x

البلطجة وتهريب السلاح يفتحان باب حرب الشوارع

الأحد 30-12-2012 19:42 | كتب: محمد علي الدين, عمر عبدالعزيز, صفاء صالح |
تصوير : اخبار

ما إن يحل المساء على قرية «الثمانين» بمركز أبوحماد فی محافظة الشرقية حتى ينسحب الأهالی من الحقول بعد يوم عمل شاق، يأمر رجال القرية النساء والأطفال باللجوء إلى المنازل وتجنب الخروج مساءً تحت أی ظرف، بينما ينخرطون فی تقسيم أنفسهم لمجموعات حماية ولجان شعبية لتأمين مداخل القرية بعد تكرار هجمات مسلحة من «بلطجية» تسببت حتى الآن فی مقتل 4 من الأهالی وأحد البلطجية.

يقول الأهالی إنهم يحتاجون 20 فردا على كل مدخل من مداخل القرية، لا يحملون إلا العصی، بينما يحمل خفراء القرية 3 بنادق خرطوش عتيقة لا تستطيع مواجهة السلاح الآلی الذى يحمله البلطجية عند مهاجمة القرية.

حسام شنب، أحد أبناء القرية يقول: «أقرب نقطة شرطة يمكننا الاستغاثة بها فی حالة التعرض لأى هجوم تبعد خمسة كيلومترات بينما يقع مركز الشرطة فی مدينة أبوحماد على بعد 9 كيلومترات.. يعنی ح يوصلوا لنا بعد ما نتسرق أو نتقتل». ويضيف: «إحنا فی زمن إحمی نفسك بنفسك حتى لو بلّغنا الشرطة مش ح تيجى».

يحكی «شنب» عن وقائع اعتداء البلطجية على قريتهم، فی 2 فبراير 2012 هاجم 7 بلطجية مزرعة مدرس يدعى «أحمد حسن منصور» وسرقوا سيارته بالإكراه ثم أطلقوا عليه الرصاص وخرجوا من القرية. حرر الأهالی محضرا بالواقعة لكن الشرطة لم تتوصل إلى الجانی أو حتى مكان السيارة المسروقة، لذا قرر الأهالی البحث بأنفسهم عن الجناة والسيارة حتى توصلوا لمكانها لدى مجموعة من الخارجين على القانون بمنطقة القصاصين بمحافظة الإسماعيلية، وتواصلوا معهم وتم الاتفاق على دفع حوالی 40 ألفاً مقابل استرداد السيارة المسروقة.

ويقول «شنب»: «أبلغنا الشرطة مجددا لعلها تتدخل، لكنها نصحتنا بدفع المبلغ حتى نتمكن من استعادة السيارة».

الواقعة نفسها تكررت بعد ثلاثة أيام عندما حاولت مجموعة من البلطجية سرقة سيارة نصف نقل مملوكة لأحد الأهالى، حيث استغاث السائق بأهالی «الثمانين» الذين خرجوا لمواجهة البلطجية فقتل منهم مدرس وأصيب شقيقه برصاصتين، بينما استطاع الأهالی الإمساك بأحد البلطجية، واستمروا فی ضربه حتى فارق الحياة.

يقول «محمد صلاح»، سائق توك توك، إن الأهالی أصبحوا يتجنبون الخروج من منازلهم مساء خشية اعتداءات البلطجية، ويضيف: «فوجئنا بعثور الأهالی منذ عدة أسابيع على جثتين لاثنين من أبناء القرية قرب ترعة الإسماعيلية، ويعتقد الأهالی أنهم قتلوا انتقاما لمقتل البلطجى».

قرية «الثمانين» نموذج صارخ لحالة الانفلات الأمنی التى تشهدها قری ومراكز مصر البعيدة عن العاصمة، هناك يواجه الأهالی البلطجية بأنفسهم، بينما لا تتدخل الشرطة لحماية المواطنين أو البحث عن الجناة.

من جهة أخرى، يحذر اللواء فؤاد علام، الخبير الأمنى، من كميات وأنواع السلاح التى دخلت مصر بعد الثورة، ويعتبرها «خطورة كبيرة» على الوضع الأمنی فی مصر. ويقول إن الحدود المصرية طويلة والقوات المسلحة كانت تشرف على حراستها ومنع عمليات التهريب، لكنها بعد الثورة أصبحت مكلفة أيضا بتأمين المنشآت داخل البلاد ما تسبب فی حدوث ثغرات تسببت فی دخول سيل من الأسلحة المهربة إلى البلاد، قادمةً من ليبيا، ويضيف: «المقلق أن الأسلحة المهربة عسكرية ولا أحد يعرف ما الهدف من دخولها البلاد».

لا يعتبر «علام» أن تراجع أداء وزارة الداخلية بعد الثورة تقصير منها، بل نتيجة «احتقان بينها وبين الشعب، سببته القوى السياسية التى صورتها كجهاز متوحش».

ويقول إن «الوزارة مكتوفة الأيدی، وضباطها يتعرضون لاعتداءات، بينما تحال القيادات للتقاعد ويحاكم البعض الآخر.. الشرطة منكسرة ولم تتعاف حتى اليوم، والسبب القوى السياسية التى تشحن المواطنين ضد الشرطة».

بعيدا عن المتسبب فی حالة الانفلات التى يعانيها المصريون حتى نهاية 2012، تحاول د. فادية أبوشهبة، أستاذ القانون الجنائی بالمركز القومی للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن تشرح كيف تأثر المجتمع بظاهرة البلطجة وانتشار السلاح، وتقول إن «إحساس الناس بالأمان تراجع، وأصبحوا مهددين داخل منازلهم وشوارعهم ما سيؤثر على الاقتصاد والعمل والتنمية البشرية والإنتاجية.. السلاح أصبح فی كل يد، والبقاء صار للأقوى، وكل شخص يأخذ ما يريده سواء كان صاحب حق أو معتدياً».

وتعتقد أستاذة القانون الجنائی التى أعدت دراسة تحلل أسباب ومظاهر البلطجة فی مصر أن تلك الظروف الأمنية الصعبة ستلقی بظلالها على مصر عام 2013، فاستمرار ظاهرة البلطجة وانتشار السلاح سوف يقودان لسيناريو واحد وهو الفوضى.

على العكس، يحمل اللواء عادل سليمان، الخبير الاستراتيجى، بداخله الكثير من التفاؤل لعام 2013، حيث يعتقد أن وزارة الداخلية ستتمكن من ضبط الأوضاع الأمنية ووقف عمليات تهريب السلاح خاصة على الحدود مع ليبيا.

ويقول: «فوضى السلاح لن تتصاعد العام المقبل لأننا بدأنا إقرار الدستور وبناء مؤسسات الدولة وانتخاب البرلمان»، ويضيف: «العام المقبل سيشهد إعادة هيكلة الداخلية ضمن عملية إعادة بناء مؤسسات الدولة، ما يساعد فی إقرار الأمن».

ويحاول ضابط شرطة - رفض نشر اسمه، شارك فی عدد من الحملات الأمنية بصعيد مصر - توضيح الظروف التى يعمل فيها رجال الشرطة من أجل استعادة الأمن.. يقول: «كفاءة الخارجين على القانون فی استخدام السلاح زادت، بل أصبحت تضاهی كفاءة الضباط، بالإضافة إلى قدرتهم على تصنيع أسلحة محلية الصنع بأبسط الإمكانيات».

ويضيف: «الصعيد قبل وبعد الثورة من أهم مراكز تجارة السلاح فی مصر، وتلك التجارة كانت خاضعة سابقًا لسيطرة عناصر من الحزب الوطنی المنحل وجهاز مباحث أمن الدولة، لكن تجار السلاح الآن يبيعون كما يشاءون وبكميات كبيرة»، ويتابع: «الأزمة ليست فى تسليح أو عدد الضباط والأفراد ولكن فى تطبيق القانون على كل العناصر الخطرة، فالقانون معطل».

ويعتقد اللواء فؤاد علام أن مواجهة أزمة فوضى السلاح فی مصر تحتاج إلى إصدار تشريعات جديدة تساعد وزارة الداخلية على أداء عملها وحفظ الأمن واستعادة هيبتها.

وقال: «لابد من إصدار قانون يغلظ العقوبات على جرائم البلطجة وحيازة السلاح واستخدامه أو حتى إظهاره والاستعراض به أمام الرأی العام لمنع تلك الظواهر التى تروع المجتمع».

من جانبها، ترى د. فادية أبوشهبة أن القضاء على ظاهرة البلطجة وانتشار السلاح مرتبط بالقضاء على البطالة والعشوائيات التی تفرخ أطفال الشوارع الذين يتم استغلالهم كوقود لحروب الشوارع والبلطجة والاستيلاء على الأموال حتى ولو بنزع الأرواح».

وتضيف: «يتطلب الأمر أن تعود الشرطة بقوة بعد تأمينها جيدا، فلن يستطيع الشرطی بسلاحه القديم المتهالك أن يقف فی وجه أسلحة البلطجية التی أصبحت تحتوی على صواريخ ورشاشات متقدمة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية