x

هل يتحول «الألتراس» إلى ميليشيات لخدمة السياسة؟ (تقرير)

الجمعة 02-11-2012 15:32 | كتب: كريم أبو حسـين, إيهاب الجنيدي |
تصوير : أحمد المصري

حمّل خبراء ومسؤولو ولاعبو الكرة المصرية الحكومة والمسؤولين فى الدولة مسؤولية استفحال رابطة «الألتراس» حتى صارت البعبع الذى يهدد كل عناصر المنظومة الكروية فى مصر. فمنذ أحداث بورسعيد الدامية التى راح ضحيتها 72 شهيداً من جماهير النادى الأهلى والألتراس هو الذى يتحكم فى مصير الكرة المصرية وفقاً لما يرونه من حيث استمرار النشاط أو عودته وسط غياب كامل لمسؤولى اتحاد الكرة والأندية، والمسؤولين الرسميين فى الدولة أيضاً سواء فى وزارة الداخلية أو وزارة الرياضة، الذين اكتفوا بدور المشاهد وتركوا شباب الألتراس يفعلون ما يحلو لهم من وقفات احتجاجية ومظاهرات واقتحامات للأندية دون أى يكون لهم أى رد أو قرار لوقف هذه المهازل..

والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل تحول «الألتراس» إلى ميليشيات تهدد الأندية واللاعبين والمدربين والحكام والإعلاميين؟! هذا ما سيحاول كل هؤلاء من عناصر المنظومة الكروية الإجابة عنه فى هذا التحقيق:

فى البداية حذر رؤوف جاسر، عضو مجلس إدارة نادى الزمالك، من تحول الألتراس إلى ميليشيات منظمة تطبق وتنفذ مطالبها بالقوة بعدما أصبحت بالفعل أداة ضغط على الجميع، وقال إن المخرج الوحيد من المشكلة يتمثل فى جانبين لا ثالث لهما أولهما قيام المسؤولين بالدولة ووزارة الرياضة بحملات توعية مكثفة لهؤلاء الشباب وعقد الندوات والاجتماعات لمناقشة اقتراحاتهم وأفكارهم، وثانيهما تطبيق القانون بكل قوة وحزم مع الخارجين على القانون.

ورفض «جاسر» سياسة «لىّ ذراع» الدولة من أى مجموعة من البشر، لأن ذلك يفقد الدولة هيبتها ومكانتها، وقال: لم ولن تستطيع أى مجموعة أو حزب أو رابطة مهما كانت قوتها أن تمنع الرياضة.

وأضاف: عاجلاً أم أجلاً سيعود النشاط رغم أنف الجميع، لأن المطالبة بإلغاء الرياضة تعد ضرباً من الجنون، فلن يستطيع أى شعب فى العالم أن يعيش بدون رياضة.

وأضاف جاسر: نمى إلى علمى أن وزارة الداخلية غير جاهزة لتأمين المباريات لانشغالها بمطاردة البلطجية ومثيرى الشعب فى الشارع المصرى، وألتمس لها العذر فى هذه الحالة ولكن على الجهات السيادية بالدول اتخاذ قرارات ملزمة ضد أى خروج على القانون وتعطيل لمسيرة الإصلاح بعد ثورة 25 يناير العظيمة.

وقال: فى بعض الحالات يجب تطبيق القانون بالقوة، ومنها إذا رفضت بعض الفئات احترام القوانين والقرارات والامتثال لها، وهو ما حدث مع قرار عودة الدورى ثم التراجع فيه، مؤكدا أن الألتراس بدأ مشواره مع كرة القدم باحترافية وأسلوب حضارى لكنهم الآن تجاوزوا ذلك وبدأوا فى التفكير بهمجية وانحرفوا عن مسارهم الصحيح بعدما شعروا بأنهم سلطة قادرة على تنفيذ ما يرونه بأى شكل من الأشكال.

وحمّل عضو إدارة الزمالك بعض المسؤولين بالدولة والإعلاميين مسؤولية تضخيم الألتراس من البداية وبعد أحداث بورسعيد.

وناشد «جاسر» الألتراس العودة إلى دورهم الأساسى، مشيراً إلى أنه فى الوقت ذاته لابد على مسؤولى الرياضة الاستماع لهم، لأنهم يحملون أفكاراً جيدة دائما ما تثبت الأيام صحتها وتطبيقها على أرض الواقع. وقال: أنا شخصيا اتفق معهم فى تصنيفهم لبعض الشخصيات فى الوسط الرياضى، محذرا من خطورة استمرار الألتراس على ما هم عليه الآن، لأن ذلك سيضر المجتمع ككل.

وقال اللواء محمود علام، مدير عام النادى الأهلى، المتحدث الرسمى: «مجلس إدارة النادى كان مسانداً للألتراس فى مطالبهم الشرعية للحصول على حقوق الشهداء لكنهم لم يقدروا ذلك وتجاوزوا كل الخطوط الحمراء وقاموا باقتحام النادى عدة مرات بشكل سيئ أضر بسمعتهم وباسم القلعة الحمراء، كما أننا لم نتعهد منذ أحداث بورسعيد لهم أو لأى جهة بعدم اللعب قبل الحصول على حق الشهداء، وكل ما قرره المجلس عقب مأساة بورسعيد يتعهد به وينفذه، ولكن لا يمكن أن يظل النشاط مجمداً لحين فصل القضاء فى القضية لأن هذا أضر بالكرة المصرية والأندية واللاعبين بصورة مدمرة، فضلاً عن الضرر الواقع على المنظومة كلها منذ توقف النشاط، وماذا لو ظلت القضية منظورة أمام القضاء لفترة طويلة..؟».

واتهم المهندس شريف حبيب، عضو مجلس إدارة نادى المقاولون العرب، السياسة العشوائية التى تدار بها الرياضة المصرية. وقال إن هذه السياسة هى السبب فيما تشهده الساحة الرياضية من أحداث، مؤكداً أن المنظومة الرياضة تفتقد التخطيط والخبرة فى مواجهة الأزمات.

وقال: كيف يعقل أن تترك قضية مثل مذبحة بورسعيد لأكثر من 8 شهور دون تحديد الجانى الحقيقى ومعاقبته بشكل سريع؟!

وقال: للأسف ما يحدث غوغائية وتدخلات ممن هم ليسوا أهل اختصاص فى الرياضة ليفرضوا آراءهم واقتراحاتهم رغم أن تجاربه السابقة أثبتت فشلهم فى جميع الاتجاهات، مضيفاً المخرج الوحيد من هذ الأزمة هو اللجوء إلى لغة الحوار مع شباب الألتراس لإقناعهم باحترام القضاء والانتظار حتى يقول كلمته وإقناعهم بأن عودة الدورى وتواجدهم فى المدرجات سيساعدانهم على توصيل رسائلهم بشكل وأسلوب حضارى بعيدا عن الصدام مع أحد أو خلق عداوات هم فى غنى عنها.

وقال سيد عبدالحفيظ، مدير الكرة بالأهلى: «فى أى دولة فى العالم مادامت حقوق البشر والمواطنين محفوظة ولا تمس فلن تجد أى خروج على النص، فحتى التعصب له قدر محدد لا يتجاوزه ولكن: من يضع الأطر والقوانيين..؟ فالدولة هى المسؤولة عما وصل إليه الألتراس وما يحدث فى الشارع المصرى غير طبيعى ولم نعرفه بعد أى ثورة فى العالم فأى شخص يمكنه أن يفعل أى شىء، ومن لديه الحل والخلاص هو الدولة».

وأضاف: «التعامل الخاطئ مع هؤلاء الشباب هو الذى أدى إلى ما نحن فيه الآن، فنحن نعيش حالة فوضى كبيرة ونتصرف وفقاً لرأى الشارع حتى لو كان غير سليم، فالشارع هو الذى يحكم وليس الشعب، وهناك فارق كبير بين الشعب والشارع».

ورفض الخبراء ما وصفوه بتوحش الألتراس. وقال حلمى طولان، المدير الفنى لفريق حرس الحدود: «لم نعد نعيش فى دولة، والداخلية أصبحت بلا فاعلية تحت وطأة الألتراس، وأخشى من تسييس الرابطة وتحويلها لجزء من اللعبة السياسية فى مصر بعد أن كانوا مشجعى كرة، ويجب تفعيل دور القانون ومعاقبة المخطئ والتأكيد على أننا نعيش فى دولة مؤسسات وليس فى غابة يفعل فيها كل شخص ما يريده فى ظل دولة الإخوان الفاشلة».

وأضاف «طولان»: «أرى أن الرياضيين أخطأوا حين تظاهروا أمام (الاتحادية) وحين ذهبوا لقصر البارون وكان يجب عليهم تنظيم وقفتهم أمام مقر الإخوان المسلمين وأن يستعطفوا عصام العريان للموافقة على عودة كرة القدم للدولة التى علّمت القارة الأفريقية كلها كرة القدم».

وأكد زكريا ناصف، الخبير الكروى، أن الألتراس أصبح الآن ظاهرة، ولابد من التصدى لهؤلاء المشجعين لحمايتهم من أنفسهم أولاً والحفاظ على أمن وأمان المجتمع المصرى بجميع فئاته ثانياً. وأكد أن تطبيق القانون هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة لضمان عودة الحياة لطبيعتها ليس فقط فى الرياضة التى تعتبر المتنفس الوحيد للشعب المصرى، وإنما فى جميع مجالات الحياة.

واعتبر «ناصف» أن سبب أزمة تفاقم الصدام مع الألتراس هو غياب دور المسؤول وصاحب القرار لاحتواء الأزمة. وحذر «ناصف» من تبعات المرحلة المقبلة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن من الفوضى والعشوائية وعدم القدرة على اتخاذ قرار مناسب. وتساءل: كيف سيكون الموقف فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة وفى الاستفتاء على الدستور؟

ورفض «ناصف» نغمة احتواء الألتراس. وقال: إذا كانت الدولة لم تحتو المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة المعتصمين أمام قصر الرئاسة حتى الآن فكيف يطالب البعض باحتواء الألتراس؟!

وقال إن لوائح وقوانين الفيفا واللجنة الأوليميبة الدولية نظمت علاقة الجماهير فى كرة القدم وجميع الألعاب الفردية والجماعية، والقانون المصرى يضم بندا لمعاقبة المتسببين فى أعمال الشغب سواء فى شارع أو فى استاد أو فى صالة مغطاة، فالكل سواسية فى تطبيق القانون، لا فرق بين شاب وشيخ، بين لاعب ومشجع، فلابد من معاقبة الخارجين على القانون حتى تتحقق سيادة الدولة والقانون.

وقال: لابد من الحوار بين جميع الأطراف وتحكيم لغة العقل والمنطق والتأكيد على القصاص كحق مشروع وعودة الدورى كحق مشروع أيضاً، لذلك لابد من الاتفاق على توقيت يناسب الطرفين لعودة الدورى. واختتم «ناصف» حديثه بعبارة «إذا غاب القانون ضاعت الدولة».

والتمس عادل هيكل، حارس الأهلى والمنتخب سابقاً، العذر للألتراس وقال: «أنا شخصيا حين أرى صديقى يموت أمامى يجب أن أقتص له، خاصة أنه كما ترى الآن لا يتم التوصل للجناة فى كل القضايا والكارثة أن المسؤولين يريدون تحويل ما حدث فى بورسعيد لحادثة مشاجرة لكى يتم غلق القضية، وأنا مع مطالب الألتراس بالحصول على حقوق إخوانهم وزملائهم ولكن بسبل مشروعة، حيث يجب أن يلتزموا بالقواعد والقانون، وفى نفس الوقت أنا معهم فى أن عودة النشاط مشروطة باحتياطات يجب توافرها، فلكى تقيم بطولة بعد كارثة مثل التى حدثت فى بورسعيد لابد أن تكون وفقاً لقواعد جديدة وعلى أرض صلبة لكى لا تحدث مجزرة جديدة».

وأضاف «هيكل»: «لا أعرف كيف استفحل الألتراس ليصلوا إلى هذا الضغط الكبير على المسؤولين والتحكم فى القرارات.. عليهم أن يعودوا فوراً لمكانهم الطبيعى فى المدرجات».

اللاعبون بدورهم رفضوا سيطرة الألتراس.. يقول قائد منتخب مصر ولاعب الزمالك أحمد حسن: «مادام لا يوجد رادع ولا قانون فالألتراس سيستمرون فى تهديد المنظومة الكروية المصرية، وخلال وقفتنا الأخيرة قالوا إن لاعبى الكرة بلطجية، وعندما تجد أناساً يدافعون عن الألتراس والدولة تتغاضى عن كل ما يقومون به فلا أمل فى تصحيح الأوضاع فى ظل ذلك، فعندما ينزل الألتراس ويقتحمون ونغمض أعيننا ولا نتكلم فهذه كارثة، وشخصياً أقول (بلاها كورة خالص)، والأيام دول وسوف تثبت للجميع أنه لا يصح إلا الصحيح، والألتراس استفحلوا وكبروا بمساعدة مسؤولين فى الدولة، فالموضوع بات أكبر من هؤلاء الشباب وهناك تربيطات وحسابات هم طرف فيها، ونحن نريد من مسؤولى الدولة الوضوح ويخرج علينا مسؤول رسمى ويقول (خلاص مفيش كورة السنة دى كمان) ونفهم بدلاً من هذه السخرية اللاذعة التى نحياها».

فيما أكد أيمن عبدالعزيز، لاعب المقاصة، أن استمرار الوضع على ما هو عليه الآن من الطبطبة على الألتراس والخوف منهم لتشابك مصالح سياسية - سوف يقضى على الرياضة المصرية.

وقال: «لابد للمسؤولين أن يعلنوها صراحة، أنهم يخافون من الألتراس فى حالة إعلان عودة الدورى، وهم للأسف يعملون من أجل مصالحهم فى الانتخابات البرلمانية».

وأضاف: «على الجميع ألا يستهين بلاعبى كرة القدم وجماهيرهم العريضة». وتساءل: هل ستتكفل الدولة بمصاريف ملايين الأسر التى تنفق على ذويها من الرياضة وكرة القدم؟ وأنا شخصيا فقدت الأمل فى القائمين على شؤون الرياضة المصرية بعدما أصبحت المصالح المشتركة هى التى تحرك كل شىء.

وناشد «عبدالعزيز» اللاعبين البحث عن عروض احتراف خارج مصر للهروب من هذا الجو غير الملائم والذى لا يساعد أحدا على التألق والإبداع، وأنا مقتنع تماما بمواقفى وآرائى لأننى أطالب بحقوق مشروعة وبطريقة مهذبة دون تجريح أو تطاول على أحد.

وعلى الصعيد الإعلامى، حذر أحمد شوبير من خطورة تضخم الألتراس أكثر من ذلك. وقال: ما أخشاه هو أن ينقلب السحر على الساحر وتكون مصر هى الخاسر الوحيد فى هذه المواجهة المرتقبة بين الألتراس والدولة فى المرحلة المقبلة، مطالبا المسؤولين بداية من أعلى سلطة فى البلد إلى أصغر سلطة بسرعة التحرك وإصدار قرار بعودة النشاط الرياضى للحفاظ على هيبة الدولة التى أصبح مجموعة من الصبية يتلاعبون بها.

وحذر «شوبير» من غضب الرياضيين ولاعبى كرة القدم فى جميع أقسام الدورى الذين باتوا مهددين بحرمانهم من لقمة عيشهم وقوت أولادهم. وقال إن مطالب الرياضيين مشروعة رغم أنف الجميع، فمن حق كل إنسان أن يتظاهر للمطالبة بحقه، لكن التمادى فى استمالة الألتراس ينذر بكارثة لأنهم يتصورون واهمين أنهم فوق القانون، والخطير فى الأمر هو أن وقوف المسؤولين مكتوفى الأيدى أمام تصرفات الألتراس غير المقبولة يزيدهم تمردا على المضى قدما فى تحديهم للقانون ومحاولة التأثير على القضاء فى قضية مذبحة بورسعيد.

كما حذر «شوبير» من خطورة السكوت تجاه تصرفات الألتراس، لأن ذلك يعنى ضمنيا القضاء على جيل كامل للرياضة المصرية، مؤكدا أن هؤلاء لا ينظرون إلا لمصالحهم الشخصية فقط دون وضع أحوال البلاد فى اعتبارهم، بدليل أن الجميع يتضامن معهم فى القصاص للشهداء، فى حين أنهم يقفون بالمرصاد لمن يخالفهم الرأى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية