x

منار الشوربجي رغم بؤس الأحداث مصر أمة حية منار الشوربجي الثلاثاء 15-05-2012 22:00


بعد زيارة خاطفة لـ«دبى» سعدت فيها بالتميز المصرى، عدت للقاهرة لأجد فى انتظارى حزمة من الأخبار التى لا تسر. فلأننى كنت أحد أعضاء لجان التحكيم فى جائزة الصحافة العربية، فقد دعيت لحضور منتدى الصحافة والحفل الذى تم فيه الإعلان عن أسماء الفائزين بالجوائز لهذا العام. وكم كانت سعادتى حين حصد شباب الصحفيين المصريين عدداً كبيراً من الجوائز. ورغم أن فوز شباب مصر فى ذاته لا يفاجئ أمثالى من الأكاديميين الذين يتفاعلون مع الأجيال الجديدة يوميا ويعرفون قدراتها، إلا أن هذا الفوز يؤكد على أهمية الإيمان بقدرات الأجيال الشابة فى مصر وإفساح الطريق لها لتعيد بناء هذا الوطن، فذلك هو المفتاح الوحيد للنهضة الحقيقية. وليرحمنا الذين صدّعوا رؤوسنا بحكاية «الخبرة» كمعيار لتولى المسؤولية. فالأمم التى تقدمت فى عقود قليلة مثل تركيا اعتمدت بالأساس على الأجيال الشابة، ونحن فى مرحلة حاسمة فى تاريخ مصر تتطلب دماء جديدة وطاقات متجددة وأفكاراً خلاقة للانعتاق من حالة التكلس والبلادة التى فرضت على بلادى عقوداً بأكملها تحت شعارات زائفة من الاستقرار والخبرة إلى «حكمة السيد الرئيس».

عدت إلى مصر سعيدة بإنجاز أبنائها لأصطدم بتفاصيل الأخبار التى طالعتها فى عجالة أثناء سفرى وتلك التى لم تصلنى. حاصرنى الحزن حين قرأت الشهادات التى سمعها أعضاء لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب عن أحداث العباسية. فقد نقلتنى الشهادات من شباب مصرى يُكرّم خارج بلاده لشباب مصرى يتعرض داخل مصر «للضرب المبرح والاعتداءات»، بدءا من استخدام العصا، مرورا بالقنابل المسيلة للدموع والخرطوش والرصاص الحى، وصولا لتعرض بعضهم للذبح على أيدى البلطجية»، وشابات تعرضن «للضرب وللتحرش اللفظى والجسدى» فى عربات الجيش التى كانت تقلهم إلى مكان الاعتقال. أفزعتنى شهادة تكررت أكثر من مرة مؤداها أن شهود العيان حملوا «ناس أمخاخهم طالعة من دماغهم»، على حد تعبير أحد أطباء المستشفى الميدانى. والواضح أن التفاصيل التى لم تنشرها الصحف أبشع بكثير من تلك التى نشرت، إلى الحد الذى دفع الدكتور وحيد عبدالمجيد، عضو مجلس الشعب، لأن يقول إن «ما سمعناه من شهادات تمثل فظائع لم تحدث حتى فى عهد نظام الرئيس المخلوع».

والمجلس العسكرى مسؤول مسؤولية مباشرة عما جرى لأنه الحاكم الفعلى للبلاد والمنوط به حماية أرواح المصريين وأعراضهم. ولا يوجد جرم يبرر إخراج أمخاخ المصريين من أجسادهم. لكننى لم أفهم أيضا كيف يمكن أن يستمر مجلس الشعب فى مناقشة جدول الأعمال بطريقة عادية، بعد أن استمع لتلك الشهادات. ألم يكن الأجدى بالنواب المنتخبين للدفاع عن الشعب وحقوقه أن يعلنوا حالة الطوارئ داخل أروقة مجلسهم ويكرسوا كل وقتهم لبحث تلك الفضيحة؟ لم أسمع مثلا أن المجلس استدعى مسؤولا ولا وزيراً ولا حتى خفيرا لمساءلته. أما الإعلام، فما هى إلا أيام واختفى الموضوع من على أجندته فى ظروف غامضة!

ولم تكن تلك التفاصيل وحدها فى انتظارى. فقد عدت لأقرأ بالتفصيل الكوميديا السوداء التى بدأت «بزعل» اللجنة العليا للانتخابات من الكل، بما فى ذلك طبعا القضاء الإدارى الذى حكم بأن اللجنة اتخذت قرارا ليس من صلاحياتها حين أحالت قانون العزل للمحكمة الدستورية العليا، مرورا بقرار وقف الانتخابات ثم قرار عدم وقفها! والكوميديا المذكورة دلالتها الوحيدة أن هناك محاولات للتلاعب بمقدرات المصريين وبإرادتهم الحرة، وسعيا للإبقاء على الفريق «شفيق» فى سباق الرئاسة بأى ثمن. ومؤشرات ذلك التلاعب صارت تتواتر يوميا. فقد تبين أن قيادات الحزب الوطنى تنظم نفسها لدعم أحمد شفيق بل وتجتمع فى فيلا مملوكة لقرينة أحمد عز المسجون فى قضايا فساد واحتكار. ولا أجد من تعليق أفضل من قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم «إذا لم تستح فافعل ما شئت».

والتلاعب مفضوح أيضا فى الخبر الذى نشرته «المصرى اليوم» فى صفحتها الأولى الأحد الماضى. فما معنى أن يضطر قضاة التحقيق فى قضية ماسبيرو للقيام بالتحريات بأنفسهم حول تورط ثلاثين من قيادات الحزب الوطنى فى الانفلات الأمنى والتحريض على العنف بعد أن طلب أولئك القضاة من الداخلية التحرى فأجابتهم بأنها لم تتوصل لشىء؟

أخبار كلها تدعو للأسى والغضب والقلق فى آن. لكن يشاء ربك أن يدفع إلينا بما يدعونى للتمسك بتفاؤلى بمستقبل مصر وبنجاح ثورتها. فما جرى ليلة المناظرة الرئاسية الأولى كان مبهجا بكل المقاييس. وأنا لا أتحدث عما جرى فى المناظرة نفسها وإنما أتحدث عما كان يحدث خارجها. شوارع خالية ومقاه يلتف فيها المصريون حول الشاشات لمشاهدة المناظرة على الهواء مباشرة. وفى اليوم التالى للمناظرة، نقاشات مكثفة فى كل بيت ومكتب حول المناظرة والمُرشحَين بل وباقى المرشحين. لقد عاد المصريون للسياسة بعد أن خاصموها لعقود طويلة. وعودة المصريين للسياسة هى الضمان الأول ضد التلاعب بمقدراتهم وإرادتهم وضد تنصيب فرعون جديد. فالإقبال على التصويت بأعداد هائلة يجعل مهمة المزورين شبه مستحيلة، والشعب المنتبه لما يقوله السياسيون بإمكانه محاسبتهم وعقابهم، وحين يؤمن الناس بحقهم فى الاختيار، يصبح من الصعب وأد أحلامهم المشروعة فى مستقبل يليق بهذه الأمة.

وحتى أحتفظ بتوازنى، بعد كل ذلك الوابل من الأخبار والتفاصيل المؤلمة، اخترت أن أقول لنفسى إننى عدت لمصر فوجدت الكثير من الأخبار البائسة ولكننى وجدت الشعب نفسه يقظا متمسكا بحقه فى تحقيق إرادته الحرة. عمار يا مصر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية