قال الدكتور حسين العطفي وزير الري الأسبق إن مشروع سد النهضة يعد «عملاً انفرادياً»، وفرضاً لـ«الأمر الواقع»، ولا يمكن أن تتم تنمية إثيوبيا على «أنقاض» التنمية في مصر، مشيراً إلى أن أديس أبابا كانت «متعجلة» في الإعلان عن إنشاء السد، وتصرفها «غير مبرر».
ووكشف «العطفي»، في حواره الأول للصحافة بعد خروجه من الوزارة، عن أن هناك هجمة «شرسة» على الاستثمار الزراعي الخليجي في إثيوبيا، بينما يزداد التواجد الأجنبي في مختلف مجالات الاستثمار خاصة من إيران وإسرائيل والهند والصين، مشيرًا إلى أن المخطط الإثيوبي لطرح 12 مليون فدان للزراعة هو الأكثر خطورة على تدفق النيل إلى مصر في حالة استغلال مياه التخزين أمام سد النهضة الإثيوبي.
وإلى نص الحوار:
■ بم تفسر الموقف الإثيوبي بالإعلان عن تحويل مجرى النيل استعدادًا لإنشاء سد النهضة؟
- تحويل المجرى يعد عملاً انفراديًا غير ودي ويخالف كل الأعراف الدولية ويفرض سياسة الأمر الواقع، ويجب أن يكون لدى وزارة الري البدائل والخيارات من خلال خطة تحرك مستقبلي للحفاظ على الأمن المائي المصري، فكيف تقبل إثيوبيا أن تقوم تنميتها على «أنقاض» التنمية في مصر، ويجب مراجعة الوضع والموقف الإثيوبي خلال المرحلة السابقة لأننا شركاء في الهدف، ومبادئ الأعراف الدولية تشمل عدم الإضرار بالحقوق والاستخدامات الحالية، والجانب الإثيوبي تحرك نحو إنشاء سد النهضة دون التشاور وإخطار مصر ودول حوض النهر.
■ لماذا تراجع دور الدبلوماسية المصرية في حل أزمة سد النهضة؟
- على الرغم من الجهود المصرية التي بذلتها منذ الستينيات لتعزيز التعاون مع أفريقيا إلا أنها لم تنجح في إقناع دول حوض النيل ومنها إثيوبيا بأن مصر في وضع مائي «حرج» وأن مواردها المائية محدودة، وأن هناك فجوة مائية كبيرة تتجاوز الـ10 مليارات متر مكعب من المياه، بالإضافة إلى الفجوة الغذائية حيث نستورد 50% من غذائنا، ونحن لا نمانع في إقامة مشروعات تنموية مشتركة طالما لا تضر بأي دولة من الدول، ومصر تتفهم متطلبات دول حوض النيل، ولكن المشكلة أن بعض الجهود لم تصل إلى هذه الدول مثل التبادل التجاري المنشود للمواطن الأفريقي على ارض الواقع بما يحقق التوازن في هذه المعادلة، وهو ما يتطلب أن نعيد النظرة إلى مواقفنا لإحداث التقارب والثقة بين الشعوب وصانعي القرار وتفهم كل دولة لاحتياجات الدول الأخرى خاصة أن 90 مليون مصري يعيشون على النهر وعلى دول حوض النيل أن تدرك ذلك في إطار التعاون بين هذه الدول.
■ ما درجات اعتماد دول الحوض على نهر النيل؟
- مصر تعتمد بنسبة 100% على نهر النيل بينما يقل ذلك ويتناقص في باقي دول الحوض، والسودان تعتمد عليه بنسبة 75%، بينما تصل هذه النسبة إلى 55% في إثيوبيا، لتنخفض هذه النسبة إلى 30% كما في الكونغو الديمقراطية، حيث يصل نصيب الفرد فيها إلى 30 ألف متر مكعب من المياه سنويًا، مقارنة بـ650 مترًا مكعبًا للفرد في مصر.
■ وما درجة اعتماد إثيوبيا على النهر؟
- أديس أبابا لديها 12 حوضًا نهريًا، والمياه المتجددة لديها تتجاوز الـ120 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، وهناك وفرة مائية في دول حوض النيل تصل طاقاتها المائية إلى 1660 مليار متر مكعب من المياه، وما تحصل مصر والسودان عليه من مياه لا يتجاوز 5% سنويًا، في حين أن إجمالي ما يسقط على الهضبتين الإثيوبية والاستوائية يصل لأكثر من 7 آلاف مليار متر مكعب سنوياً، والتفاوض يجب أن يسير في مقترحات محددة، للاستفادة من مشروعات استقطاب فواقد النهر، مثل مشروعات «البارو – أكوبو»، ومستنقعات مشار، وبحر الغزال، لتستقطب في حدود 30 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يثير أهمية البدء الفوري في هذه المشروعات، على أن يتم تمويل هذه المشروعات من الدول المانحة والمنظمات الدولية المعنية بالاتفاق بين دول حوض النيل، جنباً إلى جنب مع سير المفاوضات بين مصر ودول حوض النيل.
■ ماذا عن سد النهضة؟
- بدء الإعلان عن السد بعد ثورة 25 يناير مباشرة، رغم أنه كان حلمًا إثيوبيًا قديمًا لإقامة عدد من السدود على النهر، بدعم أمريكي في ذلك الوقت، منذ الستينيات خلال فترة ولاية الرئيس جمال عبد الناصر عندما قرر إنشاء السد العالي، وهو ما دعا الولايات المتحدة لتقديم الدعم الفني لإثيوبيا ردًا على خطوة عبد الناصر بإنشاء السد العالي، حيث خططت إثيوبيا لإنشاء 33 سدًا على روافد نهر النيل، إلى أن تبدلت الاستراتيجيات بعد ذلك بسبب الحرب الباردة خلال حقبة الستينيات ثم السبعينيات، وتم تحديث دراسات السدود الإثيوبية بمعرفة الاتحاد السوفيتي بعد ذلك، ثم أوروبا عن طريق بعض الدول مثل هولندا، والظروف في ذلك الوقت لم تساعد إثيوبيا لكي تعلن عن سد النهضة.
■ لماذا التعجل الإثيوبي بالإعلان عن السدود رغم تعهدها بعدم الإضرار بمصر؟
- التصرف الإثيوبي غير «مبرر»، رغم أن البعض يرى أن ذلك كان نتيجة لانشغال مصر بأمنها الداخلي على حساب علاقاتها الخارجية، وهناك أطماع من قوى دولية وإقليمية لها توجهات في دول حوض النيل مثل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والصين وإيران ولديهم «تغلغل ونفوذ» في هذه الدولة، وهناك ميراث إثيوبي «حساس» تجاه مصر، فعندما تركب التاكسي تكتشف أن المواطن الإثيوبي لديه قناعة بأن مصر تستحوذ على مياه النيل وعلى الأراضي الإثيوبية، وهو ما نتج عنه تغليب للغة المصالح والتحالفات والأبعاد السياسية عن الأبعاد التنموية، وإثيوبيا ليست لديها إرادة سياسية لتعظيم العمل الجماعي، وهو ما ترتب عليه غموض الموقف في جنوب السودان الذي يسعى للانضمام لاتفاقية عنتيبي بعد انضمامه إلى مبادرة حوض النيل، وهو ما يصب في ضرورة تعزيز التعاون بين مصر والسودان شمالها وجنوبها كأحد المحاور للتحرك المصري، باعتبارهما العمق الاستراتيجي لمصر.
■ ما دور الإعلام في ترسيخ الصورة السلبية عن مصر؟
- نجح الخطاب الإعلامي الإثيوبي في أن يظهر مصر تستأثر بنصيب الأسد من مياه النيل، وأنها ضد مشروعات التنمية في دول حوض النيل، مما أكسبهم تعاطفًا دوليًا، وهو يحتم على الإعلام المصري توضيح الحقيقة بأن مصر ليست ضد التنمية في دول حوض النيل.
■ ماذا عن حقيقة الخلاف بين مصر وإثيوبيا؟
- الخلاف ليس على المياه ولكنه خلاف سياسي، تحكمه لغة المصالح والتحالفات والتدخلات والأطماع الإقليمية، وهناك جهات مستفيدة ذات مصالح، زاد تغلغلها في القارة الأفريقية وفي دول حوض النيل بصفة خاصة، مما أدى إلى تسييس قضايا المياه، ويظهر ذلك عندما يتحدثون عن الحقوق المكتسبة، وأن اتفاقيات المياه قديمة تمت في فترات الاحتلال وعدم استقلال الدول، وأنه لا يعتد بها رغم أن الأعراف الدولية تعترف بهذه الاتفاقيات، لأنها اتفاقيات متوارثة طبقًا لاتفاقيات الحدود، وطبقا لاتفاقية فيينا لعام 1979، وعدم الاستقرار السياسي في بعض دول حوض النيل يفرض «أمورًا» على المفاوضين من هذه الدول، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية لدول حوض النيل خلال الانتخابات البرلمانية مما يؤدي إلى اتجاهها إلى «العنترية»، وتنامي الدور الإقليمي لبعض الدول مثل إثيوبيا.
■ ما الأخطاء التي وقعت فيها أديس أبابا في التعامل مع مشروعها المائي؟
- كان من الأجدر أن تؤجل إثيوبيا تحويل مجرى النيل الأزرق حتى يتم الإعلان عن نتائج تقرير اللجنة الثلاثية، رغم أن رأيها استشاري فقط، وليس لها سلطة القرار لكنه مؤشر عما سيسببه سد النهضة، وكان على اللجنة أن تدرس باقي المخططات الإثيوبية لإقامة سدود أخرى على نهر النيل وروافده والبالغة 3 سدود بالإضافة إلى سد النهضة، لأن الجانب المصري له تحفظات على إنشاء السدود على النيل الأزرق، وهو ما يستوجب استكمال الدراسات حول الآثار السلبية للسد على مصر والسودان.
■ ما دور الدولة في التعامل مع ملف النيل؟
- هناك رسائل يجب الاهتمام بها، وهي ضرورة وضع المياه على رأس أولويات الدولة السياسية، ويجب أن تسعى مصر بالتنسيق مع المجتمع الدولي لتوفير الضمانات التي تمنع إثيوبيا من الاستمرار في سياسة إنشاء السدود على النيل الأزرق إذا كنا نتحدث عن تبادل المصالح والمنافع.
■ وماذا تقترح؟
- يجب أن يكون هناك كيان مستقل تكون مهمته إدارة ملف المياه وعلاقات مصر مع دول حوض النيل بمشاركة مجموعة من الخبراء والفنيين والقانونيين والمختصين والدبلوماسيين تكون مهمتهم فقط إدارة هذا الملف، بالإضافة إلى التحرك السياسي والإعلامي وقد تم عرض هذا الكيان على مجلس الوزراء في حكومة الدكتور عصام شرف كما تم عرضه على المجلس العسكري، والدبلوماسية الشعبية كان لها تأثير في التقارب بين مصر ودول حوض النيل ولكن المشكلة في عدم تنسيق جهودها مع الأجهزة الفنية لإدارة الملف.
■ هناك اتهامات لمصر بتجاهل ملف التنمية في دول الحوض، كيف ترى ذلك؟
- مصر تتفهم دور التنمية في دول حوض النيل ونحن مستعدون لشراكة حقيقية لتحقيق هذا الهدف من خلال تنفيذ مشروعات مشتركة تحقق المنافع للجميع، وعلى إثيوبيا أن تدرك أن هناك 90 مليون مصري يعتمدون بصفة أساسية على نهر النيل، وأن تعرف أن مصر في وضع مائي «حرج»، حيث تحتاج إلى حصة مائية إضافية وليس تخفيض الحصة الحالية باعتباره مطلباً عادلاً، والتعامل مع السدود الإثيوبية يجب أن يكون «قرار» دولة يشعر إثيوبيا ودول حوض النيل أنها قادرة على الحفاظ على حقوقها المائية وثوابتها، وليست «منشغلة ومنكفئة» على أمنها الداخلي على حساب أمنها المائي وعلاقاتها الخارجية، ويجب أن نتحرك من خلال رؤية واستراتيجية واضحة تحافظ على الثوابت المصرية، مدعومة بإرادة سياسية، ومستندة على حجج قانونية، توضح أن مصر تحافظ على حقوقها المائية وفي نفس الوقت لا تمانع، من إقامة مشروعات مشتركة، وأن نهج التعاون هو استراتيجية، وعندما يمس أي قرار يتعلق بالأمن المائي مصالحنا تصبح جميع الخيارات متاحة أمام متخذي القرار، وخطة التحرك ترتبط بالتحرك مع السودان شمالًا وجنوبًا، لتوحيد الرؤى، بما يحقق المصالح الحيوية لمصر والسودان، ثم التحرك مع الجانب الإثيوبي الذي يحتاج إلى المصارحة والمكاشفة بكل الشواغل المصرية لهذا السد أو مجموعة السدود الأخرى التي تخطط إثيوبيا لإقامتها على النيل الأزرق، على أساس تبادل المنافع والمصالح المشتركة.
■ ما حل الأزمة من وجهة نظرك؟
- البدائل الفنية للتعامل هي الحل، ويتم ذلك من خلال دراسة شاملة تضمن تحقيق أهداف إثيوبيا من توليد الطاقة الكهربائية وتضمن تدفقًا مستمرًا لمياه النيل، وذلك بمراجعة تصميم سد النهضة والسدود الأخرى وتحديد السعة التخزينية للسدود والعودة للتصميم الأصلي للسد وهو سد «بوردر» لتخزين 14 مليار متر مكعب من المياه، ثم التحول إلى سد الألفية بسعة 60 مليار متر مكعب، ثم سد إكس ثم أخيرًا سد النهضة بسعة 74 مليار متر مكعب من المياه، ويجب أن تستهدف الدراسة تحقيق الهدف الإثيوبي بتوليد الكهرباء من السد من خلال سعة تخزينية أقل، وإنشاء مجموعة سدود صغيرة لتلبية هذه الأهداف، مع تقديم الجانب الإثيوبي لضمانات تتعلق بالتشغيل، وعدم استغلال مياه التخزين لأغراض الزراعة وضمان تمرير المياه خلف السد، والتواجد المصري الدائم خلال مراحل التشغيل والإدارة وتنفيذ مشروعات مائية مشتركة مع إثيوبيا والسودان وجنوب السودان لاستقطاب فواقد النهر، على أن تبدأ فورًا، في مستنقعات مشار وبحر الغزال، وقناة جونجلي حتى تزيد من تصرفات نهر النيل سواء الأزرق أو الأبيض.
■ ماذا عن التحرك الدولي؟
- يجب أن نبدأ تحركًا دوليًا من أجل توضيح الموقف المصري، ووضعنا المائي الحرج، وتوضيح أن مصر مستعدة لتقديم خبراتها لدول حوض النيل، والتحرك مع المجتمع الدولي والقوى الدولية المؤثرة والاتحاد الأفريقى، والمجتمع الإسلامي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وجمعيات المجتمع المدني وجمعيات حماية البيئة.
■ هل لنا أن نعرف بالتفاصيل ما الآثار السلبية لسد النهضة؟
- متوسط التأثير السلبي يصل إلى 9 مليارات متر مكعب من الإيراد الطبيعي لنهر النيل خلال فترة الإنشاء والتي تبدأ من العام القادم، وهي تكفي لزراعة 2 مليون فدان، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على البحيرات الشمالية والثروة السمكية، والمؤشر الثاني هو نقص الكهرباء المولدة من السد العالي بما يوازي 25%، بينما سيؤدي نقص الحصة المائية إلى وجود 2 مليون أسرة في طابور البطالة، بالإضافة إلى تأثير ذلك على محطات مياه الشرب والدلتا التي ستصلها المياه بنوعية غير جيدة، وسيكون التأثير أكبر في حالة استخدام السد في غير توليد الطاقة الكهربائية، خاصة في ظل الهجمة الشرسة في الاستثمار الزراعي، في دول حوض النيل وخاصة إثيوبيا والسودان وأوغندا، وتقوم بها دول خليجية، بالإضافة إلى استثمارات أخرى من الهند والصين وإسرائيل في دول أعالي النيل، وهناك معلومات بأن إثيوبيا طرحت ما يتراوح ما بين 12- 15 مليون فدان للزراعة، وهو ما سيحول تأثير السد إلى الأشد ضررًا، بالإضافة إلى أن أديس أبابا تخطط لإقامة مجموعة من السدود لتخزين 200 مليار متر مكعب من المياه، مما سينعكس على ارتفاع الفجوة الغذائية، بالإضافة إلى خطر استراتيجي أخطر وهو نقل التخزين من أمام السد العالي إلى السدود الإثيوبية، وهو ما يفرغ السد العالي من دوره خزان «قرنى».
■ ماذا عن درجة الأمان في سد النهضة الإثيوبي؟
- معامل الأمان يصل إلى 1.8 مقارنة بـ8 درجات هي معامل الأمان في السد العالي، ويعود انخفاض معامل الأمان في السد الاثيوبي بسبب إنشائه في منطقة جيولوجية صعبة وسيكون أكثر عرضة للزلازل بسبب المخزون الكبير من المياه، مما سيعرضه للانهيار، وسيكون له آثار سلبية خطيرة على السودان ومصر، وهو ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار خلال جولات المفاوضات القادمة.
■ هل ترى مطلب زيادة حصة مصر من مياه النيل «عادلا»؟
- مطلب تعديل حصتنا المائية من النيل «مطلب عادل»، خاصة أن الموارد المائية للنهر كبيرة، ومنها مشروعات استقطاب فواقد النهر في المستنقعات، والتي تحقق زيادة في إيرادات النهر تصل إلى 150 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى توفير 14 مليار متر مكعب في جنوب السودان، حيث تصل الموارد المائية في جنوب السودان إلى 530 مليار متر مكعب لا يصل منها سوى نصف مليار إلى نهر النيل، وهو ما يجعل جنوب السودان هو مستقبل مصر المائي وهو ما يعني أن مطالبة مصر بزيادة حصتها المائية أمرًا عادلًا.