«الجبل الواحد لا يمكن أن يتسع لنمرين معاً»، هكذا يقول المثل الصينى الشهير، الذى ينطبق الآن على حال اليابان والصين، حيث أصبحت بكين طرفاً فى صراع محتدم مع طوكيو حول مجموعة من الجزر الصغيرة فى بحر الصين الشرقى، ينذر باندلاع حرب واسعة النطاق.
يصف العديد من المحللين السياسيين منطقة بحر الصين الشرقى الآن بأنها منطقة كل الأخطار والتهديدات الممكنة، ففى قارة آسيا، التى تشهد نهضة متنامية، تتضاعف التوترات والمنافسات المختلفة.
وألقت الحكومة اليابانية بصخرة فى مياه المحيط الغاضبة بين طوكيو وبكين، حين قررت شراء الجزر الخمس الصخرية الواقعة فى جنوب أوكيناوا فى أقصى جنوب اليابان من ملاكها الصينيين، الأمر الذى قوبل بغضب شديد من جانب الصين، التى ترى أن الجزر ملك لها، معتبرة أن قرار طوكيو يمثل انتهاكاً خطيراً لسيادتها على أراضيها.
وأعلنت الصين حالة التأهب فى ديسمبر إثر إرسال اليابان طائرات مقاتلة فوق أجواء الجزر المتنازع عليها بينهما، معلنة عن دخول 3 سفن مراقبة المياه اليابانية، وهو الدخول الـ19 لسفن دورية تابعة للبحرية الصينية إلى المياه الإقليمية اليابانية منذ أن اشترت الأخيرة الجزر.
وعلت فى الأيام الأخيرة نبرة التهديدات بين الصين واليابان، وكاد البلدان يقرعان طبول الحرب بعدما استحضرا تاريخ العداوة بينهما وذلك على خلفية النزاع على الجزر، غير المأهولة بالسكان، والغنية بالموارد الطبيعية، والتى تطلق عليها اليابان اسم سينكاكو فيما تسميها الصين باسم دياويو.
ويتزامن النزاع بين بكين وطوكيو مع نزاع مماثل فى بحر الشرق بين اليابان وكوريا الجنوبية حول مجموعة جزر أخرى، كما تتنازع الصين أيضاً السيادة على جزيرة صخرة سويان التى تسيطر عليها سيول.
وهناك نزاع آخر بين الصين وفيتنام والفلبين على السيادة على جزر سبراتلى وباراسيل الغنية بالموادر الطبيعية، فضلاً عن مطالبات تايوان وماليزيا وبروناى بجزء منها، هذا بالإضافة للنزاع المحتدم بين الصين والفلبين على جزيرة هوانجيان، والتى تصر بكين على سيادتها.
وتشهد قارة آسيا صراعاً آخر على الجزر بعدما احتدم الخلاف الإماراتى - الإيرانى على الجزر الثلاث المتنازع عليها بينهما، أبوموسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى، وذلك بعد زيارة الرئيس الإيرانى، محمود أحمد نجاد، إلى إحداها، فى إبريل 2012، ليشعل صراعاً مستمر منذ أكثر من 40 عاماً.
وتشكل الجزر الـ3 أهمية استراتيجية، ويرى مراقبون أن تصعيد الإمارات، فى الفترة الأخيرة، فى خطابها الدبلوماسى ضد إيران لأول مرة وبهذه القسوة والتحدى غير المسبوق، من المحتمل أن يكون جزءاً من سيناريو سياسى ودبلوماسى غربى دفع الإمارات للإقدام عليه، فى وقت تواجه فيه إيران تهديدات أمريكية وإسرائيلية لضرب منشآتها النووية ومواقعها الاستراتيجية. وبدأت الإمارات منذ 5 سنوات عمليات تسلح استثنائية وغير مسبوقة حتى صنفت الدولة الأولى فى شراء الأسلحة فى منطقة الشرق الأوسط فى العام الماضى، الأمر الذى يربطه دبلوماسيون غربيون بتصاعد التوتر بين أبوظبى وإيران.
ويرى بعض المراقبين أن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية قد يزيد من خطر اتساع رقعة الصراعات بين تلك الأطراف وبالتالى سيؤثر على أمن واستقرار القارة الآسيوية بأكملها فى المستقبل القريب.
وتمثل النزاعات حول الجزر، مجرد رأس جبل الثلج الغاطس فى المياه العميقة، فمياه العلاقات بين تلك الدول مازالت تحمل خلافات تاريخية أعمق لم تنجح تلك الدول فى تسويتها بالرغم من مرور عقود على انتهاء الحرب العالمية الثانية.
كما تسببت الصراعات الحالية فى حدوث موجة من تصاعد مشاعر القومية فى المنطقة، وفى قيام سباق نحو التسلح، مما أجج الوضع إلى الحد الذى جعل الخلافات التاريخية القائمة بينهم عصيّة على الحل.
ويرى محللون أن نزاعات الحدود والجزر بين دول آسيا أصبحت مصدر تهديد وتوتر لعلاقات هذه الدول وتنذر بنشوب حرب طاحنة فى آسيا إن لم يتم تسويتها دبلوماسياً وعلى مائدة المفاوضات.
وتساءلت صحيفة «لوموند» الفرنسية عما إذا كان عام 2013 سيشهد احتداماً للصراع فى آسيا، قائلة إن التوتر بين بلدان هذه المنطقة بلغ أعلى مستوياته، كما تتخذ هذه البلدان خطوات غير مسبوقة، مما يجعل خروج الوضع عن السيطرة أمراً محتملاً للغاية.