من أكثر القضايا التى أولاها الرئيس السيسى اهتماماً كبيراً منذ أن تولى رئاسة الجمهورية عام 2014 كانت قضية مواجهة العشوائيات، ليس فقط فى القاهرة ولكن على مستوى جميع محافظات الجمهورية، وتابع الملايين افتتاح مشروعات الأسمرات، والمحروسة، روضة السيدة زينب فى القاهرة وغيط العنب فى الإسكندرية، والنورس الجديدة فى بورسعيد وغيرها العشرات من المشروعات المماثلة.
لقد أصبح مجرد ذكر اسم الأسمرات، فى أى خبر متعلق بمواجهة العشوائيات، يشير إلى أسلوب ونموذج متفرد للمواجهة الشاملة لقضايا منطقة عشوائية متكاملة، بكل ما تحتويه من مشاكل وهموم لمواطنين مصريين يعيشون فى بؤس وكرب شديد، دون وجود بصيص أمل لمستقبل أفضل لهم ولأولادهم، والمشكلة الأكبر هى فى عدم إدراك البعض منهم أنهم فعلاً فى كرب شديد، وتتعاظم المشكلة إذا لم يشعر المسؤولون بأن هناك مشكلة فعلاً على نحو يدعو للتدبر والتفكير والتدخل.
مشروع الأسمرات كان مدخلاً لحل مشكلة سكان الدويقة ضمن منطقة منشأة ناصر، وقد سبق وزرت هذه المنطقة فى أوائل التسعينات فى إطار مشروع استشارى للارتقاء العمرانى للمنطقة بتمويل من إحدى الجهات الأجنبية، وقد هالنى ما رأيت من فقر وجهل وعيشة غير آدمية ومعايشة مشتركة مع عمليات فرز القمامة، وتربية الخنازير، ولم يتسنى لفريقنا الاستشارى إتمام المشروع لأسباب لا أتذكرها.
كانت علاقتى التالية بالموضوع بشكل مختلف، فعندما وقعت صخرة الدويقة الشهيرة فى صيف 2008، ومات أكثر من 80 شخصا تحتها، وكانوا جميعاً من أبناء الفيوم، وكنت أشرف، وأنا المحافظ هناك، على استقبال جثث الضحايا، ودفنهم فى جنازات جماعية استمرت من غروب الشمس وحتى بزوغ فجر اليوم التالى، وفى منظر يخلع القلوب، ومن وقتها وقضايا هذه المنطقة كانت تؤرقنى مع أنى لم أكن مسؤولاً عنها، إلا من منطلق أننى مواطن وهؤلاء هم من أبناء جلدتى.
ومن المفارقات المدهشة أننى أصبحت محافظاً للقاهرة بعد واقعة الدويقة بخمس سنوات كاملة، وعندما طلبت أن أزور المنطقة، فقد كانت النصيحة أن تكون الزيارة فجراً، على أن أغادر المكان مع طلوع الشمس، وسألت: لماذا؟، وأجابوا: لأن هناك احتقانا شديدا فى العلاقة بين أبناء المنطقة وأى مسؤول حكومى منذ وقع حادث الدويقة الشهير قبلها بسنوات، لم أستمع إلى النصيحة، وزرت المنطقة فى وضح النهار، وكررت الزيارة مرات ومرات، وأصبحت زياراتى مرتين أسبوعياً وبشكل منتظم، وأصبحت هناك قناعة بأهمية المواجهة الشاملة والسريعة لمشاكل المنطقة، ولم أتحمس للأفكار التى طرحها بعض خبراء العشوائيات الذين استعنت بهم، وكانت تنطوى على معالجة متدرجة لمربعات وبؤر داخل المنطقة مع نقل الناس إلى ما بنيناه كلما أنجزنا مربعاً معيناً، ثم نعود لنطور المربع الذى أخليناه، وكان هذا المقترح يتطلب سنوات وسنوات.
لم يكن لدى محافظة القاهرة أراضى مناسبة، وقريبة من العمران، وصالحة لتنفيذ مشروع متكامل إلا فى منطقة واحدة، ولكنها مكلفة، واسمها الأسمرات، وهى فى حكم الرصيد الاستراتيجى لمحافظة القاهرة، وكان الرأى أن هذا الرصيد الاستراتيجى يستحقه هؤلاء أكثر من أى فئة أخرى، وبدأ العمل بالجهود الذاتية للمحافظة فى أوائل 2014، وببعض التمويل من صندوق تطوير العشوائيات فى مرحلة لاحقة، تم وضع حجر الأساس وكان حجم المشروع من حيث عدد الوحدات السكنية 7 آلاف مع الخدمات المناسبة وبتكلفة تقديرية حوالى 350 مليون جنيه، وانطلق المشروع بمشاركة أكثر من 25 من شركات المقاولات الصغيرة المتحمسة، وتم الانتهاء من الأساسات، ثم الأعمدة الخرسانية، كان يتم وضع أعلام الجمهورية أعلى حديد التسليح الخارج من بطن هذه الأعمدة، وظلت الأعلام تعلو كلما علا البناء وكان الموقع عبارة عن خلية نحل تعمل ليل نهار، إلى أن بدأت تظهر ملامح مشروع كبير.
ولأننا كنا نعمل بنية صافية، وبتوجه وطنى خالص، فقد خدمتنا الظروف بعد ذلك، حينما تولى الرئيس السيسى رئاسة الجمهورية وتبنى المشروع، الذى كان يعالج قضية مهمة، هو متحمس لها ولديه رؤية مسبقة لمواجهتها. لقد سقطت إحدى الكتل الصخرية فى منطقة الرزاز فى منشأة ناصر وكادت تودى بحياة العشرات، وقد نجحنا قبلها بعدة ساعات، وفى أنصاف الليالى، وبعد مجهود مضن فى إقناع المواطنين بمغادرتها قبل أن تقع الصخرة على بيوتهم فجراً، وكلف الرئيس المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء وقتها، بزيارة منطقة سقوط الصخرة والاطمئنان على سكان المنطقة، وهاتفنا الرئيس من الموقع، واطمأن سيادته على المواطنين، بعد أن كانت عناية الله ولطفه قد أوقفا كارثة مروعة كانت على وشك أن تحدث، ووجه بسرعة التدخل والمواجهة السريعة للأخطار التى يتعرض لها هؤلاء المواطنون وغيرهم، وكانت الإجابة أن هناك مشروعاً جديداً قد بدأ تنفيذه من شهور قليلة، ومازال فى بداياته، تحت اسم «الأسمرات»، لمواجهة مشاكل الآلاف من أبناء المنطقة.
ومنذ ذلك التاريخ أخذ المشروع زخماً جديداً، وكان الرئيس يتابعه بشكل مباشر، وأمر بالتوسع فى المشروع فى مرحلة ثانية، وخصص 500 مليون جنيه لهذه المرحلة، وأكد على أهمية أن يكون الحى متكاملاً به المدارس والملاعب والمساجد والكنائس والمحال التجارية والمسرح والسينما والحضانة، وأن نجهز التأثيث اللازم، ودخل صندوق تحيا مصر شريكاً أصيلاً فى المشروع، وعاد بعدها وخصص 500 مليون جنيه أخرى للمرحلة الثالثة من المشروع، على أرض ملك القوات المسلحة ليصبح حجمه حوالى 20 ألف وحدة سكنية وتسع حوالى 100 ألف مواطن، هو نفس حجم السكان الذين استقروا فى مدينة 6 أكتوبر بعد حوالى 20 عاما من إنشائها.
وقد تم افتتاح المرحلتين الأولى والثانية فى يونيو 2016، بحضور الرئيس، وأشار الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء (وزير الإسكان وقتها) إلى دور متواضع قامت به محافظة القاهرة، لكن الفضل الأكبر يعود، بعد الله، إلى الرئيس شخصياً، فلولاه ما أخذ المشروع المنحنى الذى أخذه، ولا تلقى الدعم الذى حظى به ولا المتابعة المستمرة واليومية، وما صار مثالاً لمشروعات مماثلة فى أماكن أخرى متأثرة بما هو أصبح متداولا على أنه.. «الأسمرات ستايل».