أسوأ ما فى هذا الوباء الأسود، يحرمك من وداع من أحببت، ويلزمك مسافة ابتعادًا عن مشهده وهو يوارى الثرى، ولا عزاء ولا سرادق ولا ربع قرآن ينصته الأحباء، رحمة ونورا.
أكتب حزينًا عمن أحببت بعد فوات الأوان، وأوصيكم، لا تتأخروا عن وصال الأحبة، تواصلوا، واسألوا عن الغايب حتى يعود، وعن المحتجب حتى يظهر، وعن المريض حتى يبرأ، وعن الحزين حتى يبتسم، وعن الطيب حتى يطيب وقته، قد يفوتكم قطار العمر قعودًا عن الوصال، فتقعدون فى حسرة نادمين.
الأسمرانى الجميل غادرنا إلى السماء، كنا على موعد فى «مقهى المنيرة» حال دونه الوباء، وتمهلنا طويلًا حتى تنقشع الغمة لنعاود السهر مع الخلان، لكنه غادرنا باكرًا إلى السماء، أنتم السابقون.
وبالدمع جودى يا عين، الله يرحمه عم «بدر ياسين»، لا تعرفونه ولكن ناس المنيرة الأصيلة كلها تنعاه، تجسيد للتجلى الإنسانى، كان شهمًا جدعًا طيبًا ومجاملًا ومحبًا، إنسان نذر نفسه للمحبة فنال كل الحب.
فقيد النوبة ترك فينا حزنًا شفيفًا.
إذا سألت عن خصال أهل النوبة، تراها جميعا مجسدة فى طيبة عم بدر، كرم وكبرياء وتسامح وإنسانية، طيبة تمشى على قدمين.
مفطور على المحبة، محب يوزع محبته على الجميع كحبات السكر، يحب الحب فى أهله، ويكره الكره من أهله، ويعرف الحق، حقانى، وفوق كل ذلك يذوب عشقًا فى محبة وطن، رحل الطيب وهو واجف على مصر، لم أَرَ عاشقًا لتراب هذا الوطن مثل هذا النوبى الطيب، أهل النوبة مفطورون على محبة هذا الوطن، محبة قلبية.
قلبه أبيض زى البفتة البيضاء، أتحدث عن صنف نادر من البشر كالجواهر الثمينة، إذا ما أسعدك زمانك تلتقى بواحد من هؤلاء لتعرف أن الدنيا بخير، وأن البشر طيبون، صنف من البشر يمشون على الأرض هونا.
عم بدر تجسيد حى للمصرى الطيب، كل من فى المنيرة يعرف عم بدر، فإذا غاب سألوا عنه، وتحروا غيابه، يستوحشون طلته، فإذا ما ظهر فى جلبة تسبقه، اغتبطوا وابتهجوا، مناغشات وملاطفات ومشاكسات كروية، كان أهلاويًا صميمًا.
فيه ناس فى الدنيا كتير مثل عم بدر طيبة قوى، الطيبة تمشى على قدمين، قلبه الكبير يسع الجميع، ويعيش الجميع، ويحزن حزن شيخ عليل، ويفرح كطفل صغير، وياخد على خاطره، فيبتعد قليلا ما يلبث أن يعود ليمارس محبته كما فُطر عليها.. الله يرحمك يا عم بدر بقدر محبتك للناس.