x

مروى مزيد المناظرة.. وسؤال العباسية مروى مزيد الأحد 13-05-2012 21:00


شاهدت المناظرة التاريخية بين عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح. وأقر بأنها كذلك لأنه أبداً لم يحدث أن تحددت العلاقة بين المرشح الرئاسى والمواطن الناخب بهذا الشكل من ذى قبل، بحيث «يعرِض» المرشح نفسه، فيوضع تحت مجهر شعبى دقيق، وبناء على أفكار وتصورات منطقية أو أحاسيس وانطباعات عاطفية يتحدد السلوك الانتخابى نحو هذا المرشح أو ضد ذاك. إنها لحظة فارقة فى مجال الإعلام السياسى فى مصر.

ورغم اختلاف المرشحيْن فى المناظرة الأولى إلا أن كليهما اتفق على سؤال العباسية، فأكد عمرو موسى «ضرورة دخول الشرطة» كيلا يتحول الوضع إلى الفوضى التى آل إليها. ثم أصر أبوالفتوح على ضرورة «احترافية» تلك القوات الشرطية فى التعامل الأمنى كيلا تُرتكب جرائم ضد مواطنين دون تأمين الدولة لهم. الأمن، إذن، ويليه الاقتصاد، سيظل لهما الأهمية القصوى.

كى أستوعب العباسية سأتحدث عن مدينة سياتل. فقد شهدتُّ مظاهرات يوم العمال العالمى فى ١ مايو، والتى دعت إليها «حركة احتلوا «OccupyMovement» جاء على البوسترات: إضراب عام.. لا عمل لا دراسة . الجدير بالذكر أن أمريكا تحتفل بعيد العمال فى سبتمبر. وبالتالى ١مايو كان يوم عمل عادى.

بدأت المسيرات والمظاهرات هادئة، ولكن مع الوقت باتت التغطية الإعلامية تنقل أعمالِ عنفٍ، وتعكس تحول «الاحتجاجات السلمية» إلى «يوم تخريب واعتقالات». فقد شُبِّهت الأحداث بحالة من «الفوضى»، حيث شوهد بعض المتظاهرين، فى ملابس سوداء وأقنعة، وهم يُحطّمون نوافذ بنوك كبرى ومحال تجارية، منها متجر شركة «نايك» للألبسة الرياضية ــ التى لها باع مع سجال المحتجين الدوليين ضد العولمة وممارساتها تجاه العمال فى مصانعها حول العالم. لكن يبدو أن هذه الأسباب والحيثيات لا تهم أحدا!

فالواقع الإعلامى كالآتى: ما إن يقوم بعض المحتجين بتكسير نوافذ وتهشيم ممتلكات، حتى تتحول الصورة والتناول العام إلى استنكار للعنف، دون أدنى استعداد للنقاش حول مسببات، تفاصيل، تداعيات أو قضايا. هنا يتبخر

«المحتوى الاحتجاجى» من حقوق ومطالب. هنا تتحدث فقط لغة الأمن.

كنت فى وسط تلك المظاهرات أدرس وأراقب تصرفات من شارك فيها. فحين قامت الشرطة بشكل «احترافى» بالقبض على أحد الأفراد، لم أر أى متظاهر يتصدر جسديا لممثلى الشرطة أو يعتدى بالضرب أو السباب، رغم القرب والالتحام. كل ما سمعته من المتظاهرين السلميين «دعه يذهب. دعه يذهب. دعه يذهب!» بل حين تجمَّع الكثيرون حول الشرطة لدى محاولتها ونجاحها فى القبض على بعض العناصر، سمعت إحدى المتظاهرات تردد «لا تقعوا فى المصيدة، استمروا فى المسيرة». هدفها جعل المسيرة «تسير» أى تنتقل من مكان الاحتكاك محافظةً على سلميتها.

يبدو أنها تُدرك أنه مع أى صورة إعلامية للعنف، سيأتى الاستنكار الشعبى للحدث برمته. فما إن أُلقى الحجر الأول على النوافذ التجارية، حتى قام عمدة مدينة سياتل المنتخب «بإعلان حالة طوارئ فى المدينة» وتحويط وسطها، وإعطاء صلاحيات للشرطة كى تنتزع أى سوار للأعلام التى حملها المتظاهرون واستخدمها بعضهم كأدوات عنف. فقال العمدة «الحق الدستورى فى حمل السوارى يُنحى جانبا إذا ما قورن برغبتنا فى حفظ الأمن العام». كذلك ردد القائد العام للشرطة «سياتل مدينة تحب الاحتجاجات! ونفخر بقدرتنا على إقامة مسيرات سلمية. لكن من المؤسف أن تستطيع مجموعة صغيرة أن تختطف مثل هذه الفعاليات لحسابها».

سمعت من يقول هؤلاء «عناصر أناركية مزروعة لتخريب المظاهرات السلمية». وفى حديثى مع عمال قال لى أحدهم: «هؤلاء الشباب لا يُمثلوننى! إنهم يعوقون عملى فى هذا الشارع الذى يحتجون فيه! الساعة الثالثة ظهرا، ويوم العمل ينتهى فى الخامسة. لماذا هم فى الشارع؟!» يقصد أنهم بلا شغلة أو مشغلة، وبالتالى ليس لهم أن يتحدثوا عن العمال وحقوقهم أصلا! تذكرت حوارنا التفصيلى فى مصر حول «القلة المندسة» واستحضرت مفردات مثل «فلول»، «حزب الكنبة» و«إيقاف عجلة العمل والتنمية!».

إذن ها هى المعضلة: إن بقيت المظاهرات سلمية فهى عادة ما تمر دون التفات إعلامى، وبالتالى دون تعريف بالقضايا او المظالم. وإن حدثت وقائع

عنف يُستخدم هذا الإطار حصريا فى الإعلام وبالتالى يتلاشى تماما أى أستعداد للتعاطف الشعبى أو التحاور.

شاهدت كل هذا فى سياتل وأنا أنظر لصور العباسية وأستمع لمن فاض بهم الكيل من فكرة التظاهر الذى فى النهاية يُسجل تاريخيا على أنه «لاسلمى»، نظرا لوقوع المتظاهرين فى «المصيدة».

يبقى الإقرار بقانون سياسى واحد: العنف والانتخابات لا يمتزجان تماماً كالماء والزيت. وبالتالى فلندرك هذا حيث إننا على أعقاب انتخابات رئاسية. الاختيار فى أيدينا. فلنختر إذن! وليكن الصندوق وليس الشارع هو بؤرة حشدنا فى الوقت الحالى كى نؤسس لحياة سياسية جديدة. فهل نستطيع؟

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية