نشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تقريرًا حول السيناريوهات المطروحة أمام الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في سوريا، وأوصى التقرير الذي أعده رئيس المعهد الحالي، ورئيس جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية (أمان) السابق، الجنرال عاموس يادلين، بضرورة قيام الولايات المتحدة بالقيام بهجوم عسكري مع «أوسع قاعدة ممكنة»، بالتعاون مع حلفائها في المنطقة ومن بينهم تركيا وإسرائيل، كما أشار إلى إمكانية إشراك مصر في هذه الحرب، مقابل تحسين علاقتها مع الولايات المتحدة.
وقال التقرير إن الهدف الأمريكي المُعلن من الضربة العسكرية المُحتملة ضد سوريا هو عقاب نظام الرئيس الأسد على استخدام السلاح الكيماوي وردعه كي لا يستخدمه مرة أخرى، مشيرًا إلى أن هناك أهدافا أخرى غير معلنة من بينها «الإضرار بالشعور بالأمان لدى الرئيس السوري وتغيير وجهة نظرة في أنه قادر على البقاء، وأيضًا وقف المذابح، بما فيها (التقليدية)، ضد أبناء شعبه وإنهاء الحرب الأهلية».
وأضاف التقرير أن «ضبط النفس الأمريكي قوى شعور الأسد بالأمان وشجعه على توسيع مدى عملياته ضد المتمردين والأبرياء، ضبط النفس الأمريكي قوى أيضًا التقديرات في روسيا بأن دعم الأسد يثبت للعالم ولاءها لحلفائها وثباتها على المبادئ، بخلاف الولايات المتحدة، التي تخلفت عن حلفائها وترددت في الثبات على المبادئ».
ولفت تقرير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن «المصلحة الأمريكية المهمة جدًا هي إضعاف المحور المتشدد –إيران، سوريا وحزب الله- الذي تُمثل إنجازاته بشرى سيئة للمبادئ التي تؤمن بها الولايات المتحدة، وأيضًا لمصالحها. وعدم إقدام الولايات المتحدة على القيام بعملية في سوريا شجع حزب الله على التدخل فيما يحدث هناك، الأمر الذي نجح في تغيير زخم الحرب الأهلية لصالح الأسد. المحور المتشدد نجح في إضعاف ملحوظ للمعسكر الغربي المعتدل».
وتابع التقرير: «إضعاف محور طهران- دمشق- بيروت والمنظمات الجهادية سيقلل التخوف من زعزعة الاستقرار على حدود سوريا مع تركيا، الأردن وإسرائيل، حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، أما استمرار حالة عدم الاستقرار الحالية فمن الممكن أن يؤدي لتوسيع دائرة العنف لدول أخرى في المنطقة».
وأشار التقرير إلى أن «الخوف الأساسي، هو أن العملية الأمريكية قد تؤدي إلى نتائج غير متوقعة، من شأنها أن توسع دائرة العملية العسكرية في سوريا ومدتها»، ولفت إلى أن «التدخل العسكري من شأنه أن يجعل واشنطن في مواجهة مباشرة مع موسكو ومن شأنه أيضًا أن يؤدي إلى رد من الراعي الإيراني للأسد وفتح جبهة إضافية ضد إيران وحزب الله».
وقال رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية السابق، الجنرال عاموس يادلين، في تقريره: «نحن مقتنعون بأن احتمالات تنفيذ عملية عسكرية واسعة، تتضمن مشاركة قوات برية غير مطروحة على طاولة المناقشات في البيت الأبيض»، مشيرًا إلى أن هناك ست استراتيجيات على الطاولة لا تتضمن هجومًا شاملًا (على طريقة العراق 2003).
أول السيناريوهات المطروحة هو «زيادة تدريب قوات المتمردين خارج سوريا، والمساعدة في إقامة سلسلة قيادية فعالة، وإرسال أسلحة كبيرة»، وأشار التقرير إلى أنه «على الرغم من أن هذه الاستراتيجية كانت قادرة على التكيف مع الظروف، التي كانت سائدة حتى عدة شهور مضت، لكنها ليست الرد المناسب في هذه اللحظة».
أما السيناريو الثاني فهو «الهجوم العقابي»، والذي يتضمن «هجمات على نطاق محدود وفي زمن قصير ضد الوحدات التي شاركت في الهجوم الكيميائي الأخير أو على أهداف عسكرية أو ممتلكات وأصول للنظام السوري».
ويقول تقرير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي عن هذا السيناريو: «هذا البديل سيُمثل تغيرًا في السياسة الأمريكية، هو سيعزز حقًا الثقة في الولايات المتحدة، ولكن فرص استعادة قوة الردع الأمريكية لن تكون مرتفعة. الحديث عن فعل عقابي محدود لن يغير الواقع في سوريا بشكل كبير. وهناك شك كبير فيما إذا كان هذا الفعل سيؤثر على اعتبارات بشار الأسد في الاستمرار في قتل شعبه»، بحسب التقرير.
أما السيناريو الثالث الذي أورده رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في تقريره فهو الإعلان عن منطقة «حظر جوي» ومناطق تُحظر فيها الحركة على الدبابات والمدفعية السورية، وجاء في التقرير أن «هذا البديل يُبقي الولايات المتحدة على حافة الصراع الداخلي في سوريا. الإضرار بحرية عمل الأسد في مجاله الجوي من شأنه أن يعيقه لأنه يتمتع بهيمنة كاملة على هذه الساحة. وحظر استخدام المدفعية والدبابات وقاذفات الصواريخ في بعض الأماكن من شأنه أن يضر بأحد المزايا الكبيرة التي يستخدمها الأسد. الولايات المتحدة لديها الجيش الأكبر والأكثر تطورًا في العالم، وحتى لو عملت وحدها ستكون قادرة على تنفيذ هذه المهمة بواسطة قواتها في المنطقة».
السيناريو الرابع المطروح هو «الإعلان عن مناطق منزوعة السلاح بالقرب من الحدود مع تركيا والأردن وإقامة ممرات إنسانية»، وبحسب التقرير فإن «الهدف من هذا البديل هو عمل مأوى للسكان المدنيين بهدف تقليل القتل في سوريا، ولتزويدهم بالمساعدات الإنسانية، ويتطلب هذا البديل الحفاظ على مناطق معينة وإدخال قوات برية، وإذا تم اختيار هذا البديل فإن القوات التي ستتولى الحفاظ على هذه المناطق يجب ألا تكون أمريكية. وإنما يجب اللجوء لجنود أتراك لحماية الممرات الإنسانية في المناطق الموجودة قرب الحدود التركية، وجنود أردنيين للمناطق القريبة للحدود الأردنية، مع التنسيق مع منظمات المتمردين للحفاظ على المناطق داخل سوريا».
وتمثل السيناريو الخامس الوارد في تقرير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في «هجوم جوي متواصل ضد أهداف تُمكن الأسد من إدارة المعركة ضد المتمردين، كمقرات القيادة وقواعد السلاح»، وأشار التقرير إلى أن «في هذا السيناريو واسع النطاق، من الممكن أن تهاجم أيضًا قوات برية، جوية وبحرية، وأيضًا أسلحة متقدمة. وهذا البديل من شأنه أن يؤثر على علاقات القوة بين الأسد والمتمردين، ومن شأنه أن يُقلل من الإحساس بالأمان في وسط رجال النظام السوري، كما يُدخل هذا البديل الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب الأهلية في سوريا، ويضع الأسد في موقف جديد وصعب».
أما السيناريو السادس فهو «السيطرة على الأسلحة الكيميائية وتدميرها»، وبحسب التقرير فإن «هذا الخيار هو الأكثر فاعلية ضد التهديد باستخدام أسلحة كيميائية من جانب الأسد أو من جانب المتمردين، ولكن السيطرة على مخازن الأسلحة الكيميائية الكبيرة التي في أيدي سوريا وتدميرها، عملية تتطلب إدخال قوات خاصة لسوريا لفترة ممتدة، حتى تدميرها كل هذه الأسلحة. ويتضمن هذا السيناريو خطورة أيضًا من تسرب كميات صغيرة من السلاح الكيميائي وتهريبها لأياد معادية».
وأوضح الجنرال عاموس يادلين في تقريره أن تحليل البدائل المختلفة يُشير إلى حاجة استراتيجية لدمج السيناريوهات، الثالث والرابع والخامس، بحيث يكون هناك تدخل أمريكي مباشر ومتدرج. مشيرًا إلى أن «هذه الاستراتيجية ستُغير الوضع في سوريا، عبر عقاب وردع للأسد عن استخدام المزيد من السلاح الكيميائي. استراتيجية الردع المركبة والمتدرجة ستتضمن هجوما على أهداف استراتيجية مُختارة كفعل عقابي على الهجوم الكيميائي في ريف دمشق. والإعلان عن منطقة حظر جوي. الولايات المتحدة تستطيع بخطوة ثانية أيضًا الإعلان عن مناطق منزوعة السلاح، وأيضًا مهاجمة ممتلكات وأصول النظام إذا قرر الأسد تصعيد رد فعله».
وقال التقرير: «على الإدارة (الأمريكية) أن تقدم مسارًا عسكريًا مشتركًا بأوسع قاعدة ممكنة في مجلس الأمن وفي ظل الفيتو الروسي, في نطاق التعاون مع حلفائها وإشراكهم في تحركاتها في المنطقة: تركيا (التي أعلنت مسبقًا دعمها للخطوة الأمريكية), السعودية, قطر, إسرائيل والأردن, مع إمكانية إشراك مصر من أجل تحسين العلاقات بين الدولتين».
كما أوصى التقرير بضرورة تضمن الخطة الأمريكية استجابة سياسية للموقف الروسي المعارض، واستعدادات لردع إيران وحزب الله، كما يُقال، عملية عسكرية أمريكية لن تحل الصراع السوري، ولكنها البديل الأقل ضررًا من بين البدائل السيئة، على أن يتم جنبًا إلى جنب مع مبادرة للوصول لاتفاق سياسي، قادرة على تعزيز الغرض الاستراتيجي من استبدال نظام الأسد، في إضعاف المحور المتشدد، وردع إيران وتقوية وضع وتحالفات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط».