بينما تستعد فيه إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما لضرب سوريا لـ«تأديب» الرئيس السورى بشار الأسد على تخطيه «الخط الأحمر» باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، يحذر خبراء من أن أى تدخل مباشر فى الدولة الممزقة بفعل الصراع الدائر منذ عامين ونصف العام، قد يجر واشنطن إلى حرب جديدة فى الشرق الأوسط، حاولت تجنبها مراراً، موضحين أن هذا الخيار ينطوى أيضاً على العديد من المخاطر.
وتصر واشنطن على أن الهجوم، حال وقوعه، سيكون «محدوداً». وبإمكان ذلك أن يكسر معنويات جيش «الأسد»، وأن يشجع على الفرار والانشقاقات، وفقاً للباحث فى «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، جيفرى وايت، لكن الكثير من الخبراء لا يرجحون أن يلحق ذلك الهجوم ضرراً مهماً بالرئيس السورى، بل قد يجلب مخاطر كثيرة، إذ يقول الباحث فى «معهد دراسة الحرب» كريستوفر هارمر إن «القيام بإجراء جراحى فى هذه الظروف هو أسوأ من عدم القيام بشىء، فمن شأن ذلك أن يبعث برسالة خاطئة للأسد مفادها أنه يتمتع بنوع من الحصانة وبإمكانه أن يستمر فى القيام بكل ما يرغب فيه».
وفى الإطار ذاته، قال جيفرى مارتينى، المحلل المتخصص فى شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة راند للأبحاث، «من غير المرجح أن تحقق الضربة أيا من الأهداف الاستراتيجية الشاملة، مثل خفض الإصابات بين المدنيين أو احتواء النزاع أو ترجيح الميزان العسكرى لمصلحة المعارضة».
ورجحت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية ألا يكون لضربة صاروخية تأثير كبير، موضحة أن أى هجوم على المطارات السورية لن يواجه فقط بالدفاعات الجوية السورية المتطورة، ولكن باحتمال التدخل الروسى. كما أن مثل هذا الهجوم يمكن أن يطلق العنان لاعتداءات «انتقامية» من قبل إيران و«حزب الله»، حليفى «الأسد»، ضد أهداف أمريكية وغربية بأنحاء العالم، وقد يشعل حروباً إلكترونية، وقد يدفع روسيا والصين إلى مضاعفة دعمهما للأسد، كما يبرز احتمال انتشار نيران الحرب الواسعة فى أنحاء المنطقة.
وبالنظر إلى التداعيات السابقة، لم تكن بريطانيا الدولة الوحيدة التى أعرضت عن التورط فى الحرب على سوريا، حيث حذرت جامعة الدول العربية من أن أى هجوم على سوريا من شأنه أن يعزز المشاعر المعادية للولايات المتحدة التى لا تزال متأججة فى الشرق الأوسط. وأعلنت الأردن، أحد حلفاء واشنطن، أنها لن تسمح باستخدام أراضيها لشن أى هجوم، فيما أكد الروس والصينيون رفضهم تقديم أى دعم للخيار العسكرى ضد سوريا فى الأمم المتحدة، كما أن الأوروبيين، فيما عدا فرنسا، لا يريدون الاشتراك فى تلك العملية التى تبدو أمريكية بالدرجة الأولى.
وتوضح «فورين بوليسى» أنه فى حال وقوع الهجوم المحتمل، قد لا تجد واشنطن نفسها قادرة على التراجع عن التورط بشكل أكبر فى الحرب الأهلية السورية، التى خلفت أكثر من 110آلاف قتيل حتى الآن. وحتى فى حال سقط الأسد، رغم أن ذلك احتمال مستبعد مع ضربة «محدودة»، فمن المتوقع أن يخلفه على رأس الحكم جماعات متطرفة مثل «جبهة النصرة»، الأكثر تنظيماً بين مقاتلى المعارضة السورية، والتى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتنظيم «القاعدة». ورأت المجلة أن سوريا بقيادة «النصرة»، التى تسعى لاستعادة «الخلافة»، ستشكل تهديداً كبيراً للأردن، حيث يواجه الملك عبدالله الثانى تحديات داخلية خطيرة، ومن ثم لإسرائيل، التى ترغب النصرة فى «تدميرها»، بحسب المجلة.
ويقول خبراء إن الولايات المتحدة ليست فى وضع يمكّنها من شن حرب ثالثة خلال 12عاماً، بعد كابوسى أفغانستان والعراق، موضحين أن الهجوم على سوريا سيكون مختلفاً تماماً عن هجوم 2011 الذى أطاح بالرئيس الليبى الراحل معمر القذافى، إذ كانت ليبيا شبه معزولة دولياً ولم يكن لديها جيش بالمعنى المفهوم، بينما يقف فى ظهر سوريا «حزب الله» وإيران وروسيا.
وتظهر استطلاعات الرأى أن الأغلبية العظمى من الأمريكيين يعارضون بشدة أى مهمة عسكرية أمريكية فى سوريا، ففى استطلاع أجرته مؤسسة «أبسوس» الأمريكية، أبدى 60% من الأمريكيين معارضتهم التدخل فى سوريا، بينما سانده 9% فقط، مما يؤكد أن «شبح العراق» ما زال يقيد قدرة أوباما على كسب التأييد لحملته العسكرية فى سوريا. ويقول جيفرى مارتينى: «الرأى العام الأمريكى الذى ضاق ذرعاً بالحروب لا يشعر بأى شهية لدخول نزاع عسكرى آخر طويل».
ومن ضمن الآثار السلبية للضربة المحتملة على سوريا بالنسبة للاستقرار فى الشرق الأوسط، أن تغيير النظام فى سوريا بدعم من واشنطن سيدفع «ملالى» إيران لتكثيف جهودهم لامتلاك السلاح النووى، فلو رأت إيران أن الولايات المتحدة أسهمت بنجاح فى تغيير النظام بالقوة فى العراق وليبيا وسوريا، دون أن تفعل ذلك فى كوريا الشمالية، ستتأكد أن الأسلحة النووية وحدها هى القادرة على ردع واشنطن عن السعى لإسقاط نظامهم. وبطبيعة الحال، فإن أى مسعى إيرانى علنى لحيازة أسلحة نووية سيدفع إسرائيل فى نهاية المطاف إلى شن هجوم، ومن ثم تجد الولايات المتحدة نفسها متورطة فى صراع جديد فى الشرق الأوسط.
وعن التكلفة المالية للهجوم المتوقع، تقول «فورين بوليسى» إن أى حملة ضد الأسد أبعد من هجوم صاروخى «رمزى» ستكلف أكثر بكثير من الـ 1.5 مليار دولار التى تكلفتها الحرب فى ليبيا عام 2011.