عبدالله خليل، أحد النشطاء الحقوقيين الكبار فى مصر، تخصص فى قضايا الحريات الإعلامية وحرية التعبير، أصدر منذ أسابيع قليلة كتاباً مهماً حول حقوق الإنسان فى الدساتير العالمية.. أجرى فيه دراسة مقارنة بين أوضاع حقوق الإنسان، وعلى رأسها حريات التعبير والصحافة والعقيدة، فى معظم دساتير دول أوروبا وآسيا وأفريقا وأمريكا اللاتينية، وقام بإعطاء اللجنة التأسيسية 170 نسخة منه، لكن رئيس اللجنة رفض توزيع الكتاب على أعضاء اللجنة! وفى حواره مع «المصرى اليوم» أبدى عبدالله خليل تخوفه على مستقبل حرية الرأى والتعبير فى ظل الدستور الجديد، مؤكداً أن وضع الصحافة والإعلام بالدستور الجديد هو «الأسوأ»، إذا ما قورن بوضعها «السيئ» فى دستور 71، على أن الأخطر فى دستور «الإخوان» هو تزايد قضايا الحسبة الدينية.. وإلى نص الحوار:
■ فى البداية كيف ترى وضع حرية الصحافة والإعلام فى الدستور الجديد؟
- وضع حرية الرأى والتعبير بالغ السوء فى الدستور الجديد لعدة نقاط أبرزها أن ممارسة حرية الرأى والتعبير ستكون فى إطار مفهوم الشريعة، بمعنى أن أى عمل إبداعى مرتبط بحرية الرأى والتعبير والإبداع، ولا ينطبق مع الفهم البشرى لأهل السنة والجماعة، فبالتالى هو عمل غير شرعى، ويأخذ حكم المخالفة الشرعية، وما يترتب عليها من جزاء.
■ هل هذا يعنى ضمنياً تطبيق الحدود على المتهمين فى قضايا الرأى والتعبير؟
- المادة 76 من الدستور تنص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستورى، ويمكن اللجوء للنصوص القرآنية التى تحدد الحدود، ومطالبة القاضى بتطبيقها، يعنى على سبيل المثال المتهم فى جرائم السب والقذف تطبق عليه العقوبة الواردة فى ذلك، التى تستوجب جلده، وقس على ذلك باقى الجرائم، وليس السب والقذف وحده.
■ لكن هناك رقابة على دستورية القوانين تمنع تفعيل ذلك؟
- دعنى أفاجئك بأن الرقابة على القوانين ستكون رقابة على شرعيتها الإسلامية ومدى مطابقتها الشريعة، وليس على مدى دستوريتها، ومخالفتها الدستور، بدليل ما حدث فى قانون الصكوك الإسلامية، الذى عرض مقدماً على هيئة العلماء قبل عرضه على البرلمان لإقراره.
■ إذن كلامك يعنى أن وضع الصحافة والإعلام فى الدستور الحالى أسوأ مما كان عليه فى دستور 71 الملىء بالعوار؟
- هناك السيئ، وهناك الأسوأ، دستور 1971 يمكن وصفه بالدستور السيئ، أما الدستور الحالى فهو الأسوأ، وذلك لأن دستور 71 به تقييد من قبل المشرع على الحقوق والحريات، لكن الدستور الحالى هو دستور مشبوه، التقييد فيه بموجب نصوص دستورية مفصلة، وتسمح بتدخل الجهات التنفيذية بشكل فج.
■ لكن دستور 71 به قرابة 34 مادة سالبة للحريات الصحفية، بالإضافة للعديد من المواد الأخرى سيئة السمعة التى يمكن تسخيرها فى أى لحظة لملاحقة الصحفيين؟
- بالفعل كما ذكرت هناك مواد سالبة للحريات كثيرة فى دستور 71، لكن المشرع هو الذى يسخر هذه المواد، كما ذكرت سالفاً، أما الدستور الحالى فالقيد يأتى بواسطة النصوص الدستورية، أيضاً المادة 48 بالدستور الجديد تضع قيوداً كثيرة على حرية الصحافة بعبارات مطاطة مثل خدمة المجتمع، والتعبير عن اتجاهات الرأى العام، والإسهام فى تكوينه، وغيرها من عبارات القيم الدينية والأخلاقية فى المجتمع.
■ لكن اسمح لىّ هذه العبارت المطاطة كنا نعانى منها أيضاً فى دستور 71 مثل تكدير السلم والأمن العام وغيرهما؟
- بالفعل، لكن فى هذا الدستور تمت زيادة هذه المصطلحات، بالإضافة إلى نقطة أخرى، وهى عبارة القيم والأخلاق، ودعنى أخبرك بأن أى قانون سوف يصدر وتكون له علاقة بالحقوق والحريات، لابد من أخذ رأى هيئة علماء الأزهر الشريف، لبيان مدى مطابقته الشريعة من عدمه.
■ هل هذا يعنى وضع قيد على حرية الإبداع مثلا لمخالفتها الشريعة؟
- بالفعل، قد تخضع بموجب هذا النص بعض الأعمال الإبداعية وفقاً للمادة 4 للرقابة الإلزامية من قبل هيئة علماء الأزهر الشريف، لبيان مدى توافق الأعمال الإبداعية مع الشريعة، وإذا اعترضت عليها يعنى منعها من النشر أو التداول، وإذا كانت موجودة بالفعل واعترضت عليها الهيئة فهذا يعنى مصادرتها، لأن من له حق المنح له أيضاً حق المنع.
■ لكن الإخوان وأنصار التيار الإسلامى يقولون إن هذا الدستور هو أفضل الدساتير، ووضع الصحافة والإعلام به الكثير من المزايا.. بماذا ترد عليهم؟
- يا سيدى هذا الدستور تمت صياغته بصياغة إنشائية، وبلغة البلاغة الأدبية، التى ظاهرها الجاذبية وباطنها المراوغة والغموض، ولا يصان به حق، لأن لغته خادعة، على سبيل المثال يتحدث الدستور عن الحرية ثم يقيدها بقيد جذاب تحت مسمى القيم والأخلاق والآداب العامة والدين، والرجل العادى بالشارع ينخدع بمثل هذه المسميات، يا سيدى الدساتير تكتب بلغة يفهمها الشعب، وإذا اختلف عليه المتخصصون من أساتذة القانون، فهذا يعنى أن صياغته صياغة فاسدة، وهذا ما يحدث الآن.
■ ماذا عن إصدار الصحف بمجرد الإخطار.. أليست هذه ميزة لم تكن فى دستور 71؟
- المادة 49 تكلمت عن إصدار الصحف وتملكها بمجرد الإخطار، وهذا الأمر يعطى للمشرع سلطة تنظيم الإخطار، وقد يشترط المشرع مدة محددة لجهة الإدارة لقبول الإخطار أو رفضه، وبالتالى ينقلب الأمر لترخيص مقنع، أيضاً فيما يتعلق بالمجلس الوطنى للإعلام، الدستور جعله من الشخصيات الاعتبارية العامة، وذلك يعنى أنه سيصبح إحدى مؤسسات الحكومة، وسيصبح مسؤولاً عن الضوابط والمعايير المنظمة، ومنها وضع ميثاق شرف صحفى، وهو الأمر الذى يفترض أن تضعه نقابة الصحفيين، مما يحولنا لنظام الحزب الواحد، ويذكرنا بوصاية الاتحاد الاشتراكى، كما أن الدستور الجديد سيسمح بتدخل السلطة التنفيذية تحت ستار الدين لغرض الرقابة، وتقييد حرية الرأى والتعبير.
■ هل جميع ما ذكرته يعنى أن الملاحقات القضائية للصحفيين سوف تزيد على ما كانت عليه فى النظام السابق وفقاً لدستور 71؟
- بالتأكيد الملاحقات القضائية سوف تزيد، وقد بدأ هذا بالفعل، وللأسف تم استغلال النيابة العامة فى هذه الملاحقات، سواء بشكل مباشر من مؤسسة الرئاسة، أو من أفراد عاديين فى صورة دعاوى الحسبة الدينية، والأخطر فى الموضوع استهداف حياة الصحفيين والإعلاميين، كما كان يحدث فى الجزائر من قبل إسلاميين متشددين، هذا بالإضافة إلى انتشار دعاوى الحسبة الدينية.