فى منزله المطل على مقر مجلس الوزراء، جلس هشام قاسم، العضو المنتدب الأسبق لـ«المصرى اليوم»، وأحد مؤسسيها، يتذكر مشواره فى بداية صدورها قبل 9 سنوات، وفترات الإحباط والخوف والاستقرار فى عمر الصحيفة، قبل أن يؤكد بعد 7 سنوات من استقالته من «المصرى اليوم» أنها مازالت صحيفته الأولى، باعتبارها-حسب وصفه- «قصة نجاح غريبة وغير مفهومة، هزت السوق المصرية»- بحسب تعبيره.
■ بداية حدثنى عن فكرة «المصرى اليوم»، ولماذا كان الاعتماد فى إصدارها على رجال الأعمال؟
ـ لم يكن من الممكن فى التوقيت الذى ظهرت فيه الجريدة خوض مثل هذه التجربة دون رجال أعمال، لكن أعتقد أنه فى المرحلة المقبلة يجب أن يتخلى ملاك الصحف من رجال الأعمال عن الحصة الحاكمة فى الصحيفة، لتطبيق مبدأ الإدارة الرشيدة، وألا يكون المتحكم بالصحيفة فرد واحداً يملك أكبر حصصها، وأنا كنت فى تركيا مؤخراً وهى صاحبة تجربة ديمقراطية راسخة، لكن الأتراك يحسدوننا على حرية الصحافة التى نعيشها فى مصر، لأن ملكية الأفراد لوسائل الإعلام هناك فرضت أجندات سياسية، وهذا ينذر بالخطر على مستقبل الإعلام فى مصر مع الاستقرار السياسى.
وأنا أعترف أنه لولا المهندس صلاح دياب لما صدرت مطبوعة مثل «المصرى اليوم»، فهو رجل حالم، يقضى حياته يحلم بمشاريع، ويبدع باستمرار ولا يمكن إنكار فضله، فلم يكن لدى المال الكافى لإصدار الصحيفة، ومن دونى أيضاً لم يكن من الممكن كذلك صدور هذه الصحيفة، فصلاح كان سيغلقها.
■ قبل « المصرى اليوم» ساهمت فى إصدار صحيفة باللغة الإنجليزية هى«كايرو تايمز» لكنها لم تنجح؟
ـ «كايرو تايمز» كانت مطبوعة أسبوعية ناجحة بها 5 صحفيين، والباقى متعاونون من الخارج بالقطعة، وكنت أصدرها بـ«العافية»، بسبب التضييق من جانب النظام فى تلك الفترة، خاصة صفوت الشريف، وزير الإعلام الأسبق.
■ وكيف بدأت علاقتك بـ«المصرى اليوم»؟
ـ بسبب التضييق من جانب النظام قررت إغلاق «كايرو تايمز»، وفى تلك الفترة اتصل بى شريف عبدالودود، العضو المنتدب السابق فى «المصرى اليوم»، وحدثنى عن مشروع الجريدة، وطلب منى مقابلة صلاح دياب، وبالفعل تم اللقاء ووجدته رجلاً ظريفاً، وبعد عدة جلسات من التحضير والعمل ومراجعة بروفات الصحيفة، قلت لصلاح:« ماذا تفعلون بالضبط، هذا ليس جورنال، هذا شبيه بالجورنال»، فأجابنى بأنه يرغب فى عمل صحيفة للمواطن، فقلت له إذا بعته بقرش واحد فأنا معك، لكن سائق التاكسى والمواطن البسيط لن يقتطع من راتبه 30 جنيها شهريا لشراء هذه الصحيفة، وأنا أكل عيشى من الصحافة، ولا أتحمل الفشل، فانسحبت من التجربة، وظلت علاقة الصداقة تربطنى بصلاح.
■ وماذا حدث بعد ذلك؟
ـ بعد فترة اتصل بى المهندس صلاح دياب وقال إنه سيغلق المشروع لأن ردود الفعل على العدد «الزيرو» كانت سيئة جداً، وقال الناس عنه إنه «كارثة مادية وأدبية»، وقال لى:« ما رأيك أن تأتى لنجرب الكلام الغريب اللى فى دماغك»، فوافقت واشترطت فصل جميع العاملين مع الإبقاء على المديرين المالى والإدارى، على أن تتاح الفرصة للصحفيين للالتحاق بالجريدة مرة أخرى بعد التحضير لها، حتى لا يفرض على الصحيفة فى بدايتها العمل بمحررين ربما لا تحتاجهم، وطلبت من صلاح الانتظار 3 شهور وبدأت رحلة الإعداد للصحيفة والبحث عن رئيس تحرير، وفى البداية تفاوضت مع أميرة هويدى، رغم اعتراض مجلس الإدارة على تعيين إمراة صغيرة فى السن فى هذا المنصب، لكن المفاوضات فشلت بسبب تشكك «هويدى» فى الموضوع، وتفاوضت بعد ذلك مع الدكتور جمال عبد الجواد، إلى أن استقر الاختيار على أنور الهوارى، وبدأ التحضير للصدور فى 7 يونيو 2004.
■ وماذا كانت ذكرياتك عن العدد الأول؟
ـ رغم اعتزازى بـ«المصرى اليوم» إلا أننى لم أكن راضياً عن العدد الأول لأنه كان يهاجم الحكومة، ويحملها مسؤولية الفشل، ويتغاضى عن النظام أو رأس النظام المسؤول عن الفساد الحقيقى، وتجادلت مع الهوارى فى هذه النقطة، لأفاجأ فى العدد الرابع من الجريدة بمقال شديد لرئيس التحرير ضد مبارك كاد يغلق الصحيفة فى مهدها، وفى ذلك الوقت تحدث معى صلاح دياب فقلت له:« سبق أن قلت إننى أعرف أن أسير على موس دون أن أجرح قدمى، اتركنى وسأعالج المشكلة، وبالفعل عبرت الأزمة».
وبعد 6 شهور استقال الهوارى إثر خلاف، ولم يكن أمامى سوى خيارين، الأول تصعيد مجدى الجلاد من مدير تحرير إلى رئيس تحرير والحفاظ على الصحيفة، أو البحث عن رئيس تحرير من خارجها ربما يضر بالأسس التى بنيت عليها، فاستقر الاختيار على الجلاد.
■ وكيف تقيم فترات عملك فى «المصرى اليوم»؟
ـ الـ 6 شهور الأولى من عمر الصحيفة كانت من أصعب الأيام، كانت فترة مزعجة لى، قبل أن تبدأ مرحلة الاستقرار فيما بعد، رغم مقاومة السوق، وكان المهندس صلاح يفكر فى إغلاق الصحيفة أكثر من مرة، لكن ما كان يبقيه هو أننى لم أخلف وعودى معه، وفى كل مرة كنت أعده بزيادة الإيرادات كان يحدث، ففى يناير 2005 كانت الإيرادات 9 آلاف جنيه، ومصاريف التشغيل 750 ألف جنيه، وفى يناير 2006 بلغت الإيرادات 543 ألفاً، ونفس مصاريف التشغيل وفى أغسطس 2006 وصلنا إلى مليون و483 ألفاً فرفعت مصاريف التشغيل وزدت الرواتب حتى يشعر الصحفيون بجدوى عملهم، ثم وصلنا إلى نقطة التعادل بعد 20 شهرا.
■ وما قصص النجاح أو الطفرات التى ساهمت فى رفع اسم «المصرى اليوم»؟
ـ الجميع يتحدث عن شهادة المستشارة نهى الزينى، عن انتخابات عام 2005، باعتبارها طفرة ساهمت فى رفع توزيع الجورنال، لكننى أعتقد أنه رغم أهميتها فإن «المصرى اليوم» كانت فى تصاعد مستمر قبل نشر هذا الانفراد.
■ وكيف تم نشر شهادة نهى الزينى؟
ـ جاء مجدى الجلاد لمكتبى، وأطلعنى على شهادة نهى الزينى، فسألته هل تقبل الزينى التوقيع على شهادتها، فأجاب بالقبول، فأرسلت الشهادة إلى المستشار القانونى للصحيفة لدراستها، وذهبت مع الجلاد إلى منزل الزينى للحصول على توقيعها، وتم إيقاف طبع الصحيفة، وبعد الطبع طلبت من الجلاد إغلاق تليفونه، وأغلقت أنا تليفونى بعد خروج الصحيفة فى عربات التوزيع، لأننى الوحيد الذى أملك قرار إعدام النسخ المطبوعة، ولم أفتح تليفونى سوى فى العاشرة من صباح اليوم التالى لأفاجأ بتليفون من والدتى عن عدم وجود «المصرى اليوم» فى الإسكندرية، فخفت أن يكون قد تمت مصادرتها، وطلبت من مدير التوزيع التأكد من الموضوع، واتضح أن النسخ نفدت، فأعدنا نشر الشهادة فى اليوم الثانى مرة أخرى.
■ رغم أن «المصرى اليوم» فتحت المجال أمام الصحافة الخاصة فى مصر، لكن البعض يقول عنها إنها محظوظة بالظروف التى نشأت فيها وجعلتها فى الصدارة على عكس من جاء بعدها؟
ـ هذا غير صحيح، « المصرى اليوم» نجحت لأنها حاولت أن تجد مكاناً مختلفاً لها عما كانت عليه الصحف القومية وصحف المعارضة، وتخرج من هذه الدائرة، لكن الصحف الأخرى جاءت منذ نشأتها لتقلد «المصرى اليوم»، وأنا ذهبت بعد أن تركت الجريدة للعمل على إصدار إحدى هذه الصحف، لكننى وجدت أن القائمين عليها لم يكن لديهم رؤية، وكانوا يريدون شبيها بـ«المصرى اليوم»، وهذا معناه أنه على هذه الصحيفة أن تغرق السوق ولا تهتم بالأرباح حتى تنتشر.
■ وما سر نجاح «المصرى اليوم»؟
ـ «المصرى اليوم» هزت السوق، وكانت تجربة غريبة الشكل وغير مفهومة، خرجت بالصحافة المصرية من حالة الاستقطاب بين صحف المعارضة والصحف القومية، وكان العمل فيها مليئاً بالروح الإيجابية.
■ ولماذا تركت «المصرى اليوم»؟
ـ عندما شعرت بأننى حققت ما وعدت به، وأذكر أننى فى عام 2006 حضرت مؤتمراً فى موسكو للاتحاد العالمى للصحف، وهاجم رئيس الاتحاد الرئيس الروسى فيلاديمير بوتين، فما كان من بوتين إلا أن قال له إن تحكم 5 أو 6 أشخاص فى الإعلام الروسى هو الذى أدى إلى تحلل الدولة، وكانت هذه المرة الأولى التى أقتنع فيها بكلام شخص قمع الإعلام، وخفت أن أساهم فى مصير مشابه فى مصر، فقررت الاستقالة.
■ وهل ندمت بعد استقالتك؟
ـ لا أبدا، فـ«المصرى اليوم» قصة نجاح مهنية، لم أكن أضمن الحفاظ عليها، لذلك لم أندم على تركها، وكانت الاستقالة قرار إرادة.
■ لكنك تسعى الآن إلى إصدار صحيفة يملكها رجال أعمال؟
■ بعد استقالتى أمضيت عامين فى الخارج أدرس سوق الصحف، وبدأت أعد لمؤسسة صحفية جديدة، لا يكون لأحد المساهمين فيها الحصة الحاكمة، لكن ثورة 25 يناير، والظروف الاقتصادية التى تلتها عطلت المشروع، الذى مازلت أعمل على إنتاجه.