عندما يصدر الجزء الثالث من مذكرات عمرو موسى، سوف نجد أنفسنا أمام ثلاثية فريدة تتعرض بجد لثمانية عقود من مسيرة السياسة المصرية والعربية معًا!.
الجزء الأول كان قد صدر قبل ثلاث سنوات، وكان عنوانه: كتابيه!.. وهو عنوان يستوحى الآية التى نعرفها فى سورة الحاقة من القرآن الكريم والتى تقول (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ).
فى ذلك الجزء كان موسى يروى سيرته طفلًا عايش الأجواء الوفدية من حوله فى قرية محلة مرحوم فى الغربية، ثم طالبًا يدرس القانون فى جامعة القاهرة إلى أن التحق بالخارجية، ومنها راح يتنقل بين عدد من المدن والعواصم المهمة فى العالم.. كانت البداية فى جنيڤ دبلوماسيًا شابًا، وفى مرحلة من المراحل ذهب إلى نيودلهى سفيرًا، ثم إلى نيويورك فى مرحلة أخرى رئيسًا للبعثة المصرية فى الأمم المتحدة!.. وفى الختام عاد إلى القاهرة وزيرًا لعشر سنوات كاملة.. فكأنها رحلة دائرية من العمل بدأت خطواتها على أولى عتبات جهاز الدبلوماسية المصرية، واكتملت على رأس القمة فيه!.
وفى هذه الأيام صدر الجزء الثانى عن دار الشروق محتفظًا بالعنوان الأصلى كما هو، ومضيفًا إليه عنوانًا آخر هو: سنوات الجامعة العربية!.. وهى السنوات التى قضاها الرجل أمينًا عامًا للجامعة فى مرحلة كتب الله لها أن تبدأ مع أحداث ١١ سبتمبر، وأن تنتهى على وقع أحداث ما لا يزال يُسمى بالربيع العربى!.
وحين يخرج الجزء الثالث إلى النور، سوف نكون فيه على موعد مع أحداث سنوات ذلك الربيع من بدايتها فى أول ٢٠١١ إلى منتصف ٢٠١٤!.
أما لماذا هذه السنوات الثلاث والنصف من عمر الربيع، فلأن عمرو موسى كان طرفًا مباشرًا وفاعلًا فى الأحداث التى دارت خلالها!.
سوف تلاحظ أن الحس العربى العميق كان حاكمًا فى خطواته كلها طوال سنوات الجامعة العشر، وسوف تجد ذلك واضحًا كالشمس فى موقفين لهما دلالة تشبه قطرة الماء التى تشير لك إلى مذاق البحر كله.. كان أولهما عندما أراد واضع الدستور العراقى بعد الغزو أن ينص فيه على أن «الشعب العربى فى العراق جزء من الأمة العربية».. ولكن أمين عام الجامعة صمم على أن «العراق عضو مؤسس فيها ويلتزم بميثاقها وقراراتها».. وهذا ما كان.. وفى المرة الثانية عرف أن لبنان طلب مهندسين إيرانيين لإصلاح محطات الكهرباء التى ضربها عدوان إسرائيل، فبادر بإرسال مهندسين مصريين قاموا بالمهمة!.. وفى الموقفين وفى غيرهما على طول الكتاب الذى حرره زميلنا الأستاذ خالد أبو بكر، كانت الجامعة فى القلب مما يجرى فى المنطقة حولها!.