«سيصرخون ضد الغناء، وسيغنى الشعب.. سيصرخون ضد الموسيقى، وسيطرب لهم الشعب.. سيصرخون ضد التمثيل.. وسيحرص على مشاهدته الشعب، سيصرخون ضد الفكر والمفكرين، وسيقرأ لهم الشعب.. هذا ما تنبأ به المفكر «فرج فودة» عن تيار الإسلام السياسى فى كتابه «النذير»، الذى صدر بتاريخ 1988.
الجميع هنا فى اعتصام وزارة الثقافة يتحسس حديثه، المثقفون الذين أعلنوا رفضهم علاء عبدالعزيز وزيراً للثقافة، واعتصموا بمكتبه فى الوزارة يتحسسون ضيوفهم، ولم لا، فهناك أشخاص لا يعرفونهم يأتون ليحصوا عدد المعتصمين، ثم يسيرون، وهناك من يأتى ليحضر اجتماعاتهم ليعرف الخطوة التالية بعد الاعتصام، وهذا ما دفع المعتصمين لوضع أحد أفراد الاعتصام عند البوابة حتى يدخل الأشخاص الموثوق فيهم، ويمنع الأشخاص غير المرغوب فى وجودهم.
مترجم مصرى، أعلن على حسابه الشخصى على موقع «فيس بوك» رفضه اعتصام المثقفين، بل وصفهم بـ«أرامل فاروق حسنى»، هذا ما دفع «علاء عبدالعزيز»، وزير الثقافة، إلى أن يعلن شفاهية تعيين هذا المترجم نائباً للمركز القومى للترجمة، وحين ذهب لتسلم عمله الجديد، رفضت «رشا إسماعيل»، مديرة المركز، الاعتراف به، نظرا لعدم وجود ورقة تفيد بذلك. المترجم زار اعتصام الوزارة، صباح يوم الإثنين الماضى، فى تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً، وكان أغلب المعتصمين لا يزالون نائمين، ودخل إلى مكتب أحد كبار الموظفين المقالين من مكتب الوزير، وتحدث معه، لكن الشباب الذين رأوه وعرفوه رفضوا وجوده، وتوجهوا لمكتب الموظف الذى يجلس معه، مما دفع الموظف لأن يخرج ويهدؤهم، وأخبرهم بأنه لم يكن يعلم بمجيئه، وأفصح الموظف عن سر الزيارة، الذى يتلخص فى «صفقة لفض الاعتصام»، لكن الموظف رفضها، وغادر المترجم وسط ترقب وخوف من أن يتعدى أحد المعتصمين عليه.
تهديدات عديدة وصلت للمعتصمين بفض اعتصامهم بالقوة، كان آخرها تهديد «أحمد المغير»، الناشط بجماعة الإخوان المسلمين، على حسابه على موقع «فيس بوك»، أمس الأول، الثلاثاء، عندما حشد مجموعة من الإسلاميين لفض اعتصام المثقفين، وسرعان ما انتشر الخبر، مما دفع قوات الأمن لتعزيز تواجدها أمام مكتب الوزير بالزمالك، وأرسلت ثلاث مدرعات وثلاثة تشكيلات أمن مركزى لحماية مكتب الوزير فى وزارة هى منشأة عامة، ووقعت اشتباكات بين الجانبين نتجت عنها إصابة 3 عساكر أمن مركزى، وانسحب المغير ومرافقوه بعد أن واجهوا مقاومة عنيفة من المعتصمين، الذين وصل عددهم إلى الآلاف، ليرتفع سقف المطالب إلى «إقالة رئيس الجمهورية».
الاعتصام بدأ يوم الأربعاء 5 يونيو الجارى فى الساعة الواحدة ظهراً بعد أن تمكن المثقفون من الدخول إلى مكتب الوزير فى الزمالك، وطالبوا برحيل «علاء عبدالعزيز»، وزير الثقافة، وكان على رأسهم من اليوم الأول الكتاب: بهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم، وسيد حجاب، ويوسف القعيد، ومحمد هاشم، صاحب دار ميريت، ومن المخرجين والفنانين محمد العدل، ومجدى أحمد على، وأحمد ماهر، وجلال الشرقاوى، ونبيل الحلفاوى، وخالد يوسف، وأحمد عبدالعزيز، والفنان التشكيلى محمد عبلة، والناقد شعبان يوسف.
انتفاضة المثقفين تتلخص فى رفض ما سموه «أخونة» وزارة الثقافة، والحديث المثار دائما فى الاعتصام ليس الكتب التى تطبعها الوزارة أو القيادات المقالة كما يتراءى للبعض، لكن «دار الكتب والوثائق القومية» نظرا لاحتوائها على مستندات ومخطوطات ووثائق تتعلق بأحقية مصر فى «حلايب وشلاتين» و«طابا وسيناء»، وأيضا اتفاقيات حوض النيل، الجميع فى الاعتصام يخشى من ضياع هوية مصر وتاريخها.
على مدار أيام الاعتصام أقام المثقفون فعاليات ثقافية وفنية تحت مسمى رفض «الوزير»، الفعاليات تتحدى ما جاء الوزير به، أبرز هذه الفعاليات تقديم عرض الباليه فى الشارع، والغناء وتقديم الفنون التى يرفضها الوزير من أمام مكتبه، هذه رسالة يوجهها فى كل يوم المثقفون إلى الوزير.
زيارة «حمدين صباحى»، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، إلى اعتصام المثقفين، مساء يوم الاثنين الماضى، وتضامنه معهم، ومع مطلبهم، هو كما أكد «صباحى» دفاعا عن حق مصر وروحها وتاريخها العريق، وأثنى على المثقفين الذين وصفهم بضمير مصر.
اكتفى الوزير بالتصريحات والتعليقات، التى وصفها المثقفون بالاستفزازية، وأكدوا خوضهم المعركة كاملة حتى إقالته، ورفعوا شعارات حركة «تمرد»، كما رفعوا شعار «30 يونيو»، لتختلط الثقافة بالسياسة كأمر طبيعى، فالجميع ضد الأخونة، أما الموظفون فى الوزارة فيؤيدون سراً، ويرفضون سراً، ولا تزال المعركة مستمرة.