وصف أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، وكبير باحثى شؤون الشرق الأوسط في مركز «كارنيجي للسلام» للأبحاث الدولية، ناثان براون، حال البلاد بعد مرور العام الأول على انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيساً للبلاد بأنه «يشبه حادث سيارات»، معرباً عن قلقه من اتساع الفجوة بين أطراف المجتمع في مظاهرات «30 يونيو».
واعتبر «براون» أن الرئيس مرسي لن يخرج عن الحكم في البلاد «طوعاً»، ولكنه ربما يضطر «مجبراً» إلى ذلك في حالة اندلاع أعمال عنف أو حدوث تدخل عسكرى.. وإلى نص الحوار:
■ كيف تقيم أداءه مرسي مع مرور عام على حكمه كأول رئيس منتخب؟
- يمكننا تقسيم العام الأول لمرسي إلى فترتين، الأولى منذ يونيو 2012 وحتى ديسمبر الماضي حين ظهر الإعلان الدستورى الجديد وهي الفترة التى حاول فيها تعزيز سلطته والمضى في العملية السياسية وصياغة الدستور، وكلها كانت عوامل من أجل إنشاء البنية التحتية للدولة المصرية، أما الفترة الثانية منذ 25 ديسمبر 2012 وحتى الآن ونلاحظ فيها وجود تراجع إلى الوراء.
■ ما أوجه ذلك التراجع؟
- أعتقد أن مؤسسة الرئاسة كانت مستمرة في استكمال العملية السياسية والمضى قدماً فيها والاستعداد لإجراء انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة جديدة والتواصل مع أطراف المعارضة قدر الإمكان، ولكن اتضح وجود نقص في السياسات العامة لرئاسة الجمهورية مثل السياسة الاقتصادية والسياسة الخارجية، وهو الأمر الذى جعل الشعب المصرى يشعر أن البلاد تتجه نحو المسار الخاطئ.
■ إذن من حق المصريين التظاهر يوم 30 يونيو المقبل اعتراضاً على انحراف مسار البلاد؟
- إجابة هذا السؤال في أيدى المصريين فقط، فكل مواطن مصرى من حقه التعبير عن رأيه عبر التظاهر، سواء لدعم الرئيس أو مطالبته بترك منصبه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
■ ألا تشعر بالقلق من تلك المظاهرات؟
- قلقى الوحيد جراء تلك المظاهرات هو تورطها في تعميق التناقض بين أطراف المجتمع، خاصة فيما يتعلق بمطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
■ وما سبب تخوفك من ذلك المطلب؟
- لأن رئاسة الجمهورية ترى أنه لا يمكن إجراء انتخابات رئاسية في كل مرة تشعر فيها المعارضة أنها غير سعيدة بما يحدث، فمرسى في نظرهم هو رئيس منتخب لفترة محددة وهى 4 سنوات، ولكننى أتفهم غضب بعض المصريين من أداء مرسى في الرئاسة، وقلقى الوحيد هو زيادة الانقسام في المجتمع بين قطبى التأييد والمعارضة.
■ ما توقعاتك لمظاهرات 30 يونيو؟
- ليس لدى أى توقعات عما سيحدث بعد 30 يونيو، ولكنى أعتقد أن دخول الحركات الشبابية في تلك المرة، كما حدث قبل اندلاع ثورة 25 يناير، سيحدث تحولاً كبيراً سنراه جميعاً.
■ هل من الممكن أن يستجيب مرسي لمطالب البعض ويترك الحكم أم سيعلن تشكيل حكومة جديدة فحسب؟
- في كل مرة أدرس الواقع السياسى المصرى وأستوعبه، يتضح لى أن هناك سوء فهم في المسألة، لذا من الصعب التنبؤ بما سيحدث.
■ إذن رحيل مرسي صعب؟
- أعتقد أن مرسي لن يترك الحكم طوعاً، وإذا قرر التخلى عن منصبه سيكون مجبراً سواء بسبب اندلاع أعمال عنف أو حدوث تدخل عسكرى، وليس اندلاع مظاهرات فحسب، وذلك يعتبر في نظرى من أقبح السيناريوهات المتوقعة.
■ أتقصد مثل ما حدث مع الرئيس السابق حسني مبارك؟
- رئاسة مبارك تختلف عن رئاسة مرسي.. في ظل حكم مبارك كان هناك شعور قوى بين المصريين بأن حكم مبارك باق ولا مفر منه، ولكن ثورة 25 يناير جعلت فكرة رحيل الحاكم ممكنة، وإذا نظرنا للوضع الحالى، نجد أن مرسى يتمتع بنسبة دعم كبيرة بين أنصاره، حتى وإن كانت أقلية، ولكنها فئة منظمة وقوية متمثلة في حزب «الحرية والعدالة» التابع لجماعة الإخوان المسلمين، ولذا إذا تخلينا مسألة إزاحة مرسى عن الحكم، سنجدها عملية غير سلمية بالمرة.
■ أليس من واجب الرئاسة التواصل مع مختلف القوى السياسية للتوافق حول قضايا بعينها؟
- أعلم بوجود محاولات عديدة من جانب رئاسة الجمهورية للتوسط مع أطراف المعارضة، ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل على مدى الشهرين الماضيين. ولذا أشعر بالقلق من موقف مظاهرات «30 يونيو» لأن كل طرف- الرئاسة والمعارضة- يرى أنه على حق 100% وأن الطرف الآخر عليه أن يخرس ويرحل بهدوء، وهذا ما جعل الوصول إلى حل وسط أمراً مستحيلاً.
■ وهل يعود الفشل إلى مؤسسة الرئاسة فقط؟
- أعتقد أن الأمر يرجع إلى طبيعة جماعة الإخوان المسلمين التى لا تعلم كيفية إيجاد حلول وسط، وأغلب أعضاء الجماعة لا يعرفون كيفية التفاوض مع أفراد من خارج الجماعة، حيث يفشل الرئيس مرسى في كل مرة يحاول فيها التواصل مع جموع المصريين، وأعتقد أن الأمر يرجع إلى افتقاره المهارات السياسية اللازمة وجماعة الإخوان المسلمين لا تعرف كيفية القيام بذلك.
■ ما رأيك فيما يتردد عن أن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، هو الذى يتحكم بزمام الأمور في مصر؟
- أقلق قليلاً بشأن ذلك، وأجهل طبيعة التعاملات السرية بين الرئاسة والجماعة كى أستطيع الحكم على تلك المسألة، ولكننى لا أعلم تحديدا من يحكم مصر، مرسى أم خيرت الشاطر أم غيرهما.
■ إذن ليس مرسي فقط هو من يحكم البلاد؟
- أعتقد أنه يعتمد على جماعة الإخوان المسلمين بشكل أكبر من اعتماده على ذاته، ولكننى أستطيع أن أقول إن مرسى بدأ الاعتماد بشكل أساسى على الجماعة منذ إصداره قرارات (22 نوفمبر) التى تضمنت الإعلان الدستوري، ومن هنا بدأت مأساة مصر وجماعة الإخوان المسلمين على حد سواء.
■ لماذا تعتبر ذلك مأساة بالنسبة للإخوان المسلمين؟
- لأن الجماعة تريد بناء مجتمع إسلامى بشكل أفضل وتنمية أوضاع الفرد والأسرة، ولكن الأمر تحول الآن إلى مساعدة الرئيس فقط، وهو ما دفعنى إلى إخبار أحد أصدقائى من داخل الجماعة أنهم سيشعرون بالندم من دخولهم إلى حقل السياسة بعد 10 سنوات من الآن بسبب اختلاط الدين مع السياسة.
■ دشن بعض النشطاء السياسيين حملة توقيع باسم «تمرد» لسحب الثقة من مرسى، هل تعد تلك الحملة مؤثراً على أرض الواقع أم أنها مجرد وسيلة للتعبير عن الرأى في نظرك؟
- تعتبر الحملة فعالة وناجحة في سياق تعبئة وحشد الجمهور، وهذه هى القضية المهيمنة على الساحة الآن، فحملة «تمرد» تمتلك زمام مبادرة الحشد الآن مع المعارضة، وعلى الرئاسة والجيش أن يستجيبا لتلك المسألة.
■ تحدثت من قبل عن وجود أزمة سياسية خطيرة في مصر، ما أذرع تلك الأزمة؟
- المشكلة الأساسية الأولى في مصر هى عدم وجود عملية سياسية شرعية، فالشعب المصرى يختلف في وجهات نظره بشكل كبير، وهذا أمر طبيعى، ولكنهم لا يحاولون إيجاد نقاط توافق في آرائهم، والمشكلة الثانية هى ضعف المجتمع السياسى، فمصر بها مجتمع ديمقراطى يتحدث بحرية عن كل شىء دون خوف أو ملل، ولكنها تفتقر إلى نظام سياسى ديمقراطى، والمشكلة الثالثة والأهم هى أن كل فئة تعتقد أنها تتحدث باسم الشعب المصرى، فعلينا أن نتذكر عندما قال «أنا رئيس لكل المصريين» والآن حملات المعارضة تقول إنها تمثل رأى الشعب، والجيش أيضاً يتحدث باسم المصريين، ولكن الحقيقة هى أن هناك اختلافات واسعة في الرأى بين المصريين جميعا.
■ وما رؤيتك للخروج من الأزمة السياسية الحالية؟
- من أهم مكتسبات ثورة 25 يناير هو توافق المصريين والالتفاف حول مصالح وطنية متشابهة، وهذا الأمر تبدد الآن، وفقد المصريون ثقافة تقبل اختلافات الآخر، فالأمر قد وصل إلى عدم سماع آراء أو أفكار الآخرين، فكل فئة تؤمن بما تراه فقط.. وفي هذا السياق يجب عليهم البدء في تعلم كيفية التعايش مع اختلافات نحو 90 مليون نسمة في البلاد.
■ اقترح بعض القادة السياسيين عودة الجيش المصرى للمشهد السياسى من جديد ومساعدة مرسى في تولى زمام الأمور في البلاد، هل هذه الخطوة مناسبة الآن؟
- لا أعتقد أن وجود الجيش في المشهد السياسى أمر جيد، وأخشى طرح هذا الحل باعتباره باب الخروج الوحيد من الأزمة الراهنة، وأعتقد أن الشعب المصرى تأكد خلال عامى 2011 و2012 أن تدخل الجيش في الحياة السياسية ليس أمراً على ما يرام، فالجيش مهمته الوحيدة هى الحفاظ على أمن وسلامة البلاد، ومن هنا أود أن أقول إن التدخل العسكرى لم يكن تطوراً إيجابياً في مصر.
■ بالنظر إلى العلاقات المصرية الأمريكية، شن العديد من السياسيين ونشطاء المعارضة هجوماً شديداً ضد السفيرة الأمريكية بالقاهرة، آن باترسون، بسبب معارضتها علناً للمظاهرات المقررة يوم 30 يونيو المقبل، ما رأيك في التدخل الأمريكى في شؤون البلاد؟
- لدى نصيحة واحدة للشعب المصرى فيما يتعلق بذلك الأمر «انسوا ما قالته باترسون وتجاهلوه» لأن القضية مصرية خالصة ولا دخل لأى دولة بها.
■ ولكن هناك تحليلات عديدة عن دعم واشنطن لجماعة الإخوان المسلمين؟
- الأمر برمته يعبر عن عملية سياسية بحتة، فإدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما تنظر إلى المشهد السياسى المصرى كالتالى: «الشعب المصرى هو من انتخب مرسى رئيساً، وإذا أرادوا تغييره فعليهم الانتظار حتى الانتخابات المقبلة، وطالما أن مرسى مستمر في منصبه، فنحن بجانبه».
■ وهل الأمر كان سهلاً على الإدارة الأمريكية للتواصل مع مرسى كما كان مع مبارك؟
- أعتقد أن واشنطن عانت كثيراً حتى تتعلم كيفية التواصل مع حكومة مرسى، ولكن بعد سلسلة طويلة من محطات العمل توصل الطرفان إلى علاقة لطيفة سواء بين الرئاسة والسفارة الأمريكية بالقاهرة أو مع البيت الأبيض بشكل مباشر.
■ وماذا عن الصورة التى تتخيلها واشنطن لمصر مستقبلاً؟
- واشنطن تريد رؤية مصر دولة مستقرة وتحافظ على اتفاقية السلام (كامب ديفيد) مع إسرائيل، فضلا عن تبنى برنامج اقتصادى قوى وتحقيق الديمقراطية على نطاق واسع.