جاءتنى تعليقات عديدة على مقالى السابق بعنوان: «الجامعات الأهلية الجديدة.. والجامعات الحكومية.. نجاح مشترك»، والذى نُشر فى «المصرى اليوم» فى 9 نوفمبر الماضى، والذى تحدثت فيه عن ضرورة الاهتمام بقضية إعداد وتوفير المتميزين من أعضاء هيئة التدريس فى هذه الجامعات، حيث إن الضغوط الحالية على الجامعات الحكومية واستقطاب أساتذتها المتميزين أصبح أمرًا مقلقًا جدًا، بعدما تعرضت لضغوط سابقة من الجامعات العربية والجامعات الخاصة، وسوف تؤثر هذه الضغوط على جودة التعليم الجامعى الحكومى، وهو ما هو، من حيث أهميته للقطاع العريض من الشعب المصرى، وهو الوسيلة الوحيدة للحراك الاجتماعى للطبقات الكادحة المتطلعة إلى مستقبل أفضل، لها ولأولادها، ومن المناسب التأكيد على أن مقالى السابق وهذا المقال لا يتناولان فقط الجامعات الأربع الجديدة التى تم افتتاحها مؤخرًا، وإنما يتناول أيضًا جامعتين أهليتين تم إنشاؤهما من قبل (جامعة النيل والجامعة الفرنسية)، والجامعات العشر التى أُعلن عن البدء فى إجراءات إنشائها، والتى ترتبط بشكل ما مع جامعات حكومية حالية وسوف تحمل أسماءها.
وقد كانت التعليقات التى وصلتنى تندرج تحت ثلاثة اتجاهات رئيسية، الاتجاه الأول، وهو ما أتفق معه تمامًا، ويؤكد على ما أثرته من أهمية بناء كوادر بشرية جديدة ومن أعرق المدارس العالمية، وفى التخصصات التى قطع فيها العالم شوطًا طويلاً، وأن نطلق برامج طموحة للبعثات الخارجية للجامعات الأهلية والحكومية على السواء، مع التأكيد على أن هذا الاتجاه، وإن كان مكلفًا، إلا أنه الوسيلة الوحيدة للانخراط فى مجتمع المعرفة العالمى، بعيدًا عن الإغراق فى المحلية، التى أورثتنا أجيالاً تقليدية، لا تجارى ما يحدث فى العالم.
أما الاتجاه الثانى الذى شمله ما وصلنى من تعليقات، فكان على صيغة تخوف وتساؤل، ومؤداه هو: هل الجامعات الأهلية الجديدة هى فى حقيقتها جامعات حكومية بمصروفات؟ والرأى عندى أن هذا سوف تحكمه مجالس الأمناء التى تدير هذه الجامعات، وهى تحتاج لوضع فلسفة واضحة للتعليم الذى تقدمه الجامعة الأهلية، من حيث قيمة المصاريف الدراسية ومدى مراعاتها للأوضاع المالية لقطاعات الشعب المصرى المختلفة، وكذلك خلق محاور جديدة للتميز فى هذه الجامعات بعيدًا عن تقليد الحادث فى الجامعات الحكومية، وتوفير بيئة إبداعية للطلاب وبرامج تصقل المهارات والتدريب على التفكير النقدى، والتواصل الفعال، وتأصيل مفهوم استخدام المعارف فى التطبيقات العملية، والمساهمة فى إنتاج المعرفة المؤدية إلى القدرة على الاختراع والإنتاج المبنى على المعارف الجديدة، كما أن مناسبة المصروفات الدراسية فى الجامعات الأهلية لقطاعات أوسع من الطلاب سوف تساهم فى تخفيف الضغط على الجامعات الحكومية نوعًا ما، مما يمكنها هى أيضًا من التجويد والتفرد والتميز مدعومة بإمكانياتها الكبيرة وتاريخها الطويل، لقد كانت هذه العلاقة تحديدًا محورًا لنقاش عميق داخل أروقة جامعة القاهرة، حول طبيعة «الحبل السرى» الذى يتعين أن يربط جامعة القاهرة بجامعة القاهرة الأهلية، التى ناقشنا إنشاءها منذ ستة عشر عامًا (عام 2004) فى وقت رئاسة المرحوم الدكتور نجيب الهلالى جوهر لجامعة القاهرة، وكنت أنا وقتها أحد نواب رئيس الجامعة الخمسة الذين كان منوطًا بهم وضع بدائل لشكل هذه العلاقة.
أما الاتجاه الثالث فيما وصلنى فكان يشير إلى أن هناك بالفعل تجارب مصرية ناجحة فى ذات الإطار، وهذه يجب تشجيعها ودعمها، وهذا صحيح، حيث سبق الإشارة إلى أن جامعة القاهرة ذاتها بدأت كجامعة أهلية عام 1925، ويتحدث البعض عن تجربة جامعة النيل، التى كانت الجامعة الأهلية الوحيدة، (قبل أن يتم مؤخرًا تعديل وضع الجامعة الفرنسية لتصبح جامعة أهلية أيضًا)، وجامعة النيل متميزة بالفعل، وعلى تواصل مع المجتمع العلمى العالمى، وتجرى فيها أبحاث جديدة، وكان من الممكن أن تكون فى وضع أفضل مما هى عليه الآن، لولا اضطرارها ومنذ سنوات للدخول فى نزاعات قضائية مع مؤسسة زويل للعلوم، التى حاولت فى البداية الحصول على موقع ومنشآت جامعة النيل كاملة، ثم رأت، بعد ذلك، الاكتفاء بمزاحمة الجامعة ومشاركتها فى موقعها ومنشآتها، وقد أنصف القضاء المصرى جامعة النيل، وخصصت الدولة موقعًا جديدًا لمدينة زويل العلمية وتوليها اهتمامًا معتبرًا فى الوقت الحالى، وأتمنى أن تحتفظ جامعة النيل بكل مكناتها ومنشآتها، وهو الأمر الذى سوف يساعد الجامعة على تنفيذ برامجها فى التوسع فى التخصصات الجديدة وترسيخ الفلسفة التى تتبناها، والاستمرار فى أداء رسالتها التى لا تهدف إلى الربح، وهو نص صريح فى القانون المنظم لإنشاء الجامعات الأهلية، ومنها جامعة النيل.