وجود ورشته صغيرة الحجم والإمكانات فى قلب المبنى الأثرى لهيئة تفتيش آثار القاهرة بحى السيدة زينب انعكس عليها، الحوائط ولون الدهانات لم تتغير منذ عشرات السنين، تكوينها بسيط للغاية، لا تتسع إلا لعدد من إطارات السيارات وماكينتين لنفخها بالهواء.
لم يعرف الحاج حنفى محمود، فى العقد الرابع من العمر، حرفة سوى إصلاح إطارات السيارات، لزبائنه من الحى الذى ولد وعاش فيه، وفى تمام الثامنة صباحاً، يغادر الحاج «حنفى» شقته المتواضعة المكونة من حجرتين، مودعاً طفليه وزوجته، إلى ورشته، التى يظل يعمل فيها على مدار 12 ساعة، يستقبل خلالها زبائنه، الذين اعتادوا أن «يراضوه» بـ5 جنيهات لإصلاح الكاوتش فى أحسن الأحوال.
يمد الحاج «حنفى» يده ويأخذ من الزبون ما يمن عليه به، ثم يرفع يده ليقبل نعمة الله التى رزقه إياها، فـ«حال البلد اللى محدش عارف رايح على فين يخلى الواحد يعرف قيمة كل قرش ربنا يرزق بيه»، على حد قوله.
متوسط ربحه الذى تراجع إلى 300 جنيه على الأكثر خلال الأسبوع لم يجعل فكرة تغيير ماكينتى ورشته تخطر له على بال، وقال: «كفاية علينا غلا العيشة، وأديهم بيقضوا الغرض».
استمرار غلاء السلع التموينية والخضار هو أكثر ما يؤرق ميزانية الحاج «حنفى» فى منزله، «أصل دول أهم حاجة بتفتح أى بيت»، وإن كانت زوجته ربة المنزل تحاول قدر الإمكان تدبير احتياجاتها فى حدود دخل زوجها غير الثابت.
وقال: «بعد الثورة والاعتصامات والدستور وكل الأحداث اللى بتحصل دى كان نفسى حد يعمل لنا نظام تأمين، أو أجر شهرى ثابت ولو جنيهات بسيطة، الواحد يضمن يعيش منها لو جرى له حاجة يوم من الأيام، لأن لكل بيت مصاريف مدارس وعلاج».
وأضاف الحاج «حنفى» أن «أحوال البلد أصبحت بحاجة ُملحة للإصلاح الفورى، لإنقاذ الأسر البسيطة من فقر قد لا يقدرون على مواجهته، ويقودهم لمرحلة ثورة الجياع والفوضى، البلد دى طول عمرها ربنا مبارك فيها، بس برضوا ربنا عرفوه بالعقل، والحال لو فضل على كده الناس مش هتستحمل، لأن أغلب الناس وقتها هيكونوا جابوا آخرهم».