x

«المصري اليوم» داخل «معسكر الحلفاء» في «رابعة العدوية»

الأربعاء 17-07-2013 21:17 | كتب: سمر النجار, أسماء محمد السيد |

رائحة كريهة تحيط بالمكان، مياه متعفنة متراكمة فى الطرقات، خيام متراصة بعشوائية أشبه بسوق «الروبابيكيا»، وقد كسا لونها اتساخ شديد، أطعمة تحوم حولها الحشرات الطائرة، ويد الأطفال أشد اتساخا منها تمتد إليها ليلقوا بها فى أفواههم، أشجار لم تعد تظهر ملامحها من قطع الملابس المتناثرة على أفرعها، حدائق شوهت ملامحها الخيام، رائحة المراحيض تتصاعد، حُصر يستلقى عليها أشخاص تحت لهيب الظهيرة فى ساعات الصيام، قادمين من أطراف المحافظات النائية سعيا للجنة بمبايعة الرئيس المعزول «مرسى» كرمز لنصرة الدين، كما تلقنوه على يد رموز جماعة الإخوان.

مشهد لم يكن من السهل اختراق صفوفه ومعرفة كواليسه التى لا تنقلها الكاميرات، إلا بارتداء محررتى «المصرى اليوم» النقاب وقضاء يوم كامل ما بين الخيام ووسط النساء فى كل أنحاء الميدان، باختلاف مبرراتهم للاعتصام، وسكنهن «مصلى السيدات سابقا بمسجد رابعة العدوية».

«المشهد الأول»

بمجرد الاقتراب من الميدان، الذى كان واحداً من أهدأ الميادين السكنية، تلاحظ تحول المكان لموقف لسيارات الأجرة لمختلف المحافظات، تزاحمها سيارات مشابهة لكن تخص الإخوان، أسوار خشبية تغلق مداخل ومخارج الميدان، بها مدخلان، أحدهما للرجال وآخر للنساء، رجال ضخام ذوو لحى كثيفة يرتدون خوذا واقية وبأيديهم عصى من المعدن، نظراتهم لابد أن تثير خشية من يقترب من مدخل الميدان، يفتشون ويتحققون، وعلى الجانب الآخر سيدات يفتشن حقائب النساء وملابسهن، وفى حالة الشك يتم استدعاء «الأمن».

«المشهد الثانى»

بمجرد عبور الحواجز «الأمنية»، تصطدم قدماك ببقايا الطعام والأكياس الفارغة ويبتل حذاؤك بمياه شديدة الاتساخ، وأطفال مستلقون على الأرض من شدة التعب، وذووهم حولهم يتململون بدورهم من فرط الإعياء، خيام تحيط الشارع المؤدى للمسجد تكشف ما بداخلها أكثر مما تحجب، معظمها مهترئ ويلونه السخام، رجال ممددون داخلها، وبكل خيمة عدد لا يتجاوز الخمسة أفراد، ولا نساء إلا فيما ندر، واللافت للانتباه اللافتات الصغيرة التى علقت على مداخل الخيام وقد قُسمت إلى محافظات وقرى، وخيام فردية لعدد محدود من القاهريين.

«المشهد الثالث»

خلال المرور بين الخيام واقترابك من المنصة، تجد اللافتات على اليمين واليسار علقت عليها كلمات تنديد بـ«انقلاب السيسى»، وصور له مع بشار الأسد، فى شكل مصاصى دماء، وأقنعة «ماسكات» لمرسى يرتديها البعض، ولافتات بالفرنسية والإنجليزية والعربية، وأصوات تأتيك من الداخل عبر مكبرات الصوت باللغة الفرنسية، وفى الوقت الذى يلتف فيه عشرات المعتصمين حول المنصة، يكتفى العديد من المعتصمين الآخرين بالاختباء فى خيامهم هاربين من حرارة الجو.

«المشهد الرابع»

بين صفوف المتظاهرين، يتهامس أحدهم مع الآخر: «هوه مش هييجى؟! الناس بتقول إنه جاى النهارده»، ويرد الآخر: «مظنش لو جه هيبقى فى خطر عليه.. الدنيا فاضية النهارده بس لو هييجى يبقى بكرة الجو مناسب الميدان.. هيبقى مولد فى المليونية وهيبقى سهل يتحرك»، ويتابع: «ربنا ينتقم منهم العسكر ولاد ال.. بلاش نفطر عليهم بس مسيرنا نردلهم القلم وناخد حقنا»، وبمحاولة التقصى، علمنا وجود شائعات عن قدوم البلتاجى، وبالتقصى عن كيفية دخوله وخروجه من إحدى السيدات ترد: «هو هيغلب.. كل مرة بييجى بنسمع إنه بييجى بطريقة شكل، آخر مرة سمعنا إنه جه لابس جلابية فلاحى زى اللى حدانا فى البلد والبركة فى إخوانا، إنتى ممكن تلاقى حد فيهم جه دلوقتى فجأة وانتى واقفة»، وبمحاولة إظهار الدهشة أمامها تابعت: «ليه إنتى مكونتيش هنا من كام يوم لما جه بديع؟».

«المشهد الخامس»

بملاحظة خلو المشهد من السيدات ومحاولة البحث عن السبب، تبين أنهن يتخذن من مصلى السيدات مقرا لهن ولأطفالهن، وبالصعود للطابق الأعلى به، بعد التفتيش الذاتى أثناء الصعود والنزول من قبل امرأتين تقفان عند مدخل المسجد، ركن من المسجد تحول إلى مطبخ صغير، «حبل غسيل» يمتد داخل المسجد وعليه ملابس للنساء وأطفالهن، «بلالين» و«زينة» تزين ركنا من حوائط المسجد استعداداً للاحتفال بأول عيد ميلاد طفلة تدعى «جنة».

بسؤال إحداهن، التى تدعى إيمان عن سبب تسمية الرضيعة بهذا الاسم قالت إنها «الجنة التى نسعى لنيلها جزاء على صبرنا فى الاعتصام لأيام طويلة وتحمل كل تلك المشقة». وبمحاولة فهم مغزى العبارة جاء الرد صادماً، مؤكدة أنهن هنا للجهاد فى سبيل الله ولنصرة دين الإسلام ولهدم الدولة العميقة، كانت الملامح البسيطة للسيدة ومظهرها البسيط والتواضع الشديد لأسلوبها فى الحديث لا يوحى بأن تلك المصطلحات تخصها.

وبسؤالها عما تقصده بمصطلح «الدولة العميقة» ترد: «إحنا كنا مش فاهمين حاجة الأول زييكوا بس الأخت هنا فهمتنا».. وتتابع فى سؤال توجهه لنا: «عارفين إيه السر ورا مصطلح الدولة العميقة؟! إن كل مؤسسات الدولة تقف قدام مرسى وتحاول أن تعمل له عوائق عشان ميقدرش يعمل حاجة للبلد، وهدفها أن ترجع مبارك لأن مبارك ده الراس وباقى المؤسسات دى الجسم، وإحنا مش هنسمح بده لازم نهدم الدولة العميقة»، وبمقاطعتها: «بس إحنا خرجنا كلنا فى الثورة عشان نشيل مبارك وخلاص هوه اتسجن، صعب يرجع»، ترد متعجبة: «مين قالك إنه مسجون؟».

وبمحاولة الوصول لمعرفة من هن السيدات اللاتى يجلسن مع البسطاء من النساء وتلقينهن تلك المفاهيم، علمنا بوجود عدد من القيادات النسائية الإخوانية المعروفة تتواجد باستمرار بين صفوف المعتصمات وحثهن على الاستمرار والتواصل، من بينهن نساء من ذوى قيادات الإخوان المسلمين من أمثال «عزة الجرف»، القيادية بالإخوان، و«أم أيمن»، وزيرة شؤون المرأة فى الحكومة السابقة.

«المشهد السادس»

وبمحاولة الحديث مع أحد الأطفال الذين يصرخون ويضحكون ويجرون فى أرجاء المسجد، قال «كريم»، الذى يبلغ 11 سنة: «أنا إخوانى وجيت هنا عشان مرسى يرجع». وأضاف: «إحنا أصلا مبسوطين هنا جدا.. بنخرج ونلعب.. أنا وبابايا بنام فى الخيام تحت وأختى وأمى بيناموا فى المسجد». وتابع «كريم» وهو يلهو بأحد الألعاب فى يده: «إحنا أصلا من العمرانية الشرقية والناس هناك بتعتبرنا فلول.. ولما بننزل الشارع بلاقى شوية عيال كده بيضربونى عشان أنا مع مرسى.. وكمان أختى ضربوها مرة».

أما «إسلام»، الذى يبلغ 10 أعوام، فيقول ببراءة شديدة: «أنا سلفى.. وهفضل سلفى لما أكبر عشان الناس دى بتدى للناس حاجات حلوة من غير ما ياخدوا منهم فلوس». ويضيف: «أنا هنا عشان أخرج حبيبى الدكتور مرسى.. إحنا بنروح عند الحرس الجمهورى عشان نخرجه ونرجعه يحكم مصر».

 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية