يقف على مدخل إحدى محطات مترو الأنفاق، حاملا كرتونة تضم عشرات النسخ من مسودة الدستور، ينادى بين الناس: «اشترى الدستور.. اقرأ الدستور يا أستاذ». ترى مصر ذلك المشهد لأول مرة، ولأول مرة أيضا منذ سنوات طوال يقرأ المصريون مواد مشروع دستورهم الجديد ويتناقشون حولها فى الطرقات والمواصلات العامة، وأماكن عملهم.
يتساءلون عن مدى قدرة ذلك الدستور على تحقيق أحلامهم فى دخل ثابت يتناسب مع ارتفاع الأسعار ومستشفيات تضمن لهم علاجا لائقا ومعاملة كريمة، ومدارس وجامعات تكفل لأبنائهم تعليما جيدا ومتطورا.
بعيدا عن الجدل السياسى المحتقن حول الدستور، ومعركة «نعم» و«لا» المحتدمة الآن، ننقل لكم عبر تلك السطور كيف ينظر ويتناقش ويقيّم «المظاليم» من موظفى وعمال ونساء مصر مواد مسودة الدستور التى تمس حياتهم اليومية بشكل مباشر، ونستعرض تساؤلاتهم حول مدى قدرة ذلك الدستور على تحقيق آمالهم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.
عمالة الأطفال.. المستقبل فى خطر 1
على أطراف أحد مداخل ميدان التحرير يقف الطفل أحمد عبدالحميد، 14 عاما، حذرا، يحتمى بأحد المبانى التى تفصل بينه وبين رصاص الشرطة المتكرر وقت اشتباكات ميدان سيمون بوليفار الأخيرة، فى كل مرة يأتى إلى الميدان وقت الاشتباكات، عندما تتوقف الاشتباكات ليلا لا يجد حرجا فى دخول أى خيمة للاستراحة بداخلها والاحتماء من برودة الجو، إذ إن الميدان كله «ملك للشعب». دفعه اليأس من محاولاته المستمرة للتقديم فى فصول محو الأمية التى يظن أنها قد تؤهله لإحدى الجامعات، للنزول إلى الميدان فى كل التظاهرات، أدرك الدنيا أكثر بعدما أصبح يواجه الالتزامات الحياتية التى أصبحت عبئا عليه، خاصة بعد «إلحاح أبيه المتكرر للاعتماد على نفسه لأنه كبر ولازم يشتغل ويجيب فلوس عشان يعون نفسه»، فكون نظرياته التى اقتبسها من حكاوى المقاهى، ورأى أن الحكومة هى التى تتحمل مسؤولية عدم إكماله التعليم وليس والده.
أحمد عبدالحميد لا يعرف أن حاله أفضل كثيرا، من منار بنت التسع سنوات، التى ترتعش هناك على الجانب الآخر من العمل فى قسوة البرد، بملابس رثة ووجه يغطيه السواد وجسد نحيل، تخطو على كورنيش البحر بالإسكندرية، تحمل بيمينها علب مناديل وتمد شمالها للمارة «إدينى جنيه الله يخليك» وبعد يوم طويل يزيد على 18 ساعة لا تجد إلا سيارة خردة متهاكلة بلا زجاج تتخللها رياح النوة من كل اتجاه حولتها إلى مسكن ببطانية تحميها نسبيا من برد الشتاء، ومن أخطار عادة ما تصيبها كل يوم فى رحلة عملها. يزيد دفئها أختها التى تنام بجوارها، لم تختلف ملامح «سارة» كثيرا عن «منار»، إلا أنك تستطيع أن تميز ملامحها أكثر نظرا لظهور بعض ملامح الأنوثة، حيث تجاوز عمرها أربعة عشر عاما، كانت بمثابة الحماية لأختها الصغيرة من «بلاوى الشارع»، على حسب توصيفها.
بعد انفصال والديهما، أدمن الوالد المخدرات، وأصبح يجبر ابنتيه على التسول فى الشارع وبيع المناديل، بالإضافة إلى العمل خادمات فى المنازل، وذلك حتى توفرا دخلاً لأبيهما الذى يعيش على عمل ابنتيه، لم يستطيعا العيش معه، واستطاعتا اللجوء إلى أحد دور رعاية المعنفات بالإسكندرية، بعد أن أقامت الدار دعوى قضائية على والدهما وتحرير محاضر ضده، بتهمة إجبار بناته دون الثمانية عشر عاما على العمل والتسول. لم تكن سارة ومنار وأحمد وحدهم، فبحسب نتائج الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، فإن إجمالى عدد الأطفال العاملين فى مصر يصل إلى مليون و594 ألف طفل فى الفئة العمرية بين 5 و17 عاماً.
ويشير تقرير مركز حقوق الطفل المصرى حول عمالة الأطفال أن أطفال المدارس بالريف يعتبرون عمليا من العمال الموسميين فى فترة الحصاد، بالإضافة إلى باقى أطفال الريف الذين لم يلتحقوا بالمدارس أو تسربوا منها يعتبرون قوة العمل الصغيرة من الفلاحين بريف مصر. وفى إطار السعى وراء حقوق الطفل دعت كل منظمات المجتمع المدنى إلى أهمية وجود قانون موحد للطفل، وبالفعل خرج القانون إلى النور ليجرم عمالة الأطفال ويحدد سن الطفل بـ18 سنة.
أما فى مشروع الدستور الجديد فتجاهل وجود مادة تحدد سن الطفل، فالمادة 70 والتى تنص على أن «لكل طفل، فور الولادة، الحق فى اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية دينية ووجدانية ومعرفية»، يرى محمود البدوى، رئيس الجمعية المصرية لمساعـدة الأحـداث وحقوق الإنسان، أنها لم تحدد سن الطفولة التى تكفل الدولة حمايتها. واستنكر الإصرار غير المبرر من قبل اللجنة على عدم تحديد سن الطفولة، الأمر الذى يثير العديد من الشكوك حول حدوث نوع من الردة التشريعية على ما صدقت عليه مصر بالاتفاقية الدولية، وبخاصة المادة الأولى من الاتفاقية والتى تحدد عمر الطفل بـ 18 عاما.
وأكد محمود البدوى ،المحامى، رئيس الجمعية المصرية لعدالة الأحداث، بأن هناك عواراً وتعارضاً واضحاً بين ماجاء بالمادة 70 من الوثيقة وبين نصوص القانون 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون 126 لسنة 2012 وذلك فيما يخص تنظيم عمالة الأطفال وحماية الأطفال من مخاطر عمالة الأطفال، وأن المادة المقترحة اكتفت فقط بحظر عمالة الأطفال فى أعمال لا تناسب أعمارهم حتى سن التعليم الإلزامى، بالإضافة إلى عمالة الأطفال دون تحديد لأى سن للعمالة، ودون حمايتهم بعد مرحلة التعليم الإلزامى من الانخراط فى أسوأ أشكال العمل التى تودى بحياتهم أو بصحتهم أو أخلافهم أو تعليمهم، كالاشتراك فى العمل السياسى وأعمال العنف، فى حين أنه كان من الأجدى النص صراحة على حظر تشغيل الأطفال قبل سن الثامنة عشرة فى أعمال تعد من أسوأ أشكال العمل.
2الرعاية الصحية.. خصخصة التأمين الصحى على الأبواب
عبد المجيد- 31 عاما- يعمل مراقب أمن بأحد المستشفيات، تعانى ابنته التى تبلغ من العمر ثلاث سنوات من «نزلة برد». حملها «عيد» إلى أحد مستشفيات التأمين الصحى، حيث كتب لها الطبيب روشتة علاج تجاوزت قيمته 77 جنيهاً.
روشتة الطبيب وضعت «عيد» الذى يتقاضى من وظيفته حوالى 700 جنيه فى موقف صعب، فهذا المبلغ مخصص لاحتياجات أسرته من إيجار شقة وشراء مواد غذائية ومواصلات وعلاج. لذا قرر «عيد» أن يشترى الدواء الأهم فقط من روشتة الطبيب، ودعا الله أن يشفى ابنته دون الحاجة إلى بقية الأدوية.
يخضع «عيد» حاليا لمظلة التأمين الصحى باعتباره عاملا بالدولة، لكن زوجته وابنته الصغيرة خارج تلك المظلة، لذا عليه أن يتحمل تكاليف علاجهما. فهل سيدخل «عيد» وأسرته ضمن مظلة التأمين الصحى والعلاج بالمجان فى مسودة الدستور الجديد، أم سيعتبر من القادرين، الذين لا يحق لهم العلاج بالمجان؟ سيد عبدالفتاح- 48 عاما- قضى 14 عاما منها موظفا فى الحكومة، يقول إن أقصى راتب تقاضاه يبلغ 1200 جنيه، متزوج ولديه 3 أطفال، بالإضافة إلى والدته التى تعيش معه فى نفس المنزل. «سيد» يتحمل مصروفات علاج زوجته وأبنائه وأمه المسنة، يقول: «والدتى تحتاج وحدها 150 جنيها لعلاجها الشهرى فى حين اضطررت الشهر الماضى لدفع 700 جنيه تكاليف علاج أبنائى من (دور برد) أصابهم.. العلاج فى مستشفيات الحكومة بطىء وغير مضمون، لذا أذهب بهم لعيادات خاصة وأدفع لهم من جيبى». يعتقد «سيد» أن معرفة من هم «غير القادرين» الذين تضمن لهم مسودة الدستور العلاج بالمجان سيكون أمرا صعبا، ويقول إن الدولة إذا اعتبرت من يتقاضى أقل من 700 جنيه من غير القادرين، فهذا يعنى أننى أصبحت من القادرين، لكننى إذا احتجت عملية طارئة فلن أجد ثمنها.
ترى الدكتورة أميمة الحناوى، أستاذ أمراض الباطنة بطب قصر العينى، عضو لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، أن المواد الخاصة بالرعاية الصحية فى مسودة الدستور غير كافية لضمان حق المواطنين فى رعاية صحية، وتأمين صحى شامل، وتقول «الحناوى» إن عبارة «العلاج بالمجان لغير القادرين» غير واضحة فى مسودة الدستور، وتتساءل: «ما المعايير التى ستحدد الدولة من خلالها غير القادرين؟!.. هل ستعتبر من يتقاضى 1500 جنيه من القادرين مثلا؟!.. وماذا لو احتاج ذلك الشخص عملية قلب مفتوح؟!».
وتعتقد عضو لجنة الدفاع عن الصحة أن «مسودة الدستور بها قصور شديد، وتهاون فى حق المواطنين فى الصحة والعلاج»، وهو ما سيؤدى إلى استمرار تدهور وضع الرعاية الصحية فى مصر وتراجعها، وتقترح «الحناوى» أن تنص مسودة الدستور على مادة واضحة تضمن تأميناً صحياً شاملاً لكل المصريين مقابل مبلغ مالى محدد كل شهر يضمن علاج كل المصريين من خلاله. يقول الدكتور محمد حسن خليل، استشارى أمراض القلب، منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، إن المادة 62 الخاصة بالرعاية الصحية فى مسودة الدستور لا يوجد بها أى التزام واضح وصريح عن مسؤولية الدولة عن صحة المواطنين، وأضاف أن تعبير «العلاج بالمجان لغير القادرين» يعنى أن الدولة لن توفر العلاج إلا للمواطنين، الذين يتلقون معاش الضمان الاجتماعى، وهم حوالى 20% فقط من المصريين.
ويلفت منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة النظر إلى أن الاتجاه الحديث للرعاية الصحية فى العالم يقتضى تحديد مسؤولية الدولة فى مجال الرعاية الصحية بشكل واضح وصريح، وهو أمر لم تغفله دساتير دول مثل البرازيل وكولومبيا وجنوب أفريقيا.
ويقول خليل إن مسودة الدستور لم تحدد هل ستشمل مسؤولية الدولة علاج كل الموطنين من كل الأمراض أم لا؟ ويقترح أن تضمن مواد الرعاية الصحية فى مسودة الدستور التزام الدولة بالمسؤولية عن صحة جميع المصريين، وبالوفاء بهذه المسؤولية عن طريق نظام تأمين صحى اجتماعى شامل يغطى جميع السكان، ويؤمنهم ضد جميع الأمراض، ويضيف أن صياغة الدستور بالشكل الحالى تتوافق مع مشروع قانون التأمين الصحى الجديد، الذى يؤسس لخصخصة التأمين الصحى دون مراعاة للدخول الضعيفة لغالبية المصريين، كما يمكن أن يفتح الباب أمام خصخصة جزء من المستشفيات التابعة لوزارة الصحة. يعتقد «خليل» أن النص على تخصيص «نسبة كافية من الناتج القومى» للرعاية الصحية فى مسودة الدستور عبارة «مطاطة»، ويسهل على أى حكومة أن تستخدمها للتهرب من واجباتها فى توفير الرعاية الصحية الملائمة للمصريين، ويقول: «كل الحكومات السابقة كانت تعتبر أن الإتفاق على الصحة فى الموازنة العامة كافٍ رغم أنها أقل من 5%، وهى نسبة بعيدة عن متوسط الإنفاق العالمى على الصحة».
3 المرأة.. للخلف در
أكثر من عام ونصف العام ظلت فيه ملك حسين، 25 سنة، موظفة، تدور فى أروقة محاكم الأسرة سعيا، وراء حقها فى الطلاق بعد أن تعرضت للضرب، والانتهاك من زوجها وأيضا حقها فى النفقة وباقى حقوقها الشرعية التى كفلها لها القانون. فمحاكم الأسرة الحالية على الرغم من بطء الإجراءات فإنها حققت حلم ملك فى الطلاق «على الرغم من أن القانون يعتمد على وجود شهود حتى أستطيع الحصول على حكم بالطلاق للضرر، وأيضا معاناة المرأة من أن يجبرها الزوج على الدفاع عن شرفها أحيانا فى حالة الاستعانة بشهود لإثبات أنى امرأة غير شريفة، إلا أن القاضى لم يتدخل بأى حال من الأحوال فى خصوصيات العلاقة بين الزوجين كما تمت حماية المرأة من قانون الطاعة وإنصافها منه». «الخلع رحمنى من ابتزاز زوجى» هذا ما قالته صفاء الجندى 26 سنة، وتعمل موظفة فى إحدى الشركات، تعرضت صفاء إلى انتهاكات عديدة من زوجها، الذى أراد أن ينهى الزواج قبل الزفاف لكن بشرط أن تدفع له ضعف مؤخر الصداق، الذى بلغت قيمته20 ألف جنيه.
«اضطريت إلى رفع دعوى طلاق، ثم الخلع حتى أستطيع التخلص منه، خاصة أنه لم يتم الزواج أصلا، لكنه حاول أن يأتى بشهود لإثبات أنى سيئة السمعة، لكنى لجأت للخلع، وأعدت له مبلغ المهر فقط، وحصلت على حريتى». الحق فى العمل، الحق فى التعليم، الحق فى العدالة الاجتماعية، حقوق تطلبها المرأة، بل إن هناك قانون الرؤية الذى أعطى المرأة الحق فى رعاية أبنائها حتى سن 13 للولد و15 عاما للبنت كل هذه مكتسبات ناضلت المرأة المصرية للحصول عليها فى ظل دستور 71.
ترى نهاد أبوالقمصان، رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة، أن مسودة الدستور جاءت صادمة، وتتعامل مع النساء من منظور أنها «مفرخة» للأطفال، ودورها الأول الخدمة المنزلية، حيث لم يرد للمرأة ذكر فى الدستور سوى فى المادة 10، التى جاء نصها: «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسخ قيمها الأخلاقية وحمايتها، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون، وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام، وتولى الدولة عناية وحماية للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة»، وأضافت أن هناك عدداً من المواد فى مسودة الدستور وضعت بفلسفة ذكر الحق، والانقضاض عليه، وهى نفس فلسفة دستور 1971، حيث يتم ذكر الحقوق، لكن تتم إحالة التطبيق إما إلى نص قانون أو إلى ألفاظ مطاطة يجب وضع معايير تطبيق لها.
وأضافت: «تعد المادة دعوة لعودة المرأة للمنزل، وفتح باب أمام عمل ميليشيات تدعى الحرص على الطابع الأصيل للمجتمع، وذلك لاعتبار مسؤولية الدولة دعم المرأة فى التوفيق بين واجباتها المنزلية، التى جاءت فى المرتبة الأولى، وعملها فى المجتمع الذى جاء متأخرا، كما لم يرد ذكر للمرأة المصرية كمواطنة وشريكة فى صناعة القرار فى أى مادة من مواد الدستور على مستوى الصياغة أو الحقوق، كما أن المواد الخاصة بالمساواة بين الموطنين تم انتهاكها بهذه المادة، فإذا جاءت المساواة بدون مواد تحميها فهى مساواة وهمية.
وترى منى عزت، الباحثة بمؤسسة المرأة الجديدة أن المشروع الجديد أغفل الحديث عن آلية تضمن تمثيل عادل للنساء فى المجالس النيابية المختلفة، كما لم يتم الحديث عن دور الدولة فى توفير الرعاية والخدمات الخاصة بالصحة الإنجابية، بالإضافة لذلك لم تنص المادة (70) على رعاية المصلحة الفضلى للطفل وعدم التمييز، كما لم تنص على حظر زواج الأطفال، وارتبطت هذه المادة بالمادة (73)، التى لم تنص على حظر الاتجار بالبشر، واكتفت بحظر الاتجار فى الجنس فحسب، وفى حالة التصويت بـ«نعم» على الدستور وإقراره يصبح من السهل الطعن بعدم دستورية المادة (31) مكرر فى قانون الأحوال المدنية التى حددت سن الزواج للجنسين ألا تقل عن 18 عاما، وإلغاء المادة التى تجرم ختان الإناث، أيضا قانون 64 لسنة 2010، الذى يجرم الاتجار بالبشر، وهو أوسع نطاقا وأشمل من مجرد الاتجار الجنسى، حيث يشمل الاتجار بالبشر كل أشكال الاستغلال، التى يمكن أن يتعرض لها الرجال والنساء والأطفال منها الاتجار فى الأعضاء، والإجبار على مهن معينة مثل التسول، والاتجار بالنساء عن طريق زواج القاصرات.
4النقابات المستقلة.. انتصار العمال الذى أهدره الدستو
على عكس الجميع، فإن الآمال التى تحتفظ بها ذاكرة عبد القادر ندا، الأمين العام السابق للنقابة المستقلة للعاملين بمصلحة الضرائب العقارية، ضد النظام السابق، جعلته يترقب من بعيد دون اكتراث ما سيسفر عنه مشروع الدستور، سواء بنعم أو بلا. هو لا ينشغل كثيرا قائلا بثقة: «الأجيال الجديدة التى سلمناها الراية لن تخذلنا»، وسواء جاءت نتيجة الاستفتاء بـ«نعم»، التى ستدخل النقابات المستقلة داخل عباءة النظام من جديد، أو «لا» التى ستجعلنا ننتظر مستقبل مئات النقابات المستقلة، التى تأسست بعد الثورة كحق ومكتسب أصيل للثورة المصرية.
يتذكر «ندا» تحديات تأسيس النقابة المستقلة للعاملين بمصلحة الضرائب العقارية، «لم يكن هناك تعددية نقابية فى ظل نظام مبارك، لكننا تحدينا النظام من خلال الاتفاقيات التى تقع ضمن اتفاقيات العمل العشرة التى تنظم ما يعرف بمعايير العمل الأساسية وتفترض منظمة العمل الدولية التزام جميع الدول الأعضاء بها، والتى تضمن أحقية العمال وحريتهم فى تكوين واختيار منظماتهم دون إذن مسبق».
يرى ندا أن الوضع الآن لم يفرق كثيرا بين النظام السابق والنظام الحال، بل إن دستور 71 كان يلتزم بالاتفاقيات الدولية التى كانت تقوم بمقام القوانين، وكانت حرية إنشاء النقابات يكفلها الدستور بعيدا عن هيمنة النظام السابق على عكس مسودة الدستور الحالية «المستبدة»، حسب وصفه، والتى نقلت قوانين مبارك التى تمنع التعددية وحرية تأسيس النقابات، وجعلت تأسيس النقابات المستقلة منعدما بعد أن كان ينص الدستور 71 فى مادته السادسة والخمسين حقا للعمال.
يضيف «ندا»: «على الرغم من أن قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976نص فى المادة الثالثة عشرة منه على أنه «للعمال والعمال المتدرجين المشتغلين فى مجموعات مهنية أو صناعات متماثلة أو مرتبطة ببعضها أو مشتركة فى إنتاج واحد الحق فى تكوين نقابة عامة واحدة على مستوى الجمهورية طبقاً للائحة التى يعدها التنظيم النقابى»، فإن المحكمة الدستورية خالفت هذا القانون وأثبتت بناء على الدستور أن «توكيد مبدأ الحرية النقابية بمفهومها الديمقراطى الذى يقضى- من بين ما يقضى به- أن يكون لأعضاء النقابة حق فى أن يختاروا بأنفسهم وفى حرية قياداتهم النقابية التى تعبر عن إرادتهم.
يتذكر «ندا»: «منذ تأسيس نقابة العاملين بمصلحة الضرائب العقارية حققنا جزءا كبيرا من حقوق العمال، أنشأنا صندوق خدمة الأغراض الاجتماعية للعاملين بمصلحة الضرائب العقارية ومديرياتها، وتم تطوير الرعاية الصحية للعاملين بالنقابة، بعيدا عن التأمين الصحى الكاذب للدولة». «لا أشعر بخوف» يقول، «حتى لو حسمت نتيجة الاستفتاء بالموافقة على الدستور، فغن عمال مصر الذين واجهوا مبارك لن يكترثوا بدستور يسلبهم حقوقهم، فالثورة مستمرة فى كل الأحوال، كما أن حل النقابات المسستقلة مستحيل، ذلك لأن مصر ملتزمة بالاتفاقيات الدولية التى تضمن حرية تكوين النقابات، بالإضافة إلى أن حل النقابات المستقلة سيؤدى إلى تقييد الحركة العمالية التى ستضر بالنمو الاقتصادى وتحقيق العدالة الاجتماعية للعاملين بالدولة».
5 المعاقون.. التهميش مازال مستمراً
ريهام المصرى فتاة من ذوى الإعاقة الحركية، فى أواخر العشرينيات من عمرها حاصلة على ليسانس آداب فلسفة، اتجهت بعد تخرجها إلى التفكير فى التعايش مع مجتمعها بالرغم من إعاقتها.
شاركت فى تظاهرات المطالبة بحقوق ذوى الإعاقة فى العمل عام 2009 وكونت مع زملائها جمعية «7 مليون معاق» التى تطالب بتوفير الحقوق الأساسية لذوى الإعاقة من الحق فى التعليم والعمل والصحة والحق فى مباشرة الحقوق السياسية والترشح فى الانتخابات النيابية والتسهيل على ذوى الإعاقة فى التصويت فى الانتخابات. تقول ريهام «التظاهرات أمام محافظة القاهرة للمطالبة بالتشغيل كانت هى بداية النضال من أجل توفير حياة كريمة للمعاقين كان شعارنا الأساسى (شركاء ولسنا أعباء) حاولنا تغيير نظرة العطف والشفقة التى ينظرها لنا المجتمع على اعتبار أننا شركاء لدينا قدرات توازى الأسوياء ومن حقنا الحياة الكريمة».
تضيف: «المعاقون حاولوا طرق الأبواب بكل السبل حتى يسمعوا صوتهم للمسؤولين والرأى العام للحصول على فرص عمل جيدة وأجهزة تعويضية مناسبة وأيضا رعاية صحية فبعد الاعتصامات أمام مجلس الوزراء للمطالبة بالحقوق الأساسية وإنشاء مجلس أعلى لشؤون ذوى الإعاقة يكون معنياً بمشاكل المعاقين تمكنا فى توصيل أصواتنا وحصل عدد منا على وظائف مختلفة، ولكن هناك الكثير من الحقوق مازالت مهدرة».
نجح ذوو الإعاقة فى توصيل أصواتهم للمطالبة بحقهم فى الترشح لمجلس الشعب، وبالفعل ترشح أكثر من 20 من ذوى الإعاقة ضمن قوائم الأحزاب، ووصل واحد من حزب النور إلى برلمان 2012 الذى صدر قرار بحله.
تشير ريهام إلى أنها والمعاقين جميعا عانوا من التهميش الذى وصل إلى حد أن اللجنة العليا للانتخابات تصفهم «بذوى عاهات» حيث جاء بالبند التاسع من دليل الناخب، والصادر من اللجنة العليا للانتخابات، وصف ذوى الإعاقة بأنهم (ذوو عاهات) وبعد وقفات احتجاجية اعتذرت اللجنة العليا للانتخابات عن هذا الخطأ ووصفتهم بـ«ذوى إعاقة».
تضيف: «مسودة الدستور الجديد تجاهلت الحقوق الأساسية للمعاقين ولم تسمع للمواد التى طرحناها على الجمعية التأسيسية واقتصرت حقوقنا على (الرعاية) وليس إقرار مواد تنص على حقوق أساسية للمعاقين». يرى محمد مختار مسؤول لجنة الشكاوى بالمجلس القومى للإعاقة أن المادة الخاصة بذوى الإعاقة وهى المادة 72 والتى تنص على: «تلتزم الدولة برعاية ذوى الإعاقة صحيا وتعليمياً واجتماعياً واقتصادياً، وتوفر لهم فرص العمل، وترتقى بالثقافة الاجتماعية نحوهم، وتهيئ المرافق العامة بما يناسب احتياجاتهم».
يرى مختار أنه تم اختزال حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة فى مادة واحدة فى الباب الثانى من دستور مكون من حوالى 250 مادة، ولم يأت نصها حتى معبرا عن حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة وهو ما يعد إجحافا لحقوقهم، كما أن لفظ «رعاية» ينم عن أن السلطات مازالت تتعامل معهم باعتبارهم أشخاصاً فاقدى الأهلية ويستحقون الرعاية وليسو أصحاب حقوق، وأيضا تتنوع حقوقهم ومطالبهم كثيراً وليست مقتصرة على الحقوق التعليمية والصحية والاجتماعية».