قال الروائى الدكتور يوسف زيدان إن ما يجری فی مصر الآن أشبه بـ«الكوميديا السوداء»، وسيضعه التاريخ فی باب النكات والنوادر لأنه خارج نطاق العقل والمنطق، وسيدرك الشعب فی المستقبل من يلعبون بالدين فی مجال السياسة، وأن هؤلاء ليسوا بـ«أهل الله».
ووصف خلال حواره مع «المصری اليوم» حازم صلاح أبوإسماعيل، القيادی السلفى، بأنه رجل طريف، ولا يمكن فهم أفعاله إلا فی إطار حالة «الخبل العام» الذی يسود البلاد، مؤكداً أن مصر يحكمها رئيس يأخذ قرارات فی وقت الغروب ويلغيها فی الليلة نفسها، لافتاً إلی أن التيارات الإسلامية المتشددة امتداد للخوارج والقرامطة وتظن أنها موكلة من قبل السماء لإصلاح الأرض، بينما السلفيون «مضحوك عليهم»، علی حد قوله.. وإلی نص الحوار:
■ كيف تقرأ المشهد المصری الآن؟
- أراه نتيجة طبيعية ومنطقية لما تفاقم من وقائع وتوال بأسرع من قدرة العقل الجمعی المصری على استيعابه، ولا ننتظر بعد عهد الرئيس السابق حسنى أن تستفيق البلاد خلال أسبوعين، لأنه سيكون درباً من الخيال، والطبيعی أن تمر مصر بما تمر به الآن، وأعتقد أن المشكلة ليست فی القراءة أو التصور، إنما فی صدق نية هؤلاء الذين تصدروا المشهد العام، لأن قلوبهم كانت شتى، وبعضهم كان يبحث عن مصالح شخصية والبعض الآخر كان مخلصاً، فاختلط الحابل بالنابل ولم تترشد الخطى، والأمر فی حقيقته أبسط بكثير مما يجرى، بمعنى أن معظم المشكلات يمكن حلها فی 10 أيام إذا صدقت النوايا، وإذا اقتنع الإخوان المسلمون بأنهم جزء من مصر يمثل ما بين 15 و20%، ورضوا من السلطة بهذا المقدار، فمثلاً مشكلة جهاز الشرطة يمكن حلها إذا تم التقاط العناصر المشبوهة فيه، ومشكلة سيناء إذا تحركت القوی التی يجب أن تتحرك لقمع الخارجين على القانون هناك.
■ إذن أنت تری أن 100 يوم الوعد الرئاسی كانت أكثر مما نحتاجه لحل كل المشاكل؟
- لا هذه دعابة، وحلقة من حلقات الإلهاء العام، مصطلح الـ«100 يوم» تم استعماله فی بلد آخر لمواجهة مشكلات أخرى، ولا يوجد له أساس فی علم السياسة أصلا، لكن تم جلبه كنوع من اللعب السياسی العام الذی شبعنا منه وأتُرعنا به.
وللأسف لم تصدق النوايا ولم تستهدف الصالح العام، كلها كانت عمليات استحواذية، هدفها صرف الأنظار عن المشكلات بالمشكلات.
■ بم تتوقع العام المقبل استناداً لما تعيشه مصر حالياً؟
- لا يستطيع أحد معرفة ما قد يحدث فى الفترة المقبلة، لأن العناصر الفاعلة فی الواقع المصری كثيرة جدا، والتفاعلات بينها لا تنتهی ولا تنضبط، والرهان الحقيقی على خروج مصر من أزمتها مرتبط بعدة جماعات، منها القضاة ورجال النيابة، والشرطة، ودرجة الوعی العام، وإعادة أولئك الذين أسكرتهم خمر السلطة إلى رشدهم، ومرتبط أيضاً بالمصالح الخارجية لأننا لا نعيش وحدنا، وأعتقد أن الشواهد الإيجابية والسلبية متعادلة، وبالتالی فإن مصر والمصريين فی مفترق طرق، لكننا نستطيع مد الخطوط على استقامتها فنستشرف المستقبل، أولا: انكشف المستور الذی تمت المخايلة به طوال سنوات طويلة، فی وجود أهل الله الذين سيأخذون بأيدی الناس إلى السماء، سيعرف الناس أن هؤلاء لا هم بأهل الله، ولا هذا الطريق إلى السماء ولا حتى إلى الأرض، هؤلاء هم الذين يلعبون بالدين فی مجال السياسة.
ثانيا: سيفيق المصريون شيئا فشيئا لأن معدل ارتفاع الوعی السياسی المصرى، يقفز مؤشره كل يوم، بعد تغييب استمر 30 عاما فی قول، و60 عاما فی قول آخر، وأصبح المصری يواجه الواقع مواجهة مباشرة، وكانت الشكوى دائمة بعدم المشاركة السياسية، الآن كل من فی مصر صار له رأی ومشاركة وموقف، وبالتالی الفترة السابقة يتم تعويض سلبياتها على مستوى الوعی السياسی بسرعة شديدة وهذا من الشواهد الجيدة، ثالثا: سوف يظهر أثر البلاد العربية بشكل أوضح فی مصر، سواء الشعوب التی تترقب بقلق شديد ما يجرى، أو الحكومات التی تتابع الأمر بقلق وكلُ بحسب ما يراه صوابا، ومن الواضح جليا أن شعوبا كثيرة تتخوف من غلبة أهل الله المزعومين على بلادهم، وبالتالی فهم ينظرون إلى مصر باعتبارها المؤشر على ما سيكون فی بلادهم، فلو انتصر هؤلاء هنا، سفينتصرون لا محالة هناك، والعكس بالعكس.
■ ماذا عن مستقبل القضاء والقوات المسلحة والكنيسة المصرية؟
- القضاء إما أن يكون أو لا يكون، مستقل أو تابع، لا توجد منطقة وسطى، وإما أن تستقر وتبتعد المؤسسة مثلما ينبغی لها، وتبتعد عنها مؤسسة الرئاسة، أو تنهار تماما، هذا الترقيع والكلام عن جماعات تنشق داخل القضاء لا يسمن ولا يغنی من جوع، أما المؤسسة العسكرية فعليها عبء ثقيل، والثورة المصرية أنقذتها من فضيحة كان يرتب لها بسبب غباء مبارك ووقوعه تحت تأثير حلم التوريث، ما كان سيطيح ببنيان العسكرية المصرية، ويأتی جمال مبارك ليصبح قائدا أعلى للقوات المسلحة، لذلك عندما قامت الثورة حققت هدفا أساسيا من أهداف القوات المسلحة، والمجلس العسكری عندما تولى الأمر كان حريصا على إبقاء الهرمية العسكرية متماسكة، فاستدعى هرماً آخر يطابقه ويتشارك معه فی الرؤى الأساسية وهو ما يسمى الإسلاميين لوجود تطابق بينهما، فكلاهما يعتمد على قاعدة لا وزن للفرد فيها، وإنما المجموع هو الأساس وعليه يتأسس نظام هرمی يعبر رأسه عنه، وفی كليهما لا يوجد مكان للديمقراطية، فی الجيش يقال «نفذ التعليمات وبعدين ابقى تظلم»، وفی جماعة الإخوان نجد هناك ما يسمى «التكليفات»، وهو مصطلح يعادل الأمر العسكرى، كلاهما ينظر بتوجس شديد للمرأة، كلاهما لا يحترم من كان خارجه، كلاهما وثيق الصلة بأمريكا، كلاهما لديه تصور بأنه ينبغی أن يحكم، وهذا التشابه الشديد دفع بالعسكر لإرسال الإخوان إلى سدة الحكم.
أما الكنيسة فی ظل وجود البابا الجديد بل ومن قبله، فهی ثابت إلى رشدها وهذا جيد، ولا يتضمن أی طعن فيها، بالعكس، قبل اندلاع الثورة بـ3 أعوام كان هناك انهماك فی اللعب السياسى كاد يبعد الكنيسة عن دورها الروحی الأصلی والوطنی أيضا، والشواهد القليلة التی بدت من البابا تواضروس، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، علامات جيدة، ونحن ننتظر منه أن يحب من قلبه ولا يقوده اللعب السياسی والأغراض الدنيوية، وعلى الدولة أن تتعامل مع الكنيسة ككيان روحی ليس سياسياً، وأعرف أنها تضطر للدخول فى المجال رغما عنها، فكلما اقتربت من المجال السياسی كلما تشوش وتشوه دورها الأصلى.
■ وما الوضع بالنسبة للثقافة؟
- الثقافة حالها صعب، والمستقبل سيسوء أكثر، فالاهتمام العام بالأمور الثقافية يقل لصالح الهم السياسى، والمبدعون والكتاب مشغولون حتى النخاع بملاحقة ما يجری يوميا فی الواقع، معدلات القراءة التی قفزت قفزات فلكية فی السنوات القليلة قبل الثورة تباطأت بعدها، ونفتقد حالياً، المشروعات الثقافية العابرة للحدود التى تحتاج تنسيقا عاليا، ومن الصعب تدشين وإطلاق مشروع ثقافی ومحلى داخل الإطار العربی الذی فيه المشروعات الثقافية مهتزة جدا، وبالتالی من الصعب حاليا عمل مبادرات ثقافية كبرى.
بعد الثورة تتابع وزراء ثقافة بعضهم من الطبقة المثقفة الرفيعة وبعضهم أصدقائی ولا غبار عليهم، باستثناء محمد الصاوی الذی دخل لبضعة أيام وخرج، كل من تولى الوزارة هم كوادرها وانتقلوا إلى المنصب سابقا عن سابق ولاحقا بعد لاحق، فبعد فاروق حسنى أُتى بمساعده الأساسی جابر عصفور، ومن بعده مساعده الأول عماد أبوغازى، محمد صابر عرب الذی كان قبل الثورة رئيس دار الكتب، إذا لم يحدث تغيير حقيقی فی إدارة الثقافة فی مصر، فكيف يمكن أن يحدث تغيير فی المستقبل مادام الموجودون لم يتغيروا بصرف النظر عن حكمنا عليهم خيرا أو شرا.
■ كيف سيكتب التاريخ والمؤرخون العامين الماضيين من الثورة؟
- التاريخ سيضع ما يجری فی مصر فی خانة النكات والنوادر، لأنه خارج نطاق العقل والمنطق، ويليق بكتب المسامرات والمفاكهات، وعلينا تجريد المشهد من الانفعالات الوقتية، فمثلا مشهد الاعتصام أمام مدينة الإنتاج الإعلامی لحماية القصر الجمهورى، هذه دعابة، لكنها سخيفة ولا تضحكنا الآن، لكنها ستضحك الأجيال القادمة، وسيقال إن مصر وصل بها الحال إلى أن بعض الناس حاصروا مدينة الإنتاج كی يحموا القصر، كما لو أنه لا يوجد حرس جمهورى، وسيقال إن مصر حكمها رئيس يأخذ قرارات فی أوان الغروب ويسحبها فی جوف الليل البهيم، وإن مصر وهی تحتفی بثورتها شوهت أبناءها الذين قاموا بها، أليست هذه كوميديا سوداء؟! سيقول التاريخ إن المصريين قادتهم النخبة إلى الثورة ثم شوهوهم، ولذا نجد المتابعين للشأن المصری من خارجه فی حالة اندهاش من بعد انبهار بالإطلالة الأولى للثورة، ثم ما انتهت إليه بعد شهور، تحت ما كان يسمى المطالب الفئوية العادلة، وتم إسكات الأصوات العاقلة بإعلاء الصخب، حتى لا يميز الخبيث من الطيب.
لكن المؤرخين سينصفون الثورة، وعلينا أن نعلم أن هذه اللحظة المجيدة التی اجتمعت فيها الإرادة المصرية على هذا النحو هی لحظة فريدة فی تاريخ الشعوب وليس التاريخ المصری فقط.
■ ما توقعاتك لمصير صراع «الإسلاميين والليبراليين» فى ظل تشبث كل طرف بموقفه؟
- ستخرج مصر بسلام، ونتمنى أن يأتى عام 2013 بالخير، لأن الخطورة لا تكمن فی إصرار كل طرف بنهجه، لكن فی اختلاط الأدوار وتداخل المصالح فيها.
■ بماذا صوت فى الاستفتاء على الدستور؟
- هذا الدستور المبتسر لا يستحق أصلا أن نصوت عليه بنعم أو لا.
■ هل كانت الاستفتاءات التى شهدتها مصر، وبينها هذا الأخير معبرة عن حال المصريين؟
- قطعا فكلها كانت دوما لتحقيق مرام الحاكم، ولذلك لم تكن حقيقية، أما هذا الدستور الأخير فلا أستطيع أن أقول إنه سيموت بعد حين لأنه ولد ميتاً أصلا، وأريد أن أسأل هل هناك مواطنون مصريون لا نعرفهم، نحن نتحدث مع الناس فی المواصلات والطرق ولا نعرف أولئك الذين يقولون نعم بهذه النسب المزعومة، وتحضرنی رواية جوجول المشهورة «الأنفس الميتة» عن استعمال أصوات الموتى فی الانتخابات.
■ هل تعتقد أن الناس ستتقبل الأمر الواقع بعد أن تم إقرار الدستور؟
- الغرض من طرح الدستور شغل الناس، وقد انشغلوا فعلا، وسوف تصدر أحكام تلغيه ولكن بعد حين، وحتى يأتی ذلك الحين ستحدث أشياء كثيرة جدا يريد أن يرتبها الذی يمسكون بزمام الأمور حالياً.
■ أتتوقع تغير نبرة تيار الإسلام السياسی مع الشارع بعد البدء فی تطبيق الدستور؟
- الدستور ما هو إلا حلقة من حلقات اللعب السياسى، ولم يكن من الأهداف التی قامت أجلها الثورة، ولا خطر على قلب شخص ممن خرجوا فی الثورة أن يتغير الدستور، وكان يمكن ببساطة الإبقاء على دستور 71 بعد إزالة المواد المعيبة فيه، وبعد أن تهدأ الأمور ننظر للدستور، أما ما حدث فلا رد عليه إلا بالعبارة العربية المأثورة «ما هكذا تورد الإبل».
■ هل تعتقد أن الممارسات الإخوانية الآن لها علاقة بما تعرض له الإخوان من ممارسات قمعية من حظر وعزل واعتقال؟
- أشعر فی قرارة نفسی بأن «الجماعة» فی مصر ليسوا شياطين وليسوا ملائكة، هم بشر، وللبشر أنماط سلوكية محددة، فلا تستطيع جماعة أن تتخلص من الاضطهاد إلا بالاضطهاد، وأريد أن أقول لهم: «ما سعيتم له طيلة 80 عاما افعلوه فی 8 أعوام، وليس فی 8 أيام، لأن الناس لن تنصاع إليكم، خاصة الجزء الحر فی المجتمع لن يهنأ لكم بال معه، ولن تستقيم الأمور التی تتخيلونها، ولن تنكسر الناس لكم، لأن الذی يخرج إلى الشارع وفی نيته أنه قد يموت لن يكسر ولن يشترى، فلا يغرنكم أن بعض الناس يبيعون أنفسهم، لأن كل الناس لن تبيع نفسهاً»، لهذا أنا مشفق عليهم ومشفق على السلفيين أكثر لأنهم مضحوكٌ عليهم، ويتم اللعب بهم وهم أكثر براءة وطيبة، وأقل خبثا، لكنهم مندفعون وعليهم التوقف قليلا وأن يفكروا فيما يفعلون.
■ هل تعتقد أن الإخوان سيصححون مسارهم أم هناك ما يمنعهم كفكر تنظيمى؟
- الإخوان كأفراد طيبون، لكنهم تنظيم بطبعه سرى، والانتماء له تصبح له فی التنظيمات السياسية الأولوية المطلقة، وليس من السهل نفسيا على إنسان ظل فى تنظيم سری الخروج من هيمنة نظرة المجموع السری عليه، والذی اكتوى بنيران السلطة يتوهم أنه لن ينجو من ذلك إلا إذا امتلكها، فيحبس نفسه من جديد، وأرجو أن يعودوا إلى رشدهم، لكنی أعلم أنه عسير عليهم، فبعد أن قضوا 80 عاماً فی حضن التنظيم وعلاقاته المتشابكة، والثقة المتبادلة بين أفراده، هذا يحتاج إلى نبوة لإخراجه من هذا الإطار.
■ حالة الرفض الشعبی الكبير للمعايشات الإخوانية.. هل يمكن اعتبارها بداية النهاية لحكمهم؟
- لا، ليس الأمر بهذه الحدة، الإخوان جزء من مصر، وفی وقت ما سوف يدركون هذه الحقيقة، وأرجو أن يأتی هذا سريعا، إنما الأحلام والتمنيات مدمرة، وأمانيهم التی بلا سقف ستدمرهم وتدمر الآخرين، هناك نسبة لجميع الأطياف فی الكيان المصری ولا يمكن تهميش أحد منها، أما الجری وراء الأوهام والظن بأن الآخرين سوف يخضعون، فهذا وهم كبير وسيعانی منه المتوهمون وبقية الناس.
■ قلت من قبل إن المجلس العسكرى أراد الإخوان فی الحكم وهو يعلم خلفيات توجهاتهم منذ عهد الرئيس الراحل عبدالناصر.. هل لم يتوقع نتائج الوضع الذی أصبحنا فيه حالياً؟
- ما فعله عبدالناصر والمجلس العسكری هو نفس الشىء، كلاهما استعمل الوسائل الممكنة لتحقيق المصالح المبتغاة، عبدالناصر كان يريد الانفراد بالحكم فاستبعد الإخوان، والمجلس العسكری أراد الانسحاب بهدوء بعد أن حقق هدفه بالقضاء على الثوريت.
■ لكننا رأينا تصريحات نسبت لمرشد جماعة الإخوان، ونفاها فيما بعد أغضبت المؤسسة العسكرية، وهذا معناه أنهما ليسا على وفاق كما تقول؟
- لا يصح إهانة المؤسسة العسكرية ولا يصح إهانة الإخوان من حيث إنهم مصريون، أنا لا أرى هذه الإهانات من الجانب الخلقى، وإنما على ضوء الواقع السياسی هى نوع من اللعب، فيشتد فی الخطاب الآن ويرقُ غدا، ولا نستطيع أن نأخذه على محمل الجد، وقد تكون الخلافات التی تبدو على السطح بينهما كی لا يقال إن هناك صفقة تمت فی تسليم السلطة، أو ربما افتعال هذه الخلافات مقصود منه إلهاء المصريين عن الأهداف الحقيقية للثورة، قد يكون هناك سبب ثالث هو الحصول على مزيد من المكاسب، وسبب رابع قد يكون مواقف شخصية جدا ولا تدل على المؤسستين، ولكن فی النهاية هم يلعبون.
■ بم تفسر كل هذا الخوف من التيارات الإسلامية؟
- خوف فی محله، لأن الخبرات السابقة سواء فی تاريخنا القديم أو المعاصر تؤكد أن هذا الاتجاه يسير بالضرورة إلى حالة الإعتام التام، وهی ليست هواجس، إنما استقراء للتاريخ وللواقع أيضا.
فالتيارات الإسلامية المتشددة امتداد لأفعال الخوارج والقرامطة والصفويين والعلويين وطالبان، دوما يلجأون للعنف، لأن المتدين إذا حافظ على الصلة القلبية بينه وبين الله يصير صوفيا، وإذا خرج إلى السياسة صار كارثة على نفسه وعلى الآخرين، لأنه يظن أنه موكل من قبل السماء لإصلاح الأرض، ولديه حقٌ لا يمكن رفضه ولا التشكيك فيه، والحال دوما يكون مدمراً، ورأيناه فی السودان والصومال وأفغانستان، وإيران الصفوية وإيران الجديدة «الخومينى»، تجارب لا حصر لها. عندما تتم إدارة البلاد على أسس عقلانية ومنطقية يمكن حل كل الخلافات بين الناس، لكن النطق باسم الإله لا يجعل مكانا للجدال أصلا.
■ ما تعليقك على الاتهامات الموجهة للنخبة بأنها «نكبة» وسبب الخراب؟
- هذه حيلة متبعة منذ اندلاع الثورة بقليل لإضعاف تأثير المفكرين على الجموع بتشويههم، لذلك لا أحد يحدد لنا من هم هؤلاء النخبة هل مقصود بهم الكتاب مثلا أم هم المبدعون؟ وفی أی المجالات؟! المسرح.. السينما.. الأدب، هل المقصود الصحفيون المتميزون أصحاب الرأی أم من؟ الآن يتم تشويه رجال النيابة، وسمعت كثيرا من بعض الملتحين تهكما عليهم، كل هذا هو تشويه متعمد للتشويش على مواقفهم، وعندما بدأت الانحرافات فی مسار الثورة، وخُطط لتحويلها بعيدا عن مسارها، تصدى لذلك الكتاب والمفكرون، أو من يسمون النخبة، وهؤلاء قاموا بذلك وسيقومون به على خير ما يلزم، ولا أعرف واحداً منهم حقق أی مصلحة شخصية على الأقل، ممن أعرفهم، وهم كثيرون، فكانوا يتصدون للإغراءات ويرفضون المناصب، ويبتعدون عن مواطن الشبهات.
■ هل تعتقد أن حازم صلاح أبوإسماعيل يقيم دولة فوق دولة القانون؟
- أراه رجلا طريفا، ولا أستطيع أن آخذه على محمل الجد، وما فعله من أمور خارجة على القانون كحصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامی - أعمال لا يمكن فهمها إلا فی إطار حالة الخبل العام الذی يسود البلاد، ولا يخضع للمنطق.
■ هل يسير الرئيس محمد مرسی على نفس نهج مبارك؟
- لا.. هو الصورة المقلوبة من مبارك، الملامح واحدة، هو نفسه من حيث المحتوى، مبارك كان يقول إنه زعيم الأغلبية الصامتة، ومرسی قال إنه زعيم الأغلبية الناطقة بالصناديق، كلاهما يستند إلى الشرعية، وكلاهما يستخف بالجماعة المصرية، والصورة انقلبت.. هذا بلحية والآخر لا، هذا يستند للحزب الوطنی، والآخر لحزب الحرية والعدالة.
■ هل نحن على أعتاب ثورة جديدة؟
- لا نحن ما زلنا فی ثورتنا، ولكن الثورة ليست الخروج فی الشوارع فقط، إنما هی تتم فی الدماغ، مثل كل شىء إنسانى، الحب، الغضب، ثم يظهر ذلك فی أشكال مختلفة، فيكون من الحب ما بنى ومن الحب ما قتل، ويكون من الثورة ما أقام دعائم البلاد ويكون منها ما يدمر، ولكن الآن ومنذ 25 يناير الثورة قائمة.
■ كيف يؤثر الواقع باضطراباته عليك كروائی وعلى الإبداع بشكل عام؟
- يصرفنی كثيرا عن استكمال مشروعى، ويحول أحيانا دون استكمال أشياء كنت أحلم بها من خلال مكتبة الإسكندرية التی اضطررت إلى الابتعاد عنها، والأمر خارج عن الإرادة، ولو كان بيدى لفرغت نفسی تماما للكتابة، واستكملت حلمی الطموح بأن تحلق المكتبة فی أفق لم تبلغه مكتبة مثلها من قبل، وأن يكون العام الحالی والمقبل للمعرفة والفهم، وتمكين النظرة العقلانية فی قلب العقل الجمعی المصرى، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يناله، ومع هذا أظن أننی لن أتوقف.
أما تأثير الواقع على الإبداع فهو سيئ جدا، ولطالما ناشدت الكتاب والمبدعين وأدعوهم بإلحاح وبإخلاص لئلا يهجروا ميدانهم الإبداعى، لأن فی ذلك إضرارا كبيرا، ليكن الفنان فنانا مبدعا وثوريا، وليكن المهندس العبقری عبقريا وثوريا، وليكن الكاتب كاتباً مجيدا وثوريا، لأنه ليس خيرا له أو للآخرين أن يترك ميدانه الأصلی وينهمك تماما ويهجره، أرجو أن نبذل جهدا مضاعفا لاحتمال وطأة الواقع ولا نكسر أقلامنا، ولا نكف عن المبادرات التی تصنع شكل وروح هذا البلد.