x

المطربون والسلطة.. من «ناصر يا حرية» إلى «تسلم الأيادي»

الإثنين 29-07-2013 14:48 | كتب: أسامة الشاذلي |
تصوير : اخبار

يروي التاريخ أن «يوهانس خيسترز»، مغني الأوبرا ذا الأصل الهولندي، كان مطرب «هتلر» المفضل خلال فترة حكمه لألمانيا، وأن هذا المطرب الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في عيادة طبية في «ستارنبرج» في بافاريا، حيث كان يقيم، ظل يغني حتى بلغ عمره 103 أعوام، لكنه لم يغنِّ أمام جمهور منذ عام 1963 بعدما كشف أحد الصحفيين علاقته بالقوات نازية، خاصة غناءه في معسكر «داخاو» في بافاريا عام 1941.

وكأن علاقة ما لابد أن تنشأ بين الفنّ والسّلطة، حيث تدرك السلطة أهمية الفن في الترويج لها، وينكر بعض الفنانين دور الفن في مواجهة السلطة بحكم العادة وينضوون تحت لوائها أملا في نيل فضلاتها.

بدت علاقة السلطة بالفن وأهله في مصر قديمة قِدَم السلطة، وتجلت في العهد الملكي في شخص كوكب الشرق أم كلثوم حين صارت سلطة موازية، امتدت من الملكية حتى تداعيات ما بعد وفاة عبد الناصر، كما أنتجت ثورة 23 يوليو 1952، بروزا قويا لعبد الحليم حافظ، كمطرب شاب نبت مع هذه الثورة، حيث ظهر (حليم) كمطرب الثورة الأولى الذي يغني في حفلاتها ويغني باسمها على الرغم من أن (ناصر) لم يكرم حليم نهائيا، ولم يمنحه قلادة النيل كما فعل مع فريد الأطرش، بل وكان الملك الحسن الثاني هو الذي يتولى نفقات علاج عبدالحليم في باريس بعد أن نقله بطائرته الخاصة عدة مرات في عدة أزمات لم يصدر خلالها قرار واحد بعلاجه على نفقة الدولة المصرية.

بل حتى عندما تعرض حليم لبعض مضايقات الإذاعة لجأ إلى الموسيقار محمد عبدالوهاب ليتدخل شخصيا، وعلى الرغم من هذا بقي حليم صوتا معبرا عن الثورة حتى بعد انكسارها عقب هزيمة 5 يونيو 1967، لدرجة إقامته الكاملة في ستوديوهات الإذاعة بصحبة مجموعة من الملحنين والمؤلفين لتسجيل الأغاني الوطنية حتى سقط فاقدا الوعي.

 

وعلى الرغم من إيمان محمد أنور السادات بأن السياسة في حد ذاتها نوع من الفن، بل ومحاولته دخول المجال الفني في شبابه عبر عشقه التمثيل، فإن علاقته برموز الغناء في عصره لم تكن على ما يُرام، كان حليم محسوبا على نظام ناصر وكان المرض يفترسه، بينما كان هناك خلاف حاد بين سيدة مصر الأولى جيهان السادات وأم كلثوم التي عاملها ناصر معاملة خاصة للغاية، لأنها كانت ذات منزلة رفيعة لدرجة أن الرئيس منع الصحف المصرية من أن تنشر تصريحًا أو تلميحًا أو خبرا عن زواجها.

ولهذا كانت المطربة ياسمين الخيام على خلفية علاقتها الوطيدة بسيدة مصر الأولى مؤهلة للعب دور مطربة السلطة، خاصة بعد غناء قصيدة «عشقناك يا مصر» التي كتبها فاروق جويدة ولحنها العبقري محمود الشريف، وقاما بإنهاء القصيدة بوضع اسم السادات دون علم الشاعر الشاب حينها والذي اعترض كثيرا على ذلك التصرف الذي كان بداية العلاقة بين ياسمين الخيام ومؤسسة الرئاسة.

 


كان طبيعيا أن يصدق المصريون أن هناك صلة قرابة ما تربط بين مبارك ومطربه المفضل في فترة حكمه الأولى، محمد ثروت، بحكم التشابه في الملامح واستدعاء المطرب في معظم الحفلات التي تنظمها الرئاسة على الرغم من أنه بعيد عن قمة الساحة الغنائية، إلا أن نظام مبارك سرعان ما تمرد على ثروت بحكم امتداد فترته وكم السخرية الدائرة حول الموضوع، وحاول صنع العديد من مطربي الرئاسة أشهرهم آمال ماهر.

 

وخلال الفترة الانتقالية بعد تنحي مبارك في 11 فبراير 2011 وما بين حكم المجلس العسكري ومحمد مرسي والرئيس المؤقت عدلي منصور، حمل المطرب الملحن عمرو مصطفى لواء الغناء للرئيس المخلوع ليكون (أول مطرب نظام سابق)، بينما كانت علاقة المجلس العسكري بالفن مشوشة غير واضحة كأغلب علاقاته داخل مصر خلال سنة ونصف، قبل أن ينهي مرسي بحكم انتمائه لجماعة دينية ارتباط مؤسسة الرئاسة بالفن.

ولكن الجديد مع الموجة الثورية الأخيرة هو وجود مطربين للسلطة الانتقالية، حيث حرص مصطفى كامل على كتابة وتلحين أغنية «تسلم الأيادي» بمشاركة مجموعة من نجوم التسعينيات.

وما بين كوكب الشرق مرورا بحليم وثروت وصولا لمصطفى كامل يتحدث الفن عن علاقته بالثورة بعد حوالي 60 عاما، مع فارق الإمكانيات الفنية طبعا، حيث بدأت العلاقة من قمة الجبل الكلثومي مرورا بفنانين بدرجة موظفين خلال حكم السادات ومبارك.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية