لا تجد «أم على» حرفة بديلة عن بيع الملابس الداخلية طوال العام بإحد «أسواق» السيدة زينب إلا الياميش فى شهر رمضان، وحلاوة المولد فى ذكرى المولد النبى، سنوات طويلة اعتادت على ذلك لعدم وجود بديل.
أمام ساحة مسجد السيدة زينب تجلس فى إحدى الفراشات التى نصبت على جانبى الطريق قبل شهر من اليوم، تبيع الياميش والبلح كإحدى المهن البديلة لها كبائعة موسمية، عباءة سوداء وحلى ذهبية كل إكسسواراتها، تفرد أقدامها على إحدى الطاولات الخشبية أمام الكرسى لتزيح عنها آلام الوقوف طوال اليوم، بينما على الناحية الأخرى من الفراشة يقف ابنها، سيف أصغر أولادها الثلاثة يعبئ جوز الهند والسودانى فى أكياس بعد وزنها بسهولة جعلته يعتمد على يده فقط دون عينه، وهو ينادى «الياميش.. الياميش.. عاوزين نروح»، ليؤكد شكوى الوالدة التى تقول «البيع مش زى كل سنة... والأسعار غالية التلت السنة دى بس».
لا تقتصر الزيادة فى أسعار الياميش، وقلة المنتجات على الأحداث، التى تشهدها مصر فقط، بل إن ما يحدث فى سوريا يؤثر على حركة البيع والشراء هنا، لأن أغلب منتجات الياميش كان يتم استيرادها من سوريا، بحسب أم على التى تقول «الناس كانت متعودة تشترى قمر الدين السورى أكثر من المصرى... أما دلوقتى المنتجات السورية قليلة والمصرى بقى غالى».
قوائم أسعار السلع الرمضانية باتت ثقيلة على «أم على» مثلها مثل الزبون، تنخفض نبرة صوتها حين تقول لأحد الزبائن إن كيلو اللوز أصبح بمائة جنيه ثقة أنه سيغادر فورا حين يسمعها، لكنه سرعان ما سيعود، لأن البائع الذى يجاورها سيقول له 104 جنيهات.
عقب عزل مرسى، نشطت حركة البيع ليومين كانا الأفضل طوال الشهر، بحسب «أم على» قبل أن تقل ثانية بعد أحداث العنف، التى شهدتها القاهرة، «أحلى يومين اشتغلناهم بعد عزل مرسى، إنما لما الحال اتقلب تانى الناس خافت على فلوسها وبطلت تنزل تشترى»، لذلك يضطر بائعو الياميش كل سنة إلى جذب انتباه الزبائن عن طريق الأسماء المرتبطة بالسياسة التى يطلقونها على أنواع البلح المختلفة، قبيل الثورة كان البلح تتم تسميته بأسماء الفنانات والمطربات مثل بلح ليلى علوى، وإلهام شاهين، ونانسى عجرم، لكن اليوم أصبح هناك بلح 25 يناير، ومرسى، وتمرد، و30 يونيو، بالإضافة إلى بلح السيسى، الذى ظهر منذ إلقاء بيان الفريق عبد الفتاح السيسى، الذى حظيت شعبيته بنطاق واسع عقب عزل الرئيس مرسى، وتختلف أسعاره بحسب الرواج الشعبى، فبلح مرسى الأقل سعرا بـ6.50 جنيه، أما بلح تمرد فبـ8.50 جنيه، وهو الأفضل.
فى نهاية الطريق يفسح المجال لبائعى الفوانيس كإحدى أهم العادات التى اكتسبها المصريون عبر مئات السنين منذ الخلافة الفاطمية، لكن طه محمد، أحد بائعى الفوانيس، يعانى من اضطراب السوق يوما بعد يوم «شويه كده، وشويه كده»، لكنه يتفق مع «أم على» على رواج حركة الشراء عقب تنحى مرسى.
تنقسم الفوانيس بشكل رئيسى إلى نوعين، النوع الأول يعتمد على شخصيات كرتونية مثل ميكى ماوس، وسبونش بوب، والنوع الثانى النحاسى المصرى القديم، الذى يعانى من الهجمات المستمرة من الصين، منذ سنة ظهر فانوس أسود معدنى تتخلل شبابيكه زجاجات ملونة، على نفس الطراز المصرى، لكن بشكل أفضل يتم بيعه بأسعار باهظة، يشتكى طه من عدم ابتكار أشكال جديدة عن طريق مهندسى الديكور المصريين لتتلاشى مصاريف النقل والشحن، بالإضافة إلى إمكانية تصديره لعدد كبير من دول العالم «لأننا أصل الفوانيس»، بحسب طه.
تشهد الأسواق إقبالا أقل من قبل المشترين، خاصة فى الأيام الأخيرة من شهر شعبان بخلاف هذا الوقت من كل عام، وترجع سناء السيد، إحدى الزبائن، ربة منزل، هذا الإقبال الضعيف إلى غلاء أسعار الياميش هذا العام، وزيادتها أضعاف العام الماضى، بحسب قولها، وأيضا الأحداث التى تمر بها البلاد جعلت المواطنين فى حالة من الخوف من النزول إلى الشوارع، تقول: «الأسعار هذا العام أعلى من العام الماضى حوالى الضعف، وأيضا فى منتجات غير متوفرة فى السوق، وبالتالى اضطررت أن نشترى أقل من الكميات، التى نقوم بشرائها كل عام، كما أننى معتادة الشراء قبل رمضان بأسبوعين، نظرا للأحداث، لكنى اضطررت أن أشترى اليوم، بسبب الخوف من النزول إلى الشارع، وأحداث العنف».
أما أمل محمود، موظفة، فأرجعت قلة الإقبال لتوقف أغلب المصالح والشركات عن العمل طوال الفترة الماضية، وقلة الرواتب فى الأشهر الأخيرة «الحال واقف والوضع الاقتصادى سيئ جدا، والشركة التى أعمل بها قللت رواتبنا للنصف، وده أثر على حجم الشراء فى رمضان».
ويشكو إسماعيل إمام وأسرته، أحد ساكنى حى المعادى، الذى اعتاد على شراء الاحتياجات الرمضانية من السيدة زينب، من الأسعار هذا العام التى زادت بنسبة 30% على العام الماضى، لذلك استغنى إسماعيل عن عدد من المنتجات مثل الياميش، نظرا لغلاء سعره بشكل كبير، واشتراه بكميات قليلة عن العام الماضى.
تأخرت الأسرة فى شراء المنتجات الرمضانية، بسبب خطورة الأوضاع والأخطاء الأمنية، وعندما وجدوا أنه لم يتبق سوى يومين على غرة رمضان، اضطررنا للنزول وشراء كميات تكفى احتياجاتهم وفى نفس الوقت تناسب دخل الأسرة الأقل ذلك العام، حسب قوله.