x

مراكز «الثأر السياسى» التى صنعها «الإخوان» (ملف خاص)

الإثنين 29-07-2013 18:44 | كتب: ولاء نبيل |
تصوير : علي المالكي

بين رفض تبادل التهانى أو الدخول فى مناقشات سياسية، أو حتى السماح لهم بالإفطار على موائد الرحمن، تتباين ردود أفعال سكان المناطق، التى شهدت أحداث عنف جراء خروج مؤيدى الرئيس السابق محمد مرسى فى تظاهرات مسلحة أسفرت عن إراقة دماء العشرات من سكان هذه المناطق. «المصرى اليوم» تجولت فى مناطق بين السرايات والمنيل ورمسيس والفجالة وشارع المحطة بمحافظة الجيزة لرصد حالة الاحتقان بين أهالى هذه المناطق، التى فقد سكانها الأهل والأخ والجار فى اشتباكات الإخوان المسلحة، الأمر الذى دفعهم لاتخاذ نهج خاص فى التعامل مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

لافتة تحمل أسماء وصور الشهداء في المنيل

 

1-أهالى المنيل: كتبوا نهايتهم معانا فى كل حاجة

أسفل لافتة تحمل صور شهداء المنطقة وقف تامر عبدالمجيد، موظف، أسفل منها يشير إليهم فى فخر، هؤلاء هم ضحايا الإخوان من أهالى المنيل، شباب جميعهم خرجوا لصد الإخوان المسلحين أثناء دخولهم منطقتنا بالسلاح، وهم يتوجهون لاقتحام ميدان التحرير، فسالت دماؤهم أمام أعين أهليهم وأصدقائهم، ليدخل الإخوان مع أهالى المنيل فى قصاص لن ينتهى إلا بعودتهم لجحورهم- على حد تعبيره.

يقول: «حكم الإخوان كان نظاما فاشلا، وظالما، أعتقد أنه سيتمكن من تعميم فكره على المصريين، وأنهم لن يواجهوا ذلك سوى بالطاعة العمياء على أهل وشباب مصر، لكننا لقناه درسا لن ينساه، فإذا كانت كل مناطق وربوع مصر دفعت بأبنائها للميادين للاحتجاج على بقاء الرئيس السابق، إلا أننا هنا فى المنيل خرجنا ليس فقط للهدف نفسه، بل لتأمين وحماية المعارضين للرئيس السابق.

يتذكر «تامر» اللحظات العصيبة، التى خاض فيها الأهالى عمليات الكر والفر مع مؤيدى الرئيس المعزول، كما تصدى لهم الأهالى مع الجيش فى محاولة أخرى للاقتراب من مجلس الوزراء، والاعتصام أمامه، وبالفعل تراجع المتظاهرون وقتها، خوفا من الدخول فى صدام جديد. يقول: «آخر ما كنا نتوقعه هو أن يقف أمامنا الإخوان لإراقة دمائنا كالأعداء لمجرد رغبتهم فى الحفاظ على الكرسى والحكم. سقط من أهلنا 7 مواطنين، بعد أن اعتلى الإخوان مبانى، وأطلقوا النيران علينا بعد عن عجزهم عن مواجهتنا وجها لوجه على الأرض.

لم يقف أهالى المنيل، حسبما يروى تامر، عاجزين أمام وابل الرصاص العشوائى، الذى أطلقه أشخاص ينتمون لجماعات إسلامية فى المنطقة، وقرروا الثأر منهم بالتصدى لهم، ومساعدة الشرطة فى إلقاء القبض على المسلحين منهم، فأقام الأهالى لجانا شعبية تمكنت من ضبط ٥ ملتحين كانوا يطلقون النيران على الأهالى، فطاردهم الأهالى، وألقوا القبض عليهم، وأشعلوا النيران فى سيارة كانوا يستقلونها.

وأكد أن استمرار الإخوان فى اعتصام ميدان النهضة القريب من حى المنيل يعنى إصرارهم على ضياع الدم المصرى، وعزته وكرامته، وأمن وطنهم القومى، ما سيضيف لصفحتهم السوداء الكثير فى التاريخ.

عبدالجابر سلامة، 55 عاما، من أهالى المنيل، يرصد التغيرات التى لحقت به بعد قتل الإخوان المسلحين مجموعة من شباب المنيل، قائلا: «والله ما رفعت سماعة تليفون لواحد من أصحابى الإخوان، وقلت له كل سنة وأنت طيب علشان رمضان. أقوله «وأنت طيب على إيه؟ هما خلوا فيها طيبة ولا سلام، ضرب النار فى الشارع، وعيالنا بتموت قدام عنينا، لمجرد أننا حاولنا منعهم من النزول للتحرير، دول خلاص كتبوا نهايتهم معانا فى كل حاجة، لا بيع ولا شرا، جردونا من مشاعر الرحمة بالبشر».

يتذكر الحاج عبدالجابر مشهد تلاحم الإخوان مع المتظاهرين فى ثورة يناير، ويقول: «كانوا بيعملوا لمصلحتهم مش لمصلحة البلد، كانوا عاوزين يخلصوا من المعتقلات اللى فعلا ما يستحقوش غيرها، لكننا مش هنسمح لهم يضيعوا مننا البلد تانى، ولا حد فيهم يقعد على كرسى من جديد، إحنا إديناهم أغلى كرسى، وما عرفوش يحافظوا عليه». وهو الرأى الذى أيده السيد عبدالمنعم، سائق تاكسى من أبناء المنيل، قائلا: «موقفنا من الإخوان ده مش علشان بس ناخد بيه حق أولادنا وإخواتنا اللى قتلوهم، لا ده علشان كمان مستقبل ولادنا والجيل القادم، مش عاوزينهم يعيشوا مهازل زينا».

يقف محمد إبراهيم فى قلب شارع المنيل يشير إلى ورش الميكانيكا المتجاورة قائلاً: «كل الناس دى واقف حالها من ساعة الأحداث، وزبائنهم خائفين ينزلوا المنطقة، كما أن سيارة التاكسى مركونة أمام المنزل بعد حصار المنطقة، ولم أعد أخرج بها، وربنا وحده أعلم هنسد قسطها إزاى».

خالد خضر يرفع صورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر

2-«الجيزة»: المقاطعة السياسية الرد الأمثل على العنف

بلافتة مرسوم عليها صورة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، أعلاها شعار «عبدالناصر قالها زمان الإخوان ملهمش أمان»، يقف الحاج خالد خضر، صاحب محل بشارع المحطة بمنطقة الجيزة، لا يخشى مسيرات الإخوان، التى تمر فى الشارع قدوما من ميدان الجيزة، مرورا بقسم الجيزة وشارع البحر الأعظم، الذى أحدثوا فيه تلفيات كبيرة. يقول: «لابد أن يعى الإخوان أن بيان الفريق السيسى ما هو إلا استجابة لمطلب شعبى، وأن كل محاولاتهم لإعادة الرئيس السابق للسلطة لا جدوى من ورائها سوى وقف الحال وخراب البلد، ولابد عليهم من العودة لقراءة التاريخ، وأن يعرفوا أن مصر لم تنهزم أمام أى عدو، وأن ما فعلوه بمصر سيظل دينا فى رقابهم، لكننا لا نرغب فى البدء بالثأر منهم حقناً للدماء». يبدى خالد دهشته من نهج الإخوان فى العنف، فهم، على حد قوله، يصلون التراويح، ثم يهاجمون الناس فى الشوارع، دون أن نعرف ذلك اتباعا لأى نهج وأى دين. «أنا لو منهم أخشى مواجهة الناس بعد أن باعوا الشعب والأرض، فالمصرى بطبعه لا يسمح لأحد بالنصب عليه، وذهنه حاضر 24 ساعة، وأغلبه ولاد بلد تربوا فى الشارع، وإذا فقدوا الثقة فى شخص لن يعودوا للتعامل معه مرة ثانية».

يقطع حديث خالد واحد من جيرانه، جمال فوزى، يقول: «لم يكف الإخوان معاناتنا معهم على مدار سنة كاملة من اقتصاد ينهار وأزمات مفتعلة ومستقبل بلد يضيع، لكنهم جاءوا يختمون مشهدهم بالدم بعد رحيلهم، وهو ما لن نسمح بالتمادى فيه، فأنا أخرج فى كل مسيرة معارضة لهم». يؤكد: «الإخوان لا تفرق معهم مقاطعة المصريين سوى المقاطعة السياسية، وهو ما سنفعله، فلن ننتخب عضو مجلس شعب أو عضو محليات أو محافظين من الإسلاميين عموما، ولن نسمح لهم بلصق منشوراتهم فى شوارعنا وعلى جدران منازلنا».

جانب من أشتباكات التي وقعت بين أنصار المعزول و أهالي منطقة رمسيس

 

3-«رمسيس»: دخلوا فى عداء مع كل الشعب ويستحقون المعاملة بالمثل

فى مواجهة الحديقة الرئيسية لميدان رمسيس وقف «محمد» أو كما يلقبونه بـ«حمادة» منحنى الظهر فوق إحدى الدراجات، لضبط عجلاتها قبل بيعها فى المعرض، الذى يعمل فيه باليومية فى قلب الميدان، دقائق معدودة يرفع فيها «حمادة» قامته ينظر بعين شاردة إلى الميدان، يستعيد ذكريات إلقاء جماعة الإخوان الطوب على المارة. يقول: «الإخوان أول ما نزلوا الميدان بدأوا خدعتهم كالعادة بإقامة الصلاة، وأوهموا التجار والباعة الجائلين بأن مسيرتهم سلمية، إلا أنهم سرعان ما تحولوا إلى ميليشيات مدربة على ضرب وتحطيم شيئ، بدليل إصابتى بضربة حجر فى الظهر، ما زالت آثارها وآلامها حتى الآن.

آلام ظهر «حمادة» لا تشعره فقط بالضيق من الإخوان، بل رسخت لديه شعورا بالرغبة فى رد تلك الآلام لهم، ولكنه يرى أن الإخوان لن يؤثر فيهم الرد عليهم بالعنف، فهم منساقون وراء فكر «الاستعداد للموت»، حسب قوله، وأنهم «ناس ما بيعترفوش بغلطهم»، ولذلك فإن الرد عليهم الأمثل هو مقاطعتهم على المستوى السياسى ليعرفوا قدر مصر وقيمة الشعب، الذى منحهم ثقته فى يوم من الأيام».

يوضح: «لابد أن نلقن الإخوان درسا أن الدين لا مجال فيه للمتاجرة، وذلك بمقاطعة أى دعوة لهم».

على بعد أمتار جلس الحاج عبده محمد أمام إحدى عمارات الميدان فوق كرسى خشبى هو نافذته، لمراقبة الميدان، الذى عاش بين أرجائه قرابة 25 عاماً، والذى خرج منه بخلاصة أن جماعة الإخوان «ما فيش بينهم حد يحترم كلمته وتعهداته يقدر يواجه الناس بعد كده، أو ينزل فى أى شارع أو ميدان، وفى عز المواجهات ظللت واقفا أمام العمارة لم أغادر مكانى، ولدى الاستعداد للموت، ويكفى أننى سأموت فى مواجهة أناس لم نر منهم غير وجع القلب وخراب البلد».

مؤكدا أن نظام مرسى خلق عداء مع كل الغلابة فى البلد، ومع المثقفين الذين منحوه ثقتهم، والأغنياء الذين قدموا طلبات هجرة، ومع الجيش والشرطة، لدرجة أنه أصبح عدو نفسه، اللى ليه جار عايش بفكر خلاه عدو لنفسه يبقى خسارة فيه كلمة صباح الخير، حسب قوله.

يطالب إبراهيم مسعد، من سكان منطقة الفجالة، بمقاطعة وغلق وسائل الإعلام، التى تدافع عن النظام الإخوانى مثلما أغلق الإخوان قناة الفراعين باعتبار ذلك مساواة فى رد الفعل، مضيفا: «لابد أن يعى الإخوان أنهم ليسوا أكثر ممن خرجوا للإطاحة بمبارك، وأن معركتهم خاسرة، فلا توجد جبهة عاقلة تعادى الشعب والجيش والأزهر مرة واحدة، وكل ذلك بالطبع نابع من رغبتهم فى تحقيق مصلحتهم فقط لا غير»، حسب قوله.

محررة المصري اليوم تستمع لشهادة أحد أهالي المنطقة بين السرايات

4-«بين السرايات»: فرض العزل السياسى «الشعبى» على الجماعة

هى واحدة من أكثر المناطق التى شهدت أحداث عنف جراء تظاهر، واعتصام المؤيدين المسلحين للرئيس السابق محمد مرسى، للمطالبة بعودته.

ما بين ذكرى قتلى وجروح مصابين لم تداوها إسعافات الأطباء، وآثار بقايا الطوب وحجارة ومحال مهشمة، تبرز ملامح منطقة «بين السرايات».

يرى عدد من الأهالى الذين التقت بهم «المصرى اليوم» أن ما فعله الإخوان من إرهاب وترويع لسكان منطقتهم تحول إلى ما هو أشبه بـ«التار»، الذى لابد أن يحققوه.

يقف محمد عبدالصبور، عامل فى أحد المطاعم، ملوحا بيده فى غضب إلى أفران المحل، التى أخمدت نيرانها، معتبرا أن ما يقوم به الإخوان من اعتصامات غير سلمية ما هو إلا حرب بدأوها ضد أهل بلدهم، ولابد أن ينتظروا منهم الرد. يوضح «عبدالصبور» الذى يسكن فى المنطقة: «عملنا لجانا شعبية لتأمين المنطقة، خاصة فى حالة الهياج والاشتباكات، التى يفتعلها الإخوان بين الحين والآخر».

يقول: «قطعت علاقاتى بمؤيدى المخلوع بعد أن ظهروا على حقيقتهم، وعدم تأييد أى منهم مهما ذاع صيته فى أى انتخابات قادمة»، هكذا قرر محمد التعايش مع الإخوان فى المرحلة القادمة، وهذا هو أضعف الإيمان من وجه نظره للثأر السياسى لبلده من جرم جماعة الإخوان المسلمين فى حقها.

فى منزلها وخلف باب شقتها، الذى أحكمت غلقه على نفسها وأولادها ليلاً ونهاراً، تجلس منال على، من السكان، تروى مشاهد القتل والسحل التى تطل على سلخانات تعذيب الإخوان، تقول: «دول مش بشر، حولوا حياتنا إلى جحيم، طول الليل ضرب نار لحد ما بقيت خبيرة أسلحة بمجرد سماع صوت الضربات أعرف نوع السلاح، ومش عارفه إيه علاقة الإسلام بما يفعله الإخوان». «ما حدث تسبب فى قطع صلات الأرحام والمودة بين الجيران والأصدقاء»، فالحياة العصيبة التى تعيشها منال دفعتها لـ«كراهية مؤيدى هذا التيار»، بنص قولها، مضيفة: «الذى لا يرى نفسه مخطئاً على أى حال من الأحوال، مهما تجادلت معه أو واجهته بجرمه، لا يستحق أى احترام، أنا أول مرة أشوف حد يضرب نار بعد صلاة الفجر، وهو بيقول الله أكبر، حى على الجهاد، حرمونا من بركة الشهر الكريم، التى كنا ننزل فيها لشراء متطلبات السحور والفطار والعزومات بعد منتصف الليل».

لم تعد ترغب منال فى الدخول فى أى حوار أو مناقشة مع أى إخوانى، تقول: «لدينا استعداد للاعتداء على أى معتدٍ منهم على أمننا وسلامتنا، وهى المشاعر النابعة من كم الرعب الذى عشناه. اعتادت منال وباقى أفراد عائلتها على إعداد مائدة رحمن كل عام بجوار المسجد الخيرى، الذى قاموا ببنائه إلا أنهم ومن هول ما شاهدوه من الإخوان منذ بداية حكمهم وحتى دخولهم فى الاعتصام المفتوح قرروا توصية المشرف على المائدة، وإمام المسجد بعدم السماح لأى إخوانى من المعتصمين فى الميدان بالانتفاع بالوجبات، وقصرها على المحتاجين والفقراء فقط.

لم ينتظر وصفى أحمد، موظف، أحد أهالى بين السرايات، الدولة لحمايته من بطش الإخوان، بل بادر وأهالى المنطقة بتنظيم لجان شعبية للتصدى لأى اشتباكات يفتعلها الإخوان فى محيط المنطقة، يقول: «دى جماعة ما فيش حاجة جات من وراها غير خراب البلد، من يوم ما بدأ اعتصامهم وإحنا محبوسين فى البيت، لم أذهب لعملى منذ 4 أسابيع».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية