وجد نفسه فى محك صعب، فى واحدة من فترات التحول الكبرى فى تاريخ مصر، وهى ثورة 23 يوليو 1952، فكان موقعه بين الضباط الأحرار وبين الإخوان المسلمين، غير أنه حظى باحترام الطرفين المتنازعين، وفى هذا المحك كان خياره الأساسى هو الوطن والإسلام. فقبل 9 سنوات من الثورة، اعتقلت حكومة الوفد الشيخ أحمد حسن الباقورى، لأنه حرض طلبة الأزهر على الإضراب والسير فى مظاهرة إلى عابدين لتأييد الملك فاروق فى عيد ميلاده، ولم تكن هذه هى المظاهرة الوحيدة التى شارك فيها الباقورى، فقد قاد مظاهرة أخرى بطلبة الأزهر ضمت عشرات الألوف للمطالبة بعودة الشيخ مصطفى المراغى لمشيخة الأزهر فى عهد الملك فؤاد فى عام 1935.
كان الشيخ أحمد حسن الباقورى واحداً من شيوخ الأزهر البارزين، وداعية من دعاة الإسلام المعدودين، ومن دعاة القومية العربية، وكان رئيساً للمركز العام لجمعيات الشبان المسلمين، وعضواً فى مجمع اللغة العربية، وهو رجل العلم الغزير والأدب الجم، وقد شغل موقع مدير جامعة الأزهر.
كان الباقورى أيضاً رمزاً للوسطية والاعتدال، ففى كتاب الكاتب الصحفى القدير محمود عوض «شخصيات»، وفيه مجموعة من الحوارات، أحدها مع الباقورى، سأله عوض: كيف ترى حياتك منذ أصبحت أحد رجال الدين فى مصر؟ فقاطعه الباقورى: لست رجل دين، فأنا لم أتخصص فى الدين، ولكن فى اللغة العربية وآدابها. فسأله عوض: ولكنك تخرجت فى الأزهر، فقال الباقورى: نعم والناس ينظرون إلى رجال الأزهر على أنهم رجال دين، وهذا خطأ يجب تصحيحه، لأنهم يرون رجل الدين واسطة بين الناس وربهم، فى حين أن كل مسلم مسؤول عن الإسلام ولا واسطة بينه وبين ربه، وكل الذى يمتاز به الدارس فى الأزهر هو حصوله على دراسات نوعية وفنية، تؤهله لاستخراج أحكام من القرآن والسنة، يا أخى الدين يسر لا عسر، ودعنى أقل لك إن الشرق الإسلامى حين اتصل بالغرب المسيحى، أخذنا نحن المسلمين عنه كلمة (رجل دين)، وهذا مفهوم خاطئ.
وعن سيرة الباقورى، يقول لمعى المطيعى فى موسوعته «هذا الرجل من مصر» إن الباقورى ابن أسيوط، ونشأ فى بيت يجاور بيتا مسيحيا، وكان أبناء البيتين يلعبون فى فناء واحد، ويأكلون خبزا واحدا، وهو مولود فى 26 مايو 1907 فى قرية باقور بمركز (أبو تيج) بأسيوط، والتحق بكتاب القرية، وبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم التحق بمعهد أسيوط الدينى سنة 1922، وحصل على الثانوية فى 1928، ثم التحق بالقسم العالى وحصل على العالمية النظامية فى 1932، ثم حصل على شهادة التخصص فى البلاغة والأدب فى 1936، وبعد تخرجه عين مدرسا للغة العربية والبلاغة فى معهد القاهرة الأزهرى، ثم نقل مدرساً بكلية اللغة العربية، ثم وكيلا لمعهد أسيوط الدينى، ولم يلبث أن نقل إلى القاهرة وكيلا لمعهد القاهرة الأزهرى فى 1947.
وفى 1950 عين شيخا للمعهد العلمى الدينى بالمنيا، إلى أن بدأت مسيرته مع ثورة يوليو فى 7 سبتمبر 1952 وزيرا للأوقاف، وكان قد اختير عضوا بمجمع اللغة العربية فى 1956 فى موقع الراحل الدكتور أحمد أمين، ثم مديرا لجامعة الأزهر فى 1964، فمستشارا برئاسة الجمهورية. وللباقورى تاريخ حافل فى العلم والسياسة، فقد انضم إلى حركة الإخوان المسلمين وهو طالب فى الأزهر، وكان أحد قيادات الإخوان وكان عضو مكتب الإرشاد، وهو الذى وضع نشيد الإخوان الرئيسى الذى كان الإخوان يرددونه، «يا رسول الله هل يرضيك أن» بعد أن كلفه الإمام البنا بوضعه، وقد رشحه الإخوان فى الانتخابات فى دائرة القلعة قبل الثورة ضمن قائمة من مرشحى الإخوان، وبعد ثورة 23 يوليو 1952 طلب رجال الثورة أن يرشحوا لهم أسماء للاشتراك فى الوزارة، فرشَّح مكتب الإرشاد لهم ثلاثة من أعضاء الجماعة، ولكن جمال عبدالناصر رفض مكتب الإرشاد، وأسند وزارة الأوقاف للشيخ الباقورى، فقبل، وأبلغ الإخوان بذلك، فلم يمنعوه من القبول، ولكن اشترطوا عليه أن يستقيل من الجماعة. وقد ترشح الباقورى لعضوية مجلس الأُمة، حصل على ثقة الحكومة، نجح فى إدارة وزارة الأوقاف حتى 1959، وأسس جمعية الشبان المسلمين وكان عضوا فى كثير من المؤسسات الدينية والفكرية. وقد حاز جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة فى 1985، فضلا عن مجموعة من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير التى حصل عليها من دول العالم العربى، كما مثل مصر وترأس الكثير من المؤتمرات الإسلامية والعربية والدولية إلى أن توفى فى 27 أغسطس 1985، حين كان يتلقى العلاج فى لندن.