x

«أمريكا وإيران والجمود».. محور يبدد أحلام فرنسا في لبنان

السبت 19-12-2020 07:04 | كتب: رويترز, نورهان مصطفى |
مشهد عام لمرفأ بيروت المدمر بعد انفجار أغسطس مشهد عام لمرفأ بيروت المدمر بعد انفجار أغسطس تصوير : رويترز

خلال زيارة لباريس الشهر الماضى، أوضح وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو أن واشنطن غير راضية عن استراتيجية فرنسا للمساعدة في حل الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان.

يقود الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الجهود الدولية لانتشال المستعمرة الفرنسية السابقة من براثن أعمق أزمة تمر بها منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامى 1975 و1990. وسافر مرتين إلى لبنان منذ الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ بيروت في أغسطس وألحق خرابًا هائلًا بالمدينة.

ويحاول ماكرون استخدام النفوذ التاريخى لباريس في لبنان في إقناع السياسيين اللبنانيين المتناحرين بتبنى خارطة طريق وتشكيل حكومة جديدة مكلفة باستئصال الفساد، وهو شرط أساسى للمانحين الدوليين بمن في ذلك صندوق النقد الدولى لصرف مساعدات بمليارات الدولارات.

وكان من المقرر أن يعود في زيارة ثالثة يوم 22 ديسمبر، لكنه أرجأ الرحلة أمس الأول بعد أن ثبتت إصابته بفيروس كورونا. وقال مسؤول مشارك في تنظيم الزيارة إنه قد يتحدث هاتفيا مع الرئيس اللبنانى ميشال عون، لكن لا توجد خطط أخرى في الوقت الحالى.

ومنذ البداية، واجه الزعيم البالغ من العمر 42 عامًا جمود الطبقة السياسية اللبنانية المنقسمة، التي اشتبكت فيما بينها وتجاهلت التحذيرات الدولية من إفلاس الدولة، فضلا عن رفض واشنطن لخططه.

وقال نديم خورى، من مبادرة الإصلاح العربى: «الطبقة السياسية اللبنانية عالقة في تناقضاتها الخاصة، وهى سعيدة بكسب الوقت». وأضاف: «(رئيس الوزراء المكلف) سعد الحريرى غير قادر على تشكيل حكومة، وعلى الصعيد الدولى لن تسهل الولايات المتحدة الجهود الفرنسية لتشكيل حكومة».

ويتركز اعتراض الولايات المتحدة على خطة ماكرون على حزب الله، الجماعة المسلحة المدعومة من إيران، والتى تتمتع بقوة هائلة في لبنان، وتصنفها واشنطن منظمة إرهابية.

وكُلف الحريرى- وهو رئيس وزراء سابق- بتشكيل حكومة بعد استقالة مصطفى أديب في سبتمبر. ويجد «الحريرى» صعوبة حتى الآن في تشكيل حكومة تتقاسم السلطة مع جميع الأحزاب اللبنانية، بمن في ذلك حزب الله.

وقال 3 مسؤولين فرنسيين إن باريس لم تكن راغبة في البداية في اضطلاع الحريرى بهذا الدور، بعد أن فشل في السابق في تنفيذ إصلاحات.. لكن في ظل عدم إحراز تقدم في تشكيل حكومة ذات مصداقية، لم يعارض ماكرون الترشيح. وتقول فرنسا إن ذراع حزب الله المنتخب له دور سياسى مشروع.

وفرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على 3 سياسيين بارزين متحالفين مع حزب الله.

وخلال مأدبة عشاء في باريس الشهر الماضى مع 8 سفراء، بعضهم سفراء دول أوروبية، أوضح بومبيو أن واشنطن ستفرض المزيد من الإجراءات إذا كان حزب الله جزءا من الحكومة، وفقا لشخصين مطلعين على زيارته.

وللمأزق تداعيات خطيرة على جميع الأطراف.. فبدون دعم الولايات المتحدة، لن تمنح المنظمات الدولية والجهات المانحة لبنان الأموال التي يحتاجها للخروج من أزمة مالية يقول البنك الدولى إنها ستشهد على الأرجح سقوط أكثر من نصف السكان في براثن الفقر بحلول عام 2021.

وبعد أن تعهد وسط الأنقاض في بيروت بعدم التخلى عن الشعب اللبنانى، يسعى «ماكرون» لإظهار بعض النجاح على صعيد السياسة الخارجية في المنطقة بعد أن خرج خالى الوفاض من مبادرات رفيعة المستوى بشأن ليبيا وإيران في السنوات الأخيرة.

وبالنسبة للإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها، فإن اتخاذ موقف صارم من حزب الله يمثل أمرًا حاسمًا لإثبات أن سياستها العامة في الشرق الأوسط، بما في ذلك سياسة الضغوط القصوى على إيران، فعالة.

وقال 3 دبلوماسيين إنهم لا يتوقعون أن يغير الرئيس المنتخب جو بايدن السياسة بسرعة، بالنظر إلى طبيعة موقف الولايات المتحدة القائمة على دعم الحزبين الجمهورى والديمقراطى والأولويات الأخرى للإدارة الجديدة.

وقال «بايدن» إنه يخطط للتراجع عن سياسة الضغوط القصوى للرئيس دونالد ترامب على إيران، والتى وصفها «بالفشل الخطير». لكن مصادر مطلعة على تفكيره قالت إنه لن ينأى بنفسه عن استخدام العقوبات.

أدت الخلافات مع واشنطن إلى تفاقم ما يمثل دائما تحديا صعبا لماكرون. عندما تناول الغداء مع الرئيس اللبنانى ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه برى في الأول من سبتمبر، كان هدفه ضمان التزام برى- زعيم حركة أمل الشيعية- بمهلة لتشكيل حكومة جديدة.

وأصر ماكرون على مهلة تتراوح بين 10 أيام و15 يوما، وفقا لمصدر مطلع على الاجتماع. ورد برى- وهو من الشخصيات القوية في الحياة السياسية اللبنانية وكانت له يد في اختيار وزراء رئيسيين في السابق- قائلا: «إن شاء الله.. إن شاء الله». رفع ماكرون يده موضحا رفضه ذلك وشدد مجددا على مطالبه. ولم يرد مكتب برى على طلب للتعليق.

وقال مكتب ماكرون: «الرئيس يواصل اتصالاته مع مختلف اللاعبين السياسيين في لبنان كما تعهد به من قبل». وبعد أسبوع، وعلى الرغم من أن ماكرون قال إنه حمل جميع الفصائل على دعم خطته، فقد أدرجت الولايات المتحدة وزيرين سابقين، أحدهما من حركة أمل، في القائمة السوداء بسبب روابطهما بحزب الله.

وقال ماكرون بعد ذلك بوقت قصير ردا على سؤال عن عدم ترحيب الولايات المتحدة بجهوده: «أنتم محقون في القول إن سياسة العقوبات التي تتبعها الإدارة الأمريكية، دون تشاور أو تنسيق معنا، أدت إلى توتر الوضع».

ومنذ ذلك الحين، فُرضت عقوبات على جبران باسيل، صهر عون الذي يترأس التيار الوطنى الحر، أكبر حزب مسيحى في لبنان، بسبب علاقاته بحزب الله. ويقول دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون وإقليميون إن عقوبات جديدة تلوح في الأفق.

أصبح حزب الله القوة المهيمنة في لبنان بنواب منتخبين ومناصب في الحكومة. ورغم تأثر دعم إيران له بسبب العقوبات الأمريكية، فلا يزال الحزب إحدى دعائم النفوذ الإقليمى لطهران.

ويقول مسؤولون فرنسيون إن الإجراءات العقابية الأمريكية لم تفعل شيئا لتغيير الوضع على الأرض. وقال مسؤول رئاسى فرنسى للصحفيين في الثانى من ديسمبر: «لم يوقفوا أي شىء.. لكنهم لم يفتحوا المجال لأى شىء أيضًا».

وقالت دوروثى شيا، السفيرة الأمريكية في لبنان في مؤتمر عبر الإنترنت لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إنه رغم أن الأولوية القصوى هي تفادى فشل الدولة في لبنان، فإن واشنطن ترى أن حزب الله «لا يخدم سوى أسياده الإيرانيين»، وقالت إن الإجراءات الأمريكية لها تأثير.

وتعتبر إسرائيل- أوثق حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط- إيران، أكبر تهديد لها، وترى حزب الله الخطر الرئيسى على حدودها.

وقال مسؤولون إيرانيون إن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على اتصال بطهران لبحث كيفية التعامل مع مبادرة ماكرون، لكنهم لن يسمحوا بإضعاف حزب الله.

في غضون ذلك، وجد ماكرون نفسه وحيدا وهو يوجه اللوم إلى السياسيين اللبنانيين للتقاعس عن التزاماتهم. وقال في الثانى من ديسمبر: «حتى اليوم، لم يتم الوفاء بهذه الالتزامات. حتى الآن، لا يوجد ما يظهر أنها كانت أكثر من مجرد كلمات. وهذا ما يؤسفنى».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية