جاء حوار «المصرى اليوم» مع الناقد الدكتور صلاح فضل، ليستقرئ بعقل المثقف والسياسى ما تنتظره مصر خلال الأيام المقبلة.
«فضل» أثنى على حكم «الدستورية» وعلق عليه بأنه أعاد القانون لصوابه، وفضح العوار الشديد فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، كما دافع بشدة عن المرحلة الانتقالية التى قادها المجلس العسكرى، والضغوط أوقعته بين شقى الرحى بين ما تمارسه «الجماعة» من لى لذراعه من جهة، وبين ضغوط شباب الضباط الذين ساءهم هتاف المصريين بإسقاط مؤسستهم.
«فضل» أكد أنه كان يحسن الظن بقيادات الإخوان فى أنهم لن يمسوا الثقافة لأن مصر هى رائدة النهضة العربية، لكنه تفاجأ بوضعهم لوزير لم يعرف عنه أى كفاءة ولم يضع أى إضافة فى الحقل الثقافى، كما قال إن التاريخ سوف ينصف الشعب الذى ثار فى 25 يناير وبهر العالم، وسيكشف وجه التيارات الدينية الحقيقى التى قفزت على الثورة وسخرتها لمصالحها. والى نص الحوار:
■ ما رأيك فى حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس الشورى؟
- قرار المحكمة شديد الدقة والتوازن، ويُراعى المصلحة العليا للوطن، بإعمال مبدأين أساسيين: الأول هو التطبيق الصحيح لأحكام الدستور، لأنه كان من الواضح وجود عوار فاضح فى طريقة انتخابات مجلسى النواب والشورى، فهى تعيد القانون إلى صوابه، فقرار «الدستورية» بحل «النواب» السابق لم يكن عشوائيا، رغم الاعتراضات التى قدمت عليه، وإنما كان صائبا، ويقتضى بالضرورة حل «الشورى»، أما المبدأ الثانى جاء لإعمال المصلحة العليا للبلاد، وعدم ترك فراغ تشريعى، إعمالا أيضا للمادة الملحقة بالدستور الجديد بمد أعمال مجلس الشورى لحين تشكيل مجلس النواب، كما راعت المحكمة فى كلا الأمرين شيئا فى منتهى الأهمية، فى أن بطلان التشكيل سواء فى مجلس الشورى أو لمعايير تأسيس لجنة وضع الدستور لا يترتب عليه بطلان هذه المعايير، وانسحاب هذا البطلان على ما أنتجته هذه المؤسسات من نتائج، وهى القوانين التى أصدرها مجلس الشورى والدستور الذى تم التصديق عليه، ومن الواضح أن الهجوم الظالم العشوائى الغوغائى الذى تعرضت له المحكمة الدستورية، والتقليل من شأنها لم يكن يستند على أى أساس فقهى أو دستورى أو للمصلحة العامة، والموقف العدائى الذى أُتخذ منها كان مضادا للقانون وللدستور وللسلطة القضائية لم ينته حتى الآن، وتحرش مجلس الشورى الحالى بالقضاء ومحاولة تعجيل بقانون انتقامى منه يخفض سن القضاة، من الواضح أنه يسير فى اتجاه بدأته «الجماعة» منذ توليها السلطة وخرقها للدستور والقانون، وتغولها على السلطات القضائية، وعدم مراعاتها التوافق الوطنى، وإفسادها الحياة السياسية.
■ هل تعتقد أن بهذا الحكم نعود لنقطة الصفر؟
- لا إطلاقاً، هو لا يردنا خطوة واحدة نحو الخلف، لكن سياسة جماعة الإخوان هى التى تجعلنا ندور فى حلقات مفرغة، ومن الواضح أن إفلاسهم الشديد سواء كان فى المشروع الاقتصادى الذى تبين أن أباطيل لا أساس لها، أو فى السياسة والسلطة، وإقصائهم وعنادهم فى تهميش القوى الأخرى، وخطواتهم العشوائية فى الاعتداء على الدستور ابتداء من الإعلان الدستورى، كل ذلك أنتج أمرين فى الحياة المصرية فى غاية الخطورة، الأول: عطل مسيرة التطور الحضارى، والتنمية الحقيقية فى سبيل تحقيق أغراضها، فليس هناك أى حل يقدمونه لأى مشكلة فى البلد، بل هم يصعدون بسياستهم الخرقاء تفاقم المشاكل، لتظهر قضايا لم تكن مطروحة من قبل، وأصبحنا نعيش فى ظلام بانقطاع الكهرباء، وظلمة بخطواتهم الجديدة بسيطرتهم على الأجهزة الثقافية، وإغلاق النور فيها، إلا دليل على هذا الإفلاس الشديد.
■ كيف ترى حكم حل التأسيسية مع الإبقاء على الدستور الذى نتج عنها؟
- عندما كنت عضوا فى اللجنة الفنية العليا للجمعية التأسيسية، عمل فيها مجموعة من الأعلام الكبار، منهم الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، الدكتور حسن نافعة، الدكتور ثروت بدوى، والدكتورة سعاد الجوهرى، وضعنا أيدينا على 66 مادة معيبة تحتاج لتعديل، وقدمنا قائمة بها، وطلبنا من «الغرياني» مناقشتها، لكنه قال إن الوقت ضيق، وضربوا بها عرض الحائط، وطرحوا الدستور للتصويت وهم يعدون بتصويبه، هذا حمق ليس هناك أشد منه، وتلك العيوب بدأوا هم يعانون منها الآن، وليس هم فحسب وإنما مصر كلها.
المحكمة الدستورية نصت على أن بطلان المعايير لا يلغى النتائج، وهى فعلت ذلك مواءمة للصالح العام، رغم أنه كان من المفروض بعد أن ألغى السبب تلغى النتيجة، وصحيح أن هناك آراء تقول إن هذا البطلان لابد أن يجب النتائج، وهذه وجهة نظر لها معقوليتها.
■ لو كانت المحكمة أقرت ببطلان الدستور بالتبعية بعد حل «التأسيسية» مما يعنى ضرورة وضع دستور جديد.. هل كان يمكن استدعاء أحد الدساتير القديمة والعمل به لتفادى الأجواء المضطربة التى خرج فيها الدستور الأخير؟
-لا ليس هذا حلاً على الإطلاق، فالمواد المعيبة جوهريا تحتاج إلى تصويب حقيقى، وهناك أخرى بديلة لها ومجهزة، تتطلب إرادة سياسية لتغيرها على أن تتحرى محاولة الإخوان التزلف للشارع بادعاء الدفاع عن الدين، استمرارا لفكرة الاتجار بالدين، وهذا عيب جوهرى فى السلطة القائمة وفى الأحزاب التى قامت على أساس دينى، ودعوتهم إلى أن يكفوا عن ذلك ليست منطقية لأنهم قاموا على هذ الأساس، وبالتالى ليس من المنطقى أن نستدعى دساتير قديمة، خاصة بعد أن شغل الفكر الدستورى المصريين خلال العام الماضى، وهذا نتيجة إيجابية، وهذا نجده رأى العين الآن، أن الإخوان لم يتمكنوا على الإطلاق من فرض الأمر الواقع، ولا من إسكات الأصوات المعارضة، ولا من قمع الشعب مرة أخرى، ولا من الاستمرار فى برامجهم الممنهجة للتمكين.
■ أيهما أرحم على مصر، الحكم العسكرى أم الحكم الدينى؟
- كلاهما شر، لأننا عانينا من الديكتاتوريات العسكرية، مهما كانت إيجابياتها، وتطلعنا إلى مستقبل نقيم فيه تجربتنا فى التحول الديمقراطى، لكن أن ينتهى الأمر إلى وصول جماعات دينية تضلل الشعب والمهمشين وترشوهم رشوة علنية وتبتز مشاعرهم الدينية لكى تقفز على السلطة، فهذه مكائد فى الحياة العامة وعقبات فى التطور السياسى، كان الحكماء والمفكرون يعرفون أننا سنمر بها، وستكون مرحلة مؤقتة.
الفاشية الدينية لا يمكن أن تعيش فى القرن الـ21، لأنها ضد طبيعة التطور الحضارى للمجتمعات العربية الإسلامية، كما أنها تتمثل فى الفهم الحرفى الضيق لبعض النصوص دون محاولة التعمق فى إدراك أسباب التشريع والمصالح المرسلة، وما يراه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، دون أن تدرك الوجهة الحقيقية لجوهر الدين الإسلامى، فى أنه يقترن دائما بالخير والحق والجمال، وتحقيق صالح الجماعة، وأن المبدأ الجوهرى الذى يرفضه أنه لا ضرر ولا ضرار، هم ينادون فى بعض التفصيلات الحرفية فيما يزعمون أنه تطبيق الشريعة، ينجم عنها أعظم الضرر، سواء كان فى حياتنا الاقتصادية إذا طبقوا وعيهم المحدود باعتبار أن الحياة البنكية من الربا مثلا.
■ ما بين الحكم الدينى والعسكرى.. هل كتب على المصريين النضال طوال حياتهم ضد الأنظمة التى تحكمهم؟
- المصريون ليسوا بدعا من الشعوب، وليست لهم خصوصية فى تجربة التطور الديمقراطى الحديث، فهم مثل بقية الشعوب النامية لم تجرب إلا تجارب محدودة وقصيرة الأمد، منذ مطلع القرن الـ20 بعد الفترات النيابية الديمقراطية، نتيجة للاحتلال والسلطات التى كانت قائمة، وعدم نضج آلية التطور، ولكى ينطلقوا للمستقبل لا سبيل أمامهم إلا أن يعثروا بجهدهم الخاص على البوصلة التى ترشدهم بخبرتهم الذاتية إلى تداول السلطة عن طريق الديمقراطية، قد تعيرهم بعض الشعوب الأخرى أن تاريخهم عريق فى الديكتاتورية منذ الفراعنة، لكن لنتذكر أن النظام الفرعونى فى عهوده كان من أفضل النظم الإنسانية مقارنة ببشر كانوا يعيشون فى الكهوف مع الحيوانات، والديكتاتورية الفرعونية لو صحت تسميتها هكذا، فهى مسألة تنتمى للتاريخ السحيق ولا تتأصل فى جينات المصريين أو تحكم حياتهم اليوم أو تصادر مستقبلهم فى الغد.
الأحكام المطلقة زائفة، وفى تقديرى أن الديمقراطية مثل السباحة، تعلمها يكون بالممارسة، ونحن على البر لو حفظنا آلاف الدروس فيها لن يجدينا هذا شيئا، لابد أن ننزل بأقدامنا فى الماء، ونشهق وندافع عن أنفسنا، ونعرف كيف نطفو بأجسادنا، وما نتعرض له من درافيل ضخمة تشدنا إلى القاع لا تريد لتداول السلطة أن يتم، والمضحك أنهم يطفون على السطح بآلية الصندوق ثم يكفرون الديمقراطية، ويلعنونها، وهذا طبعا عن جهل بطبيعة الحال، والإنسان المصرى البسيط يكتشف الخدع الدينية من ناحية، والسراب العسكرى من ناحية أخرى، فكلاهما أمر من الآخر.
■ قيل إن الإخوان تواطأوا مع المجلس العسكرى ليسلمهم السلطة مقابل خروجه الآمن، وأن المجلس الاستشارى اشترك مع «العسكرى» فى كل القرارات التى ثار ضدها المصريون.. كيف ترى الأمر؟
- هذه اتهامات عشوائية زائفة، ما أستطيع أن أقوله بخبرة الشهور التى قضيتها فى المجلس الاستشارى منذ التشكيل الأول الذى ضم كل الأطياف إلى المجموعة التى بقيت حتى النهاية، هو عدة نقاط جوهرية:أولا المجلس العسكرى كان يريد أن يحافظ على مدنية الدولة، وفى الآن ذاته كانت جماعة الإخوان تلوى ذراع «العسكري»، وترفض أى توافق سياسى على معايير تشكيل الجمعية التأسيسية، وتهدد بإثارة الشغب لو حدث توجه ضد مصالحها، ثانيا أن المجلس الاستشارى كان همه الأساسى، المرور بالفترة الانتقالية الى بر الأمان، والوصول إلى انتخابات رئاسية حرة، وتسليم السلطة لرئيس مدنى منتخب، الأمر الثالث وهو بالغ الأهمية أنه كان هناك صفقة بين المجلس العسكرى والإخوان من أجل الخروج الآمن هذا وهم كبير، لأن الأول لم يكن يظن أنه بحفظه على الأمن بقوات من الجيش بعد انهيار الشرطة، ومحاولته فرض النظام والقانون وسقوط بعض الضحايا، أنه قد ارتكب أى جريمة، فهو كان يرى أنه حمى الثورة وصانها، وأن الشغب الذى كان يحدث ويقع فيه ضحايا لا ذنب له فيه، وإنما أطراف أخرى، وقد أسهمت الأحداث التى حدثت بعد رحيله فى تأكيد هذه الحقيقة، فمن سقطوا فى كل المظاهرات التى وقعت بعد انتخاب الرئيس لم يكن هناك مجلس عسكرى ليتحمل مسؤوليتها، أو ينجو من العقاب فيها، وإنما كان طبيعة التفاعل المجتمعى والحراك الثورى، والصراع فى الشارع، وفكرة انعدام الأمن الذى أدى لسقوط ضحايا، كان «العسكرى» شديد الفزع من ذلك، وكان يحاول أن يتفادى ذلك بأقصى ما يستطيع، وأصيب بصدمة حقيقية عندما هتف الشعب بإسقاطه.
■ إذن من يتحمل مسؤولية كل الدماء التى أريقت فى حكم المجلس؟
- لا أدخل فى تفصيلات، فالجهات القضائية فقط هى التى تستطيع تحديد المسؤولية، ليس هناك أى أحد بوسعه أن يبرأ أو يدين، وأذكر فى آخر اجتماع للمجلس الاستشارى مع المجلس العسكرى، قلت بشكل واضح إن كثيرا من الرأى العام المصرى، يتهم المجلس العسكرى بأنه وراء كل الأحداث الدامية التى حدثت، وأننا إذا سألنا الناس لماذا يدبر المجلس العسكرى ذلك، قالوا من أجل أن يبقى فى السلطة، ولذلك فإن تسليمكم للسلطة فى موعد ذلك، سيكون شهادة دامغة ببراءتكم من هذه القصة، وسوف يتضح للجميع حينئذ أنكم لم تكونوا طامعون فى السلطة، فسلموا السلطة حتى تبرأ ذمتكم أمام التاريخ، فأجمع الحاضرون من المجلس العسكرى على الموافقة، وكان معهم المشير طنطاوى، وقال لا تشكوا فى أننا سنسلمها فى 30 يونيو، ونتمنى أن يتبين الشعب أن اتهاماته لنا كانت خاطئة، وحدث فى ذلك الوقت شىء لا يلتفت الناس إليه، هو أنه فى الأسابيع الأخيرة قبل تسليم السلطة، صدر الإعلان الدستورى المكمل الذى يعطى المجلس العسكرى حق التشريع لحين انتخاب مجلس نواب، وهو الذى ألغاه «مرسى» فى أول إعلان له، وبالرغم من أن المجلس الاستشارى لم يشترك لا فى اقتراح ولا فى صياغة هذا الإعلان المكمل، إلا أننى تيقنت أن الهدف الأساسى منه لضمان استمرار التيار الذى كانت تدعمه القوات المسلحة، لضمان الحكم المدنى، وصياغة دستور لا يحولها إلى دولة دينية، والآن الناس نسيت أنه أجتهد فى ألا تتحول مصر إلى دولة دينية، لكنه فى الآن ذاته احترم نتائج الانتخابات وسلم السلطة.
المجلس العسكرى مورست عليه ضغوط شديدة، فكان واقعاً بين شقى الرحى، الضغط من جانب شباب الضباط الذين كان يسؤوهم أن يهتف بسقوط الجيش فى الميادين، وضغط من جانب الإخوان، وتهديداتها بإحراق القاهرة لو لم يتأكد فوز «مرسى»، وهذا لا يعنى أن المجلس خاف منهم، لكنه راعى المصالح العليا لمصر، فأى عمل سياسى لا يخلو من المواءمات، وهذا ما نفتقده الآن فى الحكم الإخوانى، فهم لا يراعون اعتبارات المواءمة مع القوى السياسية الأخرى، رغم الوعود التى أطلقها «مرسى»، بالمشاركة والتوافق، ثم انتهى الأمر إلى أن الأباطرة فى مكتب الإرشاد يديرون رئيس الجمهورية بالريموت كنترول، ولا يضعون فى اعتبارهم أى فصيل آخر، حتى حلفاؤهم السلفيون انشقوا عنهم ويضربونهم الآن، وهذا يعنى فقدان أى حس سياسى حقيقى.
■ هل هناك قرارات أشرتم بها كمجلس استشارى على المجلس العسكرى ولم يأخذ بها؟
-أكيد، وبسبب ذلك حدثت العديد من الأخطاء، أهمها عدم إصدار إعلان دستورى، أو قانون لوضع معايير الجمعية التأسيسية للدستور، لأن لو المجلس العسكرى كان قد خضع لنداءاتنا الملحة، التى تكررت عشرات المرات، واقتراحاتنا المحددة بوضع معايير حقيقية لها، كنا تفادينا استئثار الإخوان بتكوين الجمعية التأسيسية وصدر دستور متوازن، وبالتالى كان وجه الحياة السياسية فى مصر بالتأكيد كان سيتغير.
■ فى تصورك.. لماذا يطالب المصريون الآن بعودة القوات المسلحة للشارع، وهم الذين هتفوا ضدهم من قبل؟
- التسرع فى الحكم على الأشياء، والتعلق بالأمل الذى لا يحقق الغرض الحقيقى، واستسهال الحلول البسيطة، أنا لا أظن الجيش يحل مشكلة سياسية، هو يعقدها أكثر، وقرار السيسى بعدم نزول الشارع صائبا، والذى سيحل ذلك هو الوعى لدى المصريين أمام صناديق الانتخابات، حتى لا يخدعوا مرة أخرى، ويحكموا ضمائرهم، ويختاروا برلمانا حقيقيا يعبر عن الحرية والعيش والكرامة.
■ الرئيس اجتمع مع التيارات الإسلامية لمناقشة أزمة سد النهضة، وفى اليوم التالى لذلك اجتمع بالقوى المدنية.. فى رأيك لماذا لم يدع الجميع للحضور معا؟
- لأنه منذ البداية تحدث عن أهله وعشيرته، واتضح بما لا يجعل هناك مجالا للشك، أن جماعته تجلس فى المقطم ترسل له التوجيهات، ولا يملك إلا السمع والطاعة، وأنا لا أفهم أن يكون هناك أى تشكيل سياسى يعتمد على السمع والطاعة، لأن ذلك مضاد جوهريا للفكر الديمقراطى، فهو يستقى قوته من هذه الجماعة التى تملى عليه، ثم إنه لا يجتمع بالمدنيين إلا بمن تواءموا مع هؤلاء الدينيين واتفقت مصالحهم وتواطأوا معهم، إنما المدنيون الحقيقيون من الذين حصلوا فى فترات انتخابية ودورات متعددة على صوت الشعب، لا يلقى لهم بالا، إنما يجتمع بهم ليبرر لهم أخطاءه ويطلب منهم الموافقة عليها.
■ ما توقعاتك لاحتجاجات 30 يونيو؟
- على الذين يتوقعون رحيل الإخوان بالخروج فى مظاهرات تهتف ضدهم فى 30 يونيو، فهم واهمون، رغم أنها قد تتصاعد وهذا تؤكده كل تصرفات التململ والضيق من فشل السلطة، التى هى بالمناسبة لم تكن تنتظر حكم «الدستورية» الأخير لكى يزيد الغضب، «الشعب مشحون أساسا بخيبة الأمل الشديدة»، وليسوا فى حاجة لقرارات من محاكم لكى يشحنوا أكثر، مصر تعيش فى أكبر خيبة أمل فى تاريخها، لأنها قامت بثورة باهرة، ثم قفزت جماعة مغلقة لتستولى على السلطة، ثم جنبت كل القوى لتحقيق مآربها دون أن تحقق أى غاية من الغايات التى قامت عليها الثورة، وبالتالى خيبة الأمل العظمى التى حدثت لدى الشعب بأكمله، خاصة الشباب والثوريين، كما أن «الجماعة» تاجرت بالدين، مثلما يتاجر معدمو الإنسانية بالبشر، ومثلما يوجد قوانين تحرم وتعاقب الاتجار فى البشر يجب أن تسن قوانين تحرم الاتجار بالدين. التمرد هو الوسيلة الوحيدة لتصويب مسار هذه «الجماعة»، ورغم ذلك فأنا لست من أنصار قلب الشرعية قبل الفترة الانتخابية المحددة، لكنى أعتقد أن كل يوم يمضى، يؤكد فشل السلطة القائمة، وإفلاس الجماعة فكريا واقتصاديا وسياسيا، وسيكون حكمهم غمة وتزول.
■ كيف ترى أزمة الثقافة فى ظل وجود وزير إخوانى؟
- أنا كنت أحسن الظن بشىء من الحصافة والحكمة، لدى قادة الإخوان مع أنى لا أعرف فيهم مفكرا حقيقيا، يمكن الاعتداد برأيه، وكنت أتوقع أن لديهم قدرة على المواءمة السياسية، وظننت أنهم منذ توليهم السلطة سيعملون حسابا، ويتهيبون المساس بالبنية الثقافية التى تتمثل فى أن مصر رائدة النهضة العربية، مبدعة التطورات الحديثة فى كل أشكالها فى الفنون اللغوية والشعر والرواية والقصة والصحافة والفنون التشكيلية والموسيقى عبر قرنين من الزمان، وأخرجت أعلاما جعلوا للثقافة الحديثة وزنا، وسيحترمونه ولن يمسوه، فوجئت بأنهم كانوا يتربصون بالثقافة، واختاروا وزيرا لا أعرف من أين جاءوا به، لكنه لم يتميز فى شىء ولم يحقق أى إضافة، لم يعرف عنه أى كفاءة فى إدارة شؤون الثقافة، مع أنهم أعلنوا عشرات المرات أن معيارهم فى الاختيار هو الكفاءة، وكذبوا كما كذبوا فى كل مرة، هذا الوزير هو نموذج واضح لانعدام الكفاءة الإطلاق يلغى عقله ويخضع لمبدأ السمع والطاعة، وإن فعل فيكون فقد صفته كمثقف، والآن عليهم إما أن يدركوا خطأهم الشديد فيبادروا بتغييره، وهذا حل متفائل نسبيا، وإما أن يمعنوا فى هذا الخطأ فيعم الظلام الثقافى مصر مثلما عمها الظلام الكهربائى.
■ الاستقالات الأخيرة التى شهدتها وزارة الثقافة، هل تفسرها هروبا أم اعتراضا ومواجهة لممارسات ضد الثقافة؟
- بالتأكيد ليس هروبا ولا استسلاما، لكنه رفض، ولا أفهم الموقف باعتباره تخليا عن المسؤولية، لكنه إعلان للرفض لهذه السياسة المدمرة فى المؤسسات الثقافية، لأن السكوت عن هذه السياسة يعنى الرضا بها.
■ هل نحن مقبلون على ردة ثقافية؟
- بمجرد أن طفا الإسلاميون على السطح بهذا الشكل، فهذا مثل ردة ثقافية أمام العالم كله، لكنى أعتقد أن هذه ليست ردة حقيقية، بمعنى أن تطفو على السطح فقط، لأنها زبد، والقرأن الكريم يقول «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ينفع الناس فيمكث فى الأرض»، القِدر المصرى يغلى بأشياء غالية وثمينة، لكن بعد الثورة هذا الغليان جعل الزبد يطفو على السطح. الذقون التى امتلأت بها الشوارع هى من الزبد، الرؤى المحدودة الضيقة هى من الزبد، محاولة قصر الناس على تغيير هويتهم، وطباعهم هى المحاولة الأخيرة فى إقصاء شمس الثقافة المصرية، وفرض الظلام على كل منافذ النور فيها هذا زبد، لكنه لا يمكن أن يمكث.