هو الطبيب المصرى بامتياز واستحقاق، قمة التضحية والإيثار، يجاهد لإنقاذ الأرواح، ويجود بالروح عزيزة شهيدًا بافتخار.. بقلبى قبل لسانى، أشكركم، وأنحنى احترامًا أمام تضحياتكم.
ثبتم فى مواجهة الجائحة ثبات الأبطال، وفى العزل ملائكة مكممين، وفى العلن أمام الكاميرات تواضعًا باقتدار، وصورتكم وأنتم تصلون صلاة الجنازة على أحبائكم ترفع من قدركم عنان السماء.
فى مواجهة الوباء أسود، ورغم قسوة الفيروس كنتم حينئذ وإلى الآن متحلقين حول الأسرّة البيضاء، نخشى نحن الفيروس ونكمم الوجوه خوفًا وطمعًا، وأنتم كُتب عليكم مواجهة الفيروس وجهًا لوجه، نفسى أعرف من أين لكم كل هذه الشجاعة فى مواجهة فيروس متحور مكار يغافل ويضرب بقسوة، على حافة الخطر تقفون، وفى الخطوط الأمامية تواجهون، وتصابون وتمرضون وتستشهدون، وكلما استشهد منكم شهيد حلّ محله عشرات الشهداء، ومع إعلان العزل تسابقتم إلى المعازل، خفافًا سراعًا، نفرتكم جنبت البلاد نزيف أرواح، وشهداؤكم افتدوا شعبًا، وشبابكم فى مواقعه لا يبارح فى مواجهة جائحة أشرس وأعنف.
ملحمة الجيش الأبيض فى مواجهة الوباء الأسود لم تسجل بعد تفصيلًا، ويوميات الأطباء فى المعازل والمشافى لم تُروَ، وشهادات الأطباء لم تُسطر بعد، وليت نقابة الأطباء تتوفر على تسجيل يوميات هذه المعركة الفريدة فى تاريخ الأطباء المصريين، معركة للتاريخ، وفاء لعهد، ومحبة لشعب.
لا أستغربها منكم، وأنتم من بين الصلب والترائب، نفس الرتبة الفاخرة من جنود الوطن، معلوم هناك على الحدود أسود رابضة تحمى الأرض والعرض، على الحدود شهداء وفى المعازل شهداء، كُتب على هذا الشعب الشهادة، عصر الشهادة، التجلى العظيم لشعب الجبارين، شعب يزف شهداءه بالزغاريد إلى السماء، لا ينعيهم قط، بل يغبطهم، وكم من شيوخ حزانى فى قعور البيوت قعودًا عن الشهادة، يتمنون وقفة أخيرة فى حب الوطن من بعد حب الله سبحانه وتعالى.
الشهداء أحباب الله، وبالمثل الأطباء أحباب الله، منهم من قضى نحبه وهو يواجه الفيروس، ومنهم من يجاهد الفيروس، حمدًا لله، لم يُضبط طبيب مصرى متقاعسًا أو متراجعًا أو متوليًا يوم الزحف، تسمعون عجبًا، الأطباء فى المعازل والمشافى لا يستريحون أبدًا، ولا يدرون أأشرق الصباح أم غم الليل، ورديات متواليات، وأيام تجمل أسابيع، وشهور طويلة لا يغادرون المعازل فى مواجهة الموت.. وفى الأخير يقول وليم شكسبير: «يموت الجبناء مرات عديدة قبل أن يأتى أجلهم، أما الشجعان فيذوقون الموت مرة واحدة».