بعد إعلان «عمر سليمان» تنحى الرئيس السابق محمد حسنى مبارك فى 11 فبراير 2011 عمت الفرحة شوارع مصر وميادينها وحواريها. انطلقت الرغبة فى تغيير الأوضاع وتجميل الوجوه بابتسامة مليئة بالأمل نحو مستقبل أفضل. تشكلت مجموعات من الشباب والفتيات فى كل الأحياء قاموا بتنظيف الشوارع وتلوين الأرصفة والأشجار بألوان العلم ووضع صناديق للقمامة فى الشوارع. ومر الوقت وبهتت ألوان العلم على الرصيف والأشجار واختفت غالبية تلك المجموعات وراء إحباط «عشش» فى الحوارى والشوارع ودماء لم تتوقف إراقتها وأحوال تمضى فى ظاهرها إلى الأسوأ ويشهد باطنها حراكا لا يعرف أحد إلى ما سوف ينتهى.
مجموعة «لمصر»، التى تشكلت فى المنصورة من مجموعة يتراوح عددها بين 20 و30 شخصا، كانت من بين المجموعات القليلة التى لم تترك ميدان العمل وتعود إلى المقاهى أو المكاتب انتظارا لما سوف تسفر عنه الأمور. استمروا فى الأعمال التنموية والخيرية من خلال قوافل توزيع ملابس على المحتاجين وقوافل طبية وتوزيع «شنط رمضان»، وفى الأعمال الثقافية نظموا حملة «اعرف» فى وقت انتخابات مجلس الشعب، ولم ينحازوا فيها لطرف على حساب الباقين، وإنما حملوا إلى الناس المعلومات التى يحتاجونها للتوصل إلى قرار انتخابى يعبر عنهم، ثم مشروع «أنت البداية» الذى انطلقوا فيه إلى المدارس الثانوية الفنية والعامة يتحدثون مع الطلاب حول كيف يكونون مؤثرين ومفيدين فى المجتمع. وأخيرا مشروع مكتبة Turn the page «اقلب الصفحة» المتنقلة التى تعتمد على مشاركة المواطنين بالكتاب وإيصالها لهم فى أماكن تجمعاتهم.
يقول «شادى زكى»، محاضر فى إدارة الأعمال واللغة الإنجليزية، أحد مؤسسى المجموعة، إن فكرة «اقلب الصفحة» نبعت من نشاطين آخرين للمجموعة هما «قراء المنصورة»، الذى يجتمع فيه مجموعة من الشباب فى أحد الأماكن العامة لممارسة القراءة؛ حيث يجلس كل فرد ومعه الكتاب الذى يريد أن يقرأه، وتكون المجموعة هنا مجرد حافز على الاستمرار فى القراءة، و«نادى الكتاب» الذى يناقشون فيه أحد الكتب بعد الإعلان عن موعد المناقشة بوقت يسمح للمشاركين بقراءة الكتاب قبل موعد المناقشة.
واجهت المجموعة خلال هذين النشاطين تحدى قلة القراء فى المنصورة للعديد من الأسباب منها ارتفاع أسعار الكتب، وقلة الكتب الشبابية، وعدم وجود بعض الكتب فى المكتبات العامة، إلى جانب «كسل» البعض فى التوجه إلى تلك المكتبات. قرروا أن يصلوا بالكتب إلى المواطنين فى أماكن تجمعاتهم من خلال مكتبة صغيرة متنقلة تجمع كتبها من المواطنين أنفسهم، بحيث يسهم كل من يريد الاشتراك فى المكتبة بخمسة كتب لا يهم سعرها ولا أن تكون جديدة أو قديمة ويحصل على «استمارة عضوية» تمكنه بعد ذلك من استعارة كتب وإعادتها أو استبدال كتبه الخمسة بخمسة كتب أخرى.
تأخذ مكتبة «اقلب الصفحة» المتنقلة شكل صندوق «البيانولا» الذى اختفى بموسيقاه من شوارعنا منذ فترة طويلة. وتقول «جهاد محمد عبدالحميد»، واحدة من مؤسسى المجموعة، إن فكرة تصميم المكتبة المتنقلة على شكل «البيانولا» جاءتها أثناء التفكير فى كيفية نشر فكرة القراءة بين الناس «جاتلى فكرة إننا نشيل بيانولا زى بتاعة زمان على ضهرنا وننزل بيها فى الجامعة أو فى الشارع، نحط فيها الكتب ونشغّل فيها شوية مزيكا، عشان تكون حاجة جديدة تلفت الانتباه وتخلى الناس تيجى تشوفنا بنعمل إيه وتشجعهم على القراءة والاشتراك معانا فى المكتبة».
اتجهت المجموعة إلى «نجار» لتنفيذ المكتبة التى خرجت فى النهاية ثقيلة بشكل يصعب فيه على فرد واحد حملها، خاصة وهى ممتلئة بالكتب، فقررت المجموعة تصميم حامل معدنى بعجلات يسهّل تحريك المكتبة، إلى جانب وضع بعض المكتبات فى أماكن تجمع للشباب بدأت بأحد مراكز الدورات التعليمية، على أن تكون تلك المكتبة الثابتة للاطلاع فقط، خاصة فى أوقات عدم تواجد أى من شباب المجموعة إلى جوار المكتبة فى تلك الأماكن. ويمول شباب «لمصر» تكلفة المكتبة المتنقلة بشكل ذاتى، ووصل عدد الكتب الموجودة بها الآن إلى حوالى 650 كتابا.