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت قتل وجرح أكثر من 20 مصرياً برصاص من الأبراج الإسرائيلية- حسب قولها- بعضهم وهم فى بيوتهم، وأبرزهم حمدان سليمان أبوجراد، والذى قتل فى منزله جنوب منفذ رفح يوم 27 يناير 2008، وبعده بشهر وفى المكان نفسه قتلت طفلة لم يتجاوز عمرها 10 سنوات، تدعى سماح نايف، وهى تلهو أمام منزلها، بينما بعض الضحايا الآخرين كانوا من جنود الأمن المركزى.

وقالت «منى» بنبرة يكسوها الأسى: «سيناء عادت لمصر، لكن مصر لم تعد لسيناء حتى الآن، ولكى يعود الاستقرار لسيناء لابد أن يتواجد الجيش المصرى عند الشريط الحدودى، ويقوم بتطهيره من الأنفاق وإغلاقها، على أن تتزامن خطة تطهير الشريط الحدودى من الأنفاق مع خطة بديلة لفك الحصار عن أهالى غزة بفتح جميع المعابر، وأن يتم إنشاء منطقة تجارة حرة على جزء من الشريط الحدودى، تشمل سوقًا موسعة تخضع لإجراءت أمنية وحكومية، حتى يتوافد عليها الفلسطينيون ببطاقات هويتهم ليشتروا بضائعهم منها ويعودوا مرة أخرى إلى قطاع غزة، وبهذا نخلق فرص عمل لشباب سيناء، فضلا عن دعم الاقتصاد المصرى».

«نحن مصريون نريد الاستمتاع بمصر».. جملة تدخل بها المهندس إسماعيل برهوم، فى حوارى مع شقيقته، مؤكداً أن أبناء سيناء «مبتورو الهوية» بفعل فاعل.

وقال «برهوم»: «منذ اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، ونحن فاقدون لكل حقوق المواطنة، بسبب الأمن والطاغية الذى حكمنا 30 عاماً».

وهنا تدخلت «منى» بأغرب ما سمعته فى هذه المدينة الشرسة، حيث قالت: «لدينا أكثر من 30 ألفاً من سكان رفح والشيخ زويد لم يحصلوا على أرقامهم القومية إلا بموافقة مصلحة الجوازات، لأن الدولة لم تعترف بهم كمواطنين مصريين كاملى الأهلية، منذ تسلمت هذه المدينة من إسرائيل عام 1982، بسبب خطأ ارتكبه شرطى بمصلحة الأحوال المدنية، أثناء حصر أهالى سيناء وقت مرحلة التسلم، حيث قرر تسجيل 25 عائلة فى خانة قيد البحث لشكه فى جنسيتهم».

أمام ما سمعت لم يكن أمامى سوى التوقف مكتفياً بهذا الرصد، ليقينى بأن ما خلصت إليه من معلومات وآلام وأوضاع غاية فى التعقيد والقسوة والفوضى، لا يحتاج إلى صفحة فى جريدة، بل إلى معجزة إلهية، تبدل واقع هذه المدينة بأحلام سكانها البسطاء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية