اكتفى مجلس الأمن الدولي، خلال اجتماع طارئ، بإبداء عزمه «كشف الحقيقة» حول هجوم بالأسلحة الكيميائية اتهمت قوات المعارضة السورية حكومة الرئيس بشار الأسد بارتكابه في ريف دمشق، مخلفاً نحو 1300 قتيل، لكن المجلس لم يصدر «إعلاناً رسمياً» بسبب معارضة روسيا والصين، بحسب ما أوضح دبلوماسيون. وبينما دعت فرنسا المجتمع الدولي إلى إبداء «رد فعل باستخدام القوة» حال ثبوت وقوع الهجوم، اتهمت إيران ضمنياً المعارضة السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وقالت سفيرة الأرجنتين بالأمم المتحدة، ماريا كريستينا برسيفال، للصحفيين بعد اجتماع طارئ مغلق للمجلس، مساء أمس الأول: «يسود بين أعضاء المجلس شعور قوي بالقلق من مزاعم (المعارضة السورية)، وإحساس عام بضرورة الوضوح فيما حدث»، وأضافت أن دول المجلس وجهت أيضاً «دعوة ملحة لوقف إطلاق النار» في سوريا، وشددت على ضرورة «تقديم مساعدة فورية للضحايا».
ولم يصل المجلس إلى حد المطالبة صراحة بأن يقوم محققون للأمم المتحدة موجودون حالياً في سوريا بالتحقيق في الأمر، لكنه أشاد بدعوات الأمين العام، بان كى مون، إلى التحقيق في الهجوم الذى تقول المعارضة إنه وقع في الغوطة الشرقية بريف دمشق أمس الأول. وقالت بيرسيفال، رئيسة مجلس الأمن هذا الشهر: «رحب أعضاء المجلس بتصميم الأمين العام على العمل لضمان تحقيق شامل محايد وفوري».
وعلى خط مواز لاجتماع مجلس الأمن، طالبت 35 دولة، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بأن يقوم كبير محققي الأمم المتحدة، آكى سيلستروم، الذي يوجد فريقه في سوريا حالياً بالتحقيق في الحادث في أقرب وقت ممكن، وتطرقت رسالة مشتركة بعثت بها تلك الدول لـ«كي مون» إلى «معلومات تتمتع بمصداقية حول استعمال أسلحة كيميائية»، غير أن دبلوماسيين للأمم المتحدة قالوا إن روسيا والصين عارضتا أي تعبيرات تطالب بإجراء تحقيق أممي، كما رفضتا تبني بيان رسمي، ما دفع المجلس للاكتفاء بإعلان «معلومات للصحافة».
من جهته، أعلن يان إلياسون، نائب الأمين العام للأمم المتحدة، أن المنظمة الدولية «تأمل أن تسمح الحكومة السورية للخبراء بالوصول إلى الموقع (..) في أقرب وقت ممكن»، وأضاف: «حتى الآن الوضع الأمني لا يسمح بالوصول»، ورأى إلياسون أنه «حتى لو لم يكن هناك تأكيد في الوقت الراهن عن استعمال أسلحة كيميائية في ضاحية دمشق، فإن القصف الذي شهدته تلك المنطقة يمثل تصعيداً خطيراً».
كان مكتب «كي مون»، قال أمس الأول إنه «صدم» بالتقارير بشأن سوريا، وإن خبراء الأمم المتحدة للتحقيق في ادعاءات سابقة عن استخدام أسلحة كيميائية يجرون مناقشات مع دمشق، مؤكداً أن «أي استخدام للأسلحة الكيميائية سيمثل انتهاكاً للقانون الدولي».
وكانت لجان التنسيق المحلية في سوريا أعلنت أن حصيلة القتلى الذين سقطوا جراء «هجوم كيميائي» على مدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق ارتفعت إلى أكثر من 1300 شخص، بينما نفت دمشق استخدام أي أسلحة كيميائية.
جاء ذلك فيما توالت ردود الفعل المتباينة حول الهجوم على ريف دمشق، ففي واشنطن، دعا البيت الأبيض الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق سريع في الاستخدام المزعوم لأسلحة كيميائية فتاكة، كما طالب الحكومة السورية بالسماح لفريق الأمم المتحدة «بالوصول فوراً وبلا قيد» إلى موقع الهجوم المزعوم. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إيرنست، إن «الولايات المتحدة تدين بقوة أى لجوء إلى الأسلحة الكيميائية» وينبغي «محاسبة» من يقوم بذلك، لكنه أوضح أنه لا يستطيع تأكيد حصول هذا الهجوم.
من جهته، رأى النائب الديمقراطى إليوت أنجل أنه «أمام الولايات المتحدة خياران: البقاء على الحياد فيما يذبح النظام (السوري) شعبه، أو ترجيح كفة الميزان ضد ديكتاتور وحشي عبر تقليص قدرته على مهاجمة المدنيين»، وأضاف: «إذا أردنا الحفاظ على ما تبقى من مصداقيتنا في المنطقة، علينا التحرك دون تأخير».
من ناحيته، أعلن وزير الخارجية الفرنسى، لوران فابيوس، أمس، أن بلاده تريد «رد فعل باستخدام القوة» في حال ثبت وقوع هجوم بالسلاح الكيميائى في سوريا، لكنه استبعد في الوقت نفسه إرسال قوات على الأرض، معتبراً ذلك «أمراً مستحيلاً». وتابع: «إذا لم يكن بوسع مجلس الأمن اتخاذ قرار عندها يتحتم اتخاذ القرارات بشكل آخر»، رافضاً إعطاء توضيحات، وبدوره، أعرب وزير الخارجية البريطاني وليام هيج، قبل لقائه فابيوس في باريس، أمس الأول، بأن «يستيقظ» داعمو الأسد و«يدركوا طبيعته الإجرامية والهمجية».
وفي برلين، طالب وزير الخارجية الألمانى جيدو فسترفيله، بأن تسمح سوريا لخبراء الأمم المتحدة بالتحقيق في الغوطة، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي أحمد داوود أوغلو في برلين: «يساورنا قلق شديد إزاء تقارير باستخدام الغاز السام قرب دمشق، وإذا تأكدت فستكون شائنة»، فيما اعتبر أوغلو أن «كل الخطوط الحمراء» تم تجاوزها في سوريا، منتقداً عدم تحرك المجتمع الدولى، ورأى أنه «واضح من لقطات تليفزيونية أن أسلحة كيماوية استخدمت فى سوريا». ولفت أوغلو إلى أن مجلس الأمن «مازال متردداً في اتخاذ قرار حازم»، وحذر قائلاً: «إن لم نبد التصميم فستقع مجازر أسوأ». وفي الوقت ذاته، اتهم وزير الدفاع الإسرائيلى، موشي يعالون، النظام السوري بأنه «استخدم مجدداً» أسلحة كيماوية في هجوم ريف دمشق، كما قال وزير الشؤون الاستراتيجية والاستخباراتية الإسرائيلي يوفال شتاينيتس، إن التقييمات الاستخباراتية المتوفرة لدى إسرائيل تشير إلى مسؤولية نظام الأسد عن الهجوم الكيماوى.
وفي المقابل، رفضت إيران، أمس، الاتهامات الموجهة ضد دمشق باستخدام أسلحة كيميائية، معتبرة أنه في حال تأكدت الشبهات، فإن مقاتلي المعارضة هم الذين يتحملون مسؤولية مثل هذا الهجوم. وقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف إنه «إذا صحت المعلومات حول استخدام أسلحة كيميائية، فإن مستخدميها هم بالتأكيد المجموعات الإرهابية والتكفيرية»، فى إشارة لقوات المعارضة، كما اعتبرت روسيا، حليفة دمشق، الأمر «استفزازا مخططا له مسبقاً». وفي الوقت الذي اعتبر فيه مصدر أمنى سوري، رفض الكشف عن هويته، أن النظام لا يمكن أن يكون استخدم أسلحة كيميائية في اليوم الأول من عمل مفتشي الأمم المتحدة، لأن ذلك يعتبر بحسبه «انتحاراً سياسياً»، نفذت قوات النظام السوري غارات جوية على مناطق عدة في دمشق وريفها، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، بينها الغوطة الشرقية التي قالت المعارضة إنها تعرضت للهجوم الكيميائي، فيما قال متحدث باسم المعارضة السورية إن العثور على جثث في المنطقة «لا يزال مستمراً».