أكد الخبير الاستراتيجى اللواء دكتور «إبراهيم شكيب» أن الصدام الذى حدث بين التيار الإسلامى والدولة برمتها كان أمراً طبيعياً لأنها دولة مدنية وهم أرادوا فرض سيناريو الدولة الدينية على الجميع، وأضاف أن الأحداث الأخيرة أظهرت من هو الطرف الثالث واللهو الخفى، بعد أن أصبحت جماعة الإخوان تخوض معركتها الحاسمة النهائية فى التمسك بعودة مرسى للحكم.
فيما أكد أن ما فعله الفريق السيسى يوم الأربعاء 3 يوليو أحبط مخطط «الشرق الأوسط الكبير» وقلبه رأساً على عقب، فيما ذكر أن مصر فى حاجة لرئيس ذى خلفية عسكرية ولو لمدة دورة رئاسية أو اثنتين.
وإلى نص الحوار.
■ ما تحليلك للعام الذى حكمت فيه جماعة الإخوان مصر؟
- جماعة الإخوان المسلمين تعمل جاهدة منذ 83 عاماً من أجل الوصول إلى السلطة، وخلال هذه السنوات كانت هناك علامة استفهام كبيرة حول موقف الأنظمة الحاكمة من الجماعة بدءاً بالملك فاروق مروراً بعبدالناصر ثم السادات وأخيراً مبارك، فرغم اختلاف شخصياتهم وتفكيرهم والتباين فى أسلوب اتخاذ القرار بين كل منهم، إلا أنهم أجمعوا على اتخاذ موقف موحد من الإخوان المسلمين، وهو موقف صدامى ورافض لخلط الجمع بين العمل الدعوى والسياسى فى آن واحد.
والمصريون البسطاء وشريحة كبيرة من أبناء الطبقة المتوسطة آمنوا بأن الإخوان جزء من المجتمع وفصيل مصرى، ولم يكن لديهم أى اعتراضات على حق هذا التنظيم فى للوصول للحكم والحصول على فرصة إدارة البلاد، وكان ذلك انطلاقاً من اعتقاد سائد بأن الجماعة تملك رؤية مستقبلية شاملة وخططاً ومشروعات متكاملة للنهوض بمصر فى إطار الارتقاء بالعمل الديمقراطى وتحت مبدأ تداول السلطة.
ويشاء الله أن يتخلى الرئيس السابق مبارك عن السلطة فى 11 فبراير 2011، لتعلوا الأصوات والآراء المنادية بإعطاء التيار الإسلامى فرصة لقيادة البلاد، بعد أن سلمت السلطة للقوات المسلحة، وقد كان أن وصلت جماعة الإخوان للحكم.
وكان الصدام بين التيار الإسلامى والدولة برمتها أمراً طبيعياً لأنها مدنية وهم أرادوا فرض سيناريو الدولة الدينية على الجميع، ولا يصح لنظام حكم أن يستند على الحكم الدينى، إضافة إلى ذلك ما شهدناه من الوتيرة السريعة لتنفيذ مخطط أخونة مصر وتمكين الجماعة من مفاصل الدولة.
■ كيف ترى ثورة 30 يونيو؟
- لم يكن أحد فى العالم يستطيع أن يدعى أنه توقع أن تنفجر ميادين مصر بالثوار كما شهدنا فى 30 يونيو، وفى تصورى أن كل مصرى بدءاً بالفريق أول عبدالفتاح السيسى لم يكن يتخيل أن هذه الحشود ستتمرد على حكم الرئيس المعزول فى 30 يونيو، لنبهر العالم للمرة الثانية خلال 30 شهراً.
ولقد شاركت أنا وأسرتى ولم أفوت تلك اللحظة، ورأيت بعينى سيدات فضليات «على سنجة عشرة» يشاركن سيدات فى منتهى البساطة ملحمة وطنية فى الشارع، رأيت شباباً زى الورد من الطبقة المتوسطة وآخرين مستواهم الثقافى «على قده» لكن الوطنية وحب مصر داخلهم سواء.
■ ماذا عن أحداث العنف التى نشهدها فى فى الفترة الحالية؟
- من كرم الله علينا أن المشير «طنطاوى» لم يصطدم بالإخوان بعد أن هددوا بحرق مصر فى جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية فى حال فوز الفريق أحمد شفيق، فقد كشف هذا مخططات الجماعة، والآن يمكننا القول بأنها منظمة وقادرة على الحشد وخوض الانتخابات إلا أنها تعانى من تدنى قدراتها السياسية والاستراتيجية، ولا أعتقد أن أحداً من الإخوان يستوعب كلمات «أمن مصر القومى».
وأعمال العنف التى يتبنونها اليوم تؤكد أنهم «أخذتهم العزة بالإثم»، وأنهم اعتقدوا أن الأمور تأتت لهم وأن أخونة الدولة ستتم وتستتب لهم مصرنا، بعد ما بذل من تمويلات وأموال هائلة للوصول إلى انطلاقة دولتهم الفاشية.
■ بخبرتك العسكرية لماذا لم يواجه الجيش أعمال العنف والشغب بضربة قاصمة؟
- الإجابة عن هذا السؤال وضحت فى زيارة «كاثرين أشتون» النائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية والممثل السامى للاتحاد الأوروبى لشؤون السياسة الخارجية والأمن والذى يضم 27 دولة. فقد أكدت «آشتون» تأييد الاتحاد الأوروبى للشعب المصرى ودعمه لثورته الشعبية، و«أشتون.. لا يمكن تأيد كده!»، إلا بناء على اجتماعات خطيرة على أعلى مستوى، سواء فى أمريكا أو الاتحاد الأوروبى، وبدا واضحاً أن هذه الاجتماعات خلصت بأنه لابد من الاعتراف بأن ما حدث فى مصر ليس انقلاباً عسكرياً كما تريد جماعة الإخوان أن تصور لحلفائها وللعالم الغربى بحشد أنصارها وافتعال أحداث عنف واشتباكات كما حدث أمام دار الحرس الجمهورى. وأقولها قاطعة واضحة لا لبس فيها، لقد نجحت قيادة الجيش المصرى فى منع استدراج رجال قواتنا المسلحة لقتال متلاحق سنجد فيه «ناس على الأسطح» كما حدث فى موقعة الجمل، كى تغطى الدماء والعنف والخسائر البشرية على عظمة وسلمية الإنجاز اللى حققه الشعب بحماية جيشه العظيم. والحق لقد أظهرت الأحداث الأخيرة من هو الطرف الثالث واللهو الخفى، بعد أن أصبحت جماعة الإخوان تخوض معركتها الحاسمة النهائية فى التمسك بعودة مرسى للحكم.
■ ما تفسيرك لأحداث الحرس الجمهورى؟
- لقد كانت تلك الأحداث محاولة لاستدراج القوات المساحة بما تملك من أسلحة ومعدات للاشتباك، من خلال قيام مجهولين بإطلاق النار والرصاص الحى من شقق وأسطح عمارات لتحقيق أكبر خسائر ممكنة، ليكون ذلك ذريعة بمجرد الإعلان عنه إعلاميا ما سيؤدى لصدمة معنوية للجيش ولثورة 30 يونيو وللشعب ككل، ولكن «جيشنا صاحى» لهذا المخطط، فلم تخرج أعداد كبيرة من القوات. ورغم ذلك بدأوا فى ضرب أنصارهم بالرصاص الحى، ومن خبرتى العسكرية أؤكد أن ذلك هو ما حدث، فأنصار المعزول كانوا يصلون، واتجاه القبلة يجعل وجوههم صوب فندق سونستا، وكل الإصابات التى حدثت كانت فى جهة القبلة وعكس اتجاه قوات الحرس الجمهورى. وأؤكد أيضاً أن عقيدة الجيش المصرى لم ولن تتغير، ولن تطلق رصاصة على أبناء الوطن، أو المتظاهرين السلميين.
■ كيف رأيت خطوة تعيين المستشار عدلى منصور كرئيس مؤقت؟
- لقد شاهدنا الفارق بين الرئيس «عدلى منصور» وبين «المعزول» فى اتخاذ قرارات صحيحة متوازنة عميقة بدأت باختيار المستشارين، ولقد كان هذا الاختيار بمثابة قطع شوط كبير نحو مصر التى نريدها.
■ ما رأيك فى تشكيل حكومة الببلاوى؟
- «ناس عتاولة» وعلى المستوى، وكنت أتمنى أن يكون الثلاثون وزيراً «تكنوقراط» كل فى تخصصه، لأن مصر فى أمس الحاجة للمتخصصين فى الوقت الحالى، والتشكيل الوزارى وضع فى الاعتبار مدى الاستعداد النفسى لتحمل المسؤولية فى ظل هذه الظروف الفارقة فى تاريخ مصر، ونستطيع القول بأن الوزارات السيادية والتى لها علاقة بالأمن القومى يشغلها وزراء على مستوى عال من الكفاءة.
■ كيف ترى تعيين «السيسى» نائباً لرئيس الوزراء؟
- قد يكون ردى على هذا السؤال صادماً، لأن الرد يبدأ من المذكرة التفسيرية التى وضعتها «كوندوليزا رايس» فى 2004 فيما سمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير، حيث قالت إن الولايات المتحدة الأمريكية ستبدأ فيه بمحاولة خلق نوع من أنواع الديمقراطية، وقد بدأ ذلك بـ«بوعزيزى» تونس، لكن ثورة مصر فاجأت مخطط الشرق الأوسط الكبير من حيث توقيت انفجار الثورة بها والتى خرجت دون تخطيط، بينما كانت مصر فى مخطط «رايس» هى الجائزة الكبرى والنهائية التى سيختتم بها المشروع. وكل ما سبق كان مقدمة لما سأقول، إن ما فعله الفريق السيسى يوم الأربعاء 3 يوليو أحبط مخطط «الشرق الأوسط الكبير» وغيره رأساً على عقب، والتاريخ لن يبخس هذا الرجل حقه بعد أن تحمل مسؤولية تاريخية ستتكشف أهميتها بتكشف ما كان مخطط للشرق الأوسط ومصر. ودون الحديث عن كونه أهلاً لمنصب نائب رئيس الوزراء ودون الخوض فيما لديه من خبرات.
■ هل ترجح أن يكون الرئيس القادم مدنياً أم عسكرياً؟
- أنا كرجل تاريخ أقول إنه فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية جاء جيل من عمالقة الحكام حكموا العالم كله، مثل أيزينهاور وديجول، وتشيك، وماو تسى تونج، وعبدالناصر فى مصر.
وأريد القول بأنه إذا جئنا برئيس مدنى عليه أن يستعين بنائب ذى خلفية عسكرية، أما عن رأيى الشخصى ففى الوقت الذى تجتازه مصر الآن، نحن نحتاج لرئيس ذى خلفية عسكرية ولو لمدة دورة رئاسية أو اثنتين، فمصر فى حاجة لرئيس محترم على درجة عالية من الكفاءة والعلم ويفضل أن تكون له خلفية عسكرية.
■ ماذا يحدث فى سيناء؟
- ما يحدث كان ضمن مخطط للإخوان بأن تدخل فى حرب أهلية فى الجبهة الداخلية، على أن يحاول إرهابيون فى سيناء اقتطاع جزء من سيناء، لكن طريقة عزل مرسى وخطة الجيش للحفاظ على البلاد ووحدة قواته وقياداته وعزيمة شعبه وإصراره منعت هذا السيناريو، وخلال أيام معدودة سيجهز الجيش على ما تبقى من هؤلاء الإرهابيين لتعود سيناء إلى أحضان أبنائها.