x

أنصار مرسي يعلنون استعدادهم لـ«الاستشهاد» في «رابعة والنهضة» ببناء الحواجز

السبت 10-08-2013 18:57 | كتب: محمد طارق, عمر عبد العزيز |

لم يكن الشارع مستوياً فى محيط «النصب التذكارى»، فى شارع النصر بمدينة نصر، فإجراءات التأمين التى شهدها الشارع - الذى يعد أحد المداخل الرئيسية لاعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى فى ميدان رابعة العدوية، بعد أحداث العنف التى جرت بين أنصار مرسى، من ناحية، وقوات الأمن المركزى والأهالى، من ناحية أخرى، فى ختام «جمعة التفويض» - لم تمر مرور الكرام، حيث خلفت أكثر من ٧٢ قتيلا، وإصابة ٧٩٢ آخرين - فق وزارة الصحة.

خمسة سواتر من الطوب طولها لا يتجاوز مترين، وثلاثة صفوف متتالية من الطوب فى كل ساتر، بين كل ساتر والذى يليه مائتا متر، وبينها فى المساحة الخالية عشرات الأشكال لقطع صغيرة من الطوب، بعضها تم رصه على شكل لفظ الجلالة أوالشهادتين، والبعض الآخر تم وضعه حول الدماء التى خلفتها الأحداث فى محيط ذلك الشارع.. بين المنصة التى شهدت مقتل الرئيس الراحل أنور السادات والنصب التذكارى للجندى المجهول، يمر عليه المعتصمون ذهابا وإيابا، يتحسسون بأصابعهم آثار الدماء الموجودة ويضعونها على أنوفهم ليستنشقوها.

رائحة الدماء التى تساقطت من الشهداء لها رائحة المسك - بحسب رواية أحد المعتصمين - وسط تهديدات المعتصمين بتحويل شوارع مصر إلى ما سموه «بحور الدم»، حال عدم إعادة مرسى إلى منصبه السابق، موضحين أنهم أصبحوا «مطاريد» فى نظر الحكومة، على حد قولهم.

ينحنى أحد المارة بجبهته، «أربعينى يرتدى قميصا أزرق»، يستنشق آثار الدماء، ثم ينهض برأسه ويطل على الواقفين أمامه كأنه يود أن يقول شيئا، ثم يكرر.. يسأله أحد الواقفين بجانب الساتر الثانى، فيه مسك فعلا، فينظر الرجل له بنظارته والعرق يتصبب من رأسه، بينما يترك أحد الأطفال يد سيدة خمسينية ترتدى خمارا ويجرى باتجاه أحد الأماكن التى احتوت على آثار الدماء وينحنى بجبهته ويستنشق، فتنهره وتطلب منه الاستعجال للمغادرة من الميدان.

تقترب الساعة من منتصف الليل، يقل العدد تدريجيا حتى فجر كل يوم، ليشهد أقل حضور له فى الصباح، لكن محمد شلبى يرى أن «الأعداد كل يوم بتزيد بشكل ملحوظ ما شاء الله»، شاب ملتحى فى أواخر العشرينيات أتى من مدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية ولم يغادر عقب أحداث المنصة، لأن الأمر أصبح حرب عقيدة - بحسب وصفه - فى المرات التى تلت الحادث، كان يأتى ويعود إلى بلدته كل ثلاثة أو أربعة أيام، بحسب الظروف.

وحده فضّل الجلوس بين سواتر الحجارة مبتعدا عن الاعتصام بقليل، قبل مئات الأمتار من تمركز قوات التأمين الأساسية التى تقف بشارع يوسف عباس، يشير إلى السواتر ويقول: «البوابات دى لو حدث أى هجوم عليها هتعوقهم إن شاء الله، الطوب كتير ومش هيقدروا يشيلوه».

بعد خمسة صفوف من السواتر المكونة من الطوب تنتهى، وتبدأ سواتر من الأجولة الرملية التى تتراص فوق بعضها فى ثلاثة صفوف تفصلها عشرة أمتار لكل واحد منها.

لا يخشى «شلبى» فكرة فض الاعتصام، فهو يرى أن قرار فض الاعتصام مستحيل من جانب الحكومة حتى ولو قررت عشرات المرات أنها ستنزل لتفض الاعتصام، تنبع ثقة «شلبى» من وصفه للحكومة الانتقالية بـ«الجبانة» التى تعتمد على مبدأ «العيار اللى ما يصيب يدوش»، ويكمل: «هو لو عاوز يفض، كان فض من الأول لما فوض الشعب إنه يوافق على قرار التعامل مع المتظاهرين بالقوة، وبعدها محصلش حاجة».

سبب ثانٍ يثبت به «شلبي» وجهة نظره، وهو أن «أرواحهم ليست سهلة عليهم، لكن أرواحنا سهلة بالنسبة لنا، وهم يعلمون ذلك». يستشهد بكلمات صفوت حجازى وقت أحداث المنصة عندما طلب من المتظاهرين التراجع إلى مسجد رابعة لكنهم رفضوا وآثروا المقاومة، لأنها بالنسبة لهم كانت حربا على الإسلام: «سمعنا صفوت حجازى يقول من أعلى المنصة ارجعوا فيرفض الجميع، لو شوفت الفيديو هتلاقى البلطجية بتضرب طوب والنصارى بتضرب آلى». يقولها موجها كلامه لمن حوله من الشباب الذين وقفوا معه.

لن يقبل «شلبى» التنازل عما وصفه بمكتسبات الثورة، وهى ثلاثة أشياء لا تفاوض قبل تحقيقها: «رجوع الدكتور محمد مرسى، ومجلس الشورى، والدستور».. يلتقط أطراف المناقشة أحد الشباب الصغير بتوتر: «محمد مرسى هو السبب فى اللى إحنا فيه دلوقتي»، فينهره شلبى: «مش وقته يا أخى، ربنا يكرمنا الأول فى اللى إحنا جينا علشانه وبعدين نشوف»، فيردف الشاب: «هو اللى كان متساهل مع كل الفئات»، فينصت له «شلبى» ويحاول الثناء عليه.

فى لجنة التأمين الأولى بشارع يوسف عباس، الذى يقطع شارع النصر، تتراص على جانبيه أجولة رملية بعرض الشارع صفين متتاليين من الأجولة الرملية، كل صف يتكون من ثلاثة صفوف من الأجولة، فى الطريق منه إلى مسجد رابعة يصطف عدد من الشباب، مرتدين قميصا فسفوريا وخوذة من النوع المستخدم فى إشارات المرور والمواقع الهندسية، سلاح كل واحد منهم عصى، الصف الأول منهم يطّلع على بطاقة الرقم القومى للمعتصمين القادمين من خارج الاعتصام، وصفان آخران للتفتيش، وصف لتنظيم الدخول والخروج.

وداخل الاعتصام، تتراص خيم متتالية يمينا ويسارا من الناحيتين باتجاه الشارع، أغلبها بلاستيكية من المشمع يميل لونها إلى الأزرق، وبعضها قماشى جبلى، يقطع الخيم الزرقاء اللافتات التى تحمل اسم المركز أو المحافظة التى يسكنها أصحاب الخيمة، وتتجمع المحافظات فى مناطق من الاعتصام، فمدخل الاعتصام من شارع المنصة يتكدس به الشرقاوية الذين «يطالبون بعودة الدكتور محمد مرسى»، ويرفعون صورا لشهداء من المحافظة ماتوا فى أحداث مختلفة من الشرقية إلى القاهرة، أما شارع الطيران فالناحية المؤدية لصلاح سالم تميل إلى الصعيد أكثر، أما الناحية المؤدية لشارع مصطفى النحاس فتميل إلى الدلتا وتحديدا الشرقية والدقهلية، «الذين يسيطرون على الاعتصام تقريبا» - بحسب عمر محمود الذى يعمل عاملا بمحاجر المنيا، وصديقه عبدالفتاح منذ بداية الاعتصام أصبح يعمل ثلاثة أيام ويأتى للاعتصام ثلاثة أيام من مركز سمالوط محافظة المنيا، سلفيين، لا يبدو عليهما أى ملامح السلفية، يرتدون جلبابين من النوع المصرى، يجلسان بجانب خيمة للرجال يقتسمان قطعة من الجبن وكيسا من السلطة الخضراء وكوب زبادى واحد لكليهما.

يتلفت «عبدالفتاح» حوله ويقول خافضا صوته: «إذا كان فيه حلول وسط، فالإخوان رافضين يقعدوا على الترابيزة أصلا، وده هيضيعهم ومش هيأكل عيش، الأحسن إنك تقول أطلع الجماعة من المعتقل، وتسيبك من مرسى، إنما تقول مش هقعد إلا لما مرسى يرجع، هو عارف إن لو جميع المحافظات نزلت الشارع عنده مرسى مش راجع، إنت بتتحدى الجيش كده».

ينصت «عمر» إلى كلام «عبدالفتاح» ويقول: «فى الآخر إحنا المطحونين فى الوقعة دى، عارف أيام مرسى كانوا بيعملوا حاجات كويسة فى البلد، دلوقتى لو ميلت على واحد منهم فى 5 أو 10 جنيه بيقولك مش معايا».

على أطراف الشوارع التى تقطع شارع النصر من الناحيتين، يقف عدد من الشباب المرتدين القمصان الفسفورية، للإشراف على إجراءات التأمين والتفتيش، تشترك فرق من محافظة بنى سويف والفيوم من ناحية الشارع باتجاه صلاح سالم، والناحية الأخرى يرتكز العشرات من الشرقية والمنصورة، ينصبون عددا من الأجولة الرملية والكاوتشوك المستخدم فى سيارات النقل الثقيل، يجبرك الطريق على المضى إلى الأمام باتجاه تقاطع عباس، حيث الاعتصام الذى ينتهى أمام طيبة مول مباشرة، والذى تم تخصيص فرق محافظة الدقهلية لتولى تأمينه، كما يقول «إبراهيم» و«سيد»، اللذان يجلسان أمام البوابة اليمنى على عدد من الأجولة الرملية، يسمعان أحد أصدقائهما الأربعينى الذى يحكى أن ابن عصام العريان كان قادما إلى الاعتصام، وطُلب منه التفتيش، فوافق ابن عصام فورا بينما هو سمح له بالدخول لأنه «ابن الدكتور، وإن كان حبيبك عسل»، يكمل «إبراهيم»: «التأمين هنا بيكون غالبا تبع محافظة واحدة، الناس هنا كلها الدقهلية لأنه يفضل إن المكان الواحد يبقى أغلبه من بلد واحدة، عشان يبقوا عارفين بعض، أما العدد والتنظيم بيبقى مع المسؤول».

يصمت «سيد» ثم يقول: «إن شاء الله بعد ما مرسى يرجع هيبقى زعيم شعبى، القضية بقت قضية حق وباطل خلاص، أنت تدافع عن حق، وهم يدافعون عن باطل، ونترك النتائج تقدر لله سبحانه وتعالى، أما الحكومة فالمشهد لديها مرتبك، والبلد لن يستقر».

يستبعد إبراهيم خيار الفض «استحالة ! هيفض بالعنف بعد اللى حصل، لأ.. أحداث الحرس والمنصة كان بالونة اختبار منهم، وهما لقونا عندنا استعداد تام للشهادة، ومش هنتنازل إلا لما الدكتور محمد مرسى يرجع ومافيش تفاوض إلا بعد تحقيق مطالبنا»، يصمت قليلا ثم يبتسم ويقول: «فكرة التفاوض مستبعدة جدا، إخوانك الكبار واعيين وناصحين للموضوع ده جدا».

خطوات قليلة إلى بوابة الاعتصام سيرا بين الأجولة الرملية التى وضعت كصفوف لصد أى هجمات من المدرعات، يتوالى الذهاب والإياب داخل وخارج الاعتصام بمجرد بزوغ شمس يوم جديد، بينما تعلو لافتة كبيرة على البوابة، وضعت فى وجه كل من يغادر الميدان، بحيث يقرؤها قبل أن يغادر: (إنجازات حكم العسكر حتى الآن «200 شهيد، 3000 مصاب، 1000 معتقل، إغلاق 6 قنوات فضائية، شفيق راجع مصر، إلغاء قائمة الممنوعين من السفر، إلغاء كادر الأطباء، تخفيض المعاشات، إغلاق معبر رفح، إعادة فتح سفارة بشار، قطع العلاقات مع تركيا، الإفراج عن رجل الأعمال أحمد عز، منع الأذان وحصار العلماء، إيقاف مشروع قناة السويس، إيقاف منظومة الخبز، انخفاض الاحتياطى النقدى»).

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية