x

مجدى الجلاد: «المصرى اليوم» التجربة الأبرز فى الصحافة المصرية (حوار)

الخميس 06-06-2013 20:17 | كتب: محسن سميكة |

«شقة صغيرة تحولت إلى الصحيفة رقم واحد بمصر»، هكذا لخص مجدى الجلاد، رئيس تحرير «المصرى اليوم» السابق، تجربته التى بدأها بعد رحيل أنور الهوارى عن رئاسة تحرير الجريدة عام 2005 وحتى تأسيسه جريدة «الوطن» قبل عام، واستمرت 7 سنوات. قال الجلاد فى حواره مع «المصرى اليوم»،إنه واجه خلال تلك السنوات صعوبات مالية وإدارية ومضايقات أمنية، لم تمنعه من رفع توزيع الجريدة من 5 آلاف نسخة إلى 70 ألفاً خلال عام واحد.

وإلى نص الحوار:

■ ماذا تعنى لك تجربة «المصرى اليوم»؟

- إنها التجربة الأبرز فى الصحافة المصرية، التى تتضمن محطات صنعت تحولا فى عالم الصحافة، وقبل «المصرى اليوم» كانت آخر محطة صحفية أحدثت تحولا كانت «أخبار اليوم» التى مر عليها حوالى 50 سنة بمجهودات الأستاذين مصطفى وعلى أمين، وبدأت الصحافة المستقلة تظهر فى مصر منذ التسعينيات مع بداية تجارب «الدستور» الأسبوعى و«صوت الأمة» و«الأسبوع» وغيرها، ولم تكن هناك صحافة يومية مستقلة على الإطلاق، من هنا كان الحلم صعبا جدا لأن هناك أزمة فى اقتحام صناعة صعبة فى مصر تنافس الصحافة القومية بصحيفة يومية جديدة، فبعد فترة من رئاسة الأستاذ مجدى مهنا، رحمه الله، لتحرير الجريدة لم تصدر المطبوعة خلالها، كان التحدى الأساسى يتمثل فى إصدار الجريدة فى وقت قصير بعد أن تولى رئاسة تحريرها الأستاذ أنور الهوارى، وكنت وقتها مديرا لتحرير الصحيفة، حيث دخلنا المقر فى 11 فبراير 2004 وكان مفروضا بعد 4 شهور خروج الإصدار الأول، ولم يكن لدينا نموذج لصحيفة يومية مستقلة لنعمل على أساسه، لذلك كان التحدى الأكبر هو عمل نموذج جديد، واستمر الهوارى حوالى 6 أشهر حتى نهاية 2004.

■ وكيف بدأت فترة رئاستك لتحرير الجريدة؟

- أعتقد أن الجريدة فى هذا الوقت كانت تتلمس طريقها عند الناس، وكنت متأكدا أنها ستكون رقم واحد، لكن كان هناك اختلاف فى وجهات النظر بينى وبين أنور الهوارى، رغم أننا دفعة واحدة، لأنه يرى أن الجريدة لابد أن تكون متابعة للأحداث فى المنطقة العربية بالكامل والعالم بشكل أقرب لمدرسة «الأهرام» المحافظة، بينما كنت أرى أن مصر تفتقد جريدة تتناول الشأن المصرى والأحداث والأخبار المصرية والتركيز عليها أكثر، لأن القارئ يفتقد وجود جريدة تقدم له الحقيقة، لأنه من خلال الأهرام والأخبار والجمهورية لم يكن القارئ يحصل على الحقيقة، حيث كانت هذه الصحف تعرض وجهة نظر الحزب الوطنى فقط، وعندما رحل الهوارى بسبب اختلافه مع مجلس الإدارة، بدأت رئاسة التحرير مستهلاً عام 2005، وكانت الجريدة توزع 5 نحو آلاف نسخة، لأنها لم تكن مهتمة بالشأن الداخلى المصرى، وبدأنا مع الزملاء- خاصة الدكتور أحمد محمود، المدير الفنى- نخطط لنموذج جديد للصحيفة يواكب الأخبار والأحداث المختلفة فى مصر، بشكل يستجيب لرغبة القارئ فى المعرفة باستقلالية وموضوعية وعلى مسافة واحدة من الجميع، وهذا ما حدث رغم الوضع المالى الصعب الذى كنا نعانى منه، لكن مجلس إدارة الجريدة كان يراهن على الشباب دائما، وبادر بتصعيدى لرئاسة التحرير بعد 6 شهور فقط من الصدور، وكانت الجريدة على المحك، إما الاستمرار فى الصدور أو لا، لذلك اتفقت مع مجلس الإدارة على العمل بإمكانيات متواضعة جدا، وبدأنا بشقة صغيرة تحولت إلى الصحيفة رقم واحد فى مصر، وبدل ما كان القارئ يقرأ فى الصفحة الأولى أخباراً عن العراق وفلسطين وتركيا بدأ يقرأ أخباراً عن الشأن المصرى، والإدارة لم تكن معترضة فى البداية لأنها كانت فى مرحلة التجريب، فلم يكن هناك وضع أسوأ للجريدة من وضعها فى ذلك الوقت، ولما كانوا يرون النتائج على الأرض كانوا يدعموننا، فقد كانت إدارة متفهمة جداً، وأنا أدين بالفضل للمهندس صلاح دياب، فهو شخص مثقف ولديه فكر وحلم لصحافة جادة من أيام جده توفيق دياب فى «الجهاد»، وكان هشام قاسم، العضو المنتدب، داعماً رئيسياً لنا.

■ هل الاعتماد على الشباب كان مغامرة للجريدة وهى فى بداية خطواتها؟

- اخترنا من البداية تأسيس مدرسة جديدة بالاعتماد على الشباب تجنباً لاستيراد كفاءات صحفية من الصحف القومية، لأنهم سيأتون بأمراضهم وعقدهم ومشاكلهم المهنية، وفى الوقت الذى كان الشباب يتعلمون فيه مدرسة «المصرى اليوم» كنت أنا أتعلم كيف أكون رئيس تحرير، والقارئ صاحب الفضل الأول بعد الله عندما استقبل الجريدة بترحاب كبير بعدما وجد فيها الحقيقة، حيث كانت أول مرة يرى فيها القارئ أشكالاً وقوالب جديدة فى الكتابة الصحفية مثل «الفيتشر» والقصة الخبرية المكتملة، وليس مجرد خبر قصير فى الصفحة الأولى، مثل الصحف القومية، والتحدى تمثل فى أن تكون الصفحة الأولى بها 6 أو 7 قصص خبرية مكتملة أفضل من نشر أخبار قصيرة كثيرة.

■ متى كانت القفزة الكبرى للجريدة؟

- فى عام 2005 مع انتخابات مجلس الشعب وانطلقت أكثر مع انتخابات الرئاسة أواخر العام نفسه، ونجحت، فكان شعارها «جريدة احترمت القارئ فاحترمها»، وقمنا بدور سياسى واجتماعى، حيث كنا نتبنى الأصوات الاحتجاجية الجديدة، فالجريدة هى التى صنعت حركة «كفاية» على المستوى الإعلامى فى وقت كان الكل فيه يخشى الاقتراب منها، كما أننا لم نذكر كلمة المحظورة كوصف لجماعة الإخوان المسلمين، وكل أخبارها كانت فى الصفحة الأولى، باعتبارها إحدى القوى السياسية الموجودة، بجانب اهتمامها بأخبار تيار استقلال القضاء أيضا، لذلك اكتسبت الجريدة مصداقية واحترام القارئ عندما أبرزت هذه الأخبار الجديدة على القارئ، وكنا نعتمد على 3 محاور فى عملنا، الأول: السعى لنشر الحقيقة وجمعها من كل أطرافها وعرضها بشكل متوازن، وتصويب الأخبار إذا تم نشر معلومات خاطئة، وفتح مساحات واسعة لكتاب رأى أول مرة يكتبون مقالات، وصنعت جيلاً جديداً من الكتاب الشباب الذين لم تكن لديهم الفرصة للكتابة فى الصحف القومية، وعندما تقرر تقديم الجديد فى الصحافة يجب أن يمتد ذلك لكتابة المقال، فتراهن على الأستاذ مجدى مهنا ليكون رقم واحد فى كتابة المقال، بجانب كتابات حمدى رزق وسليمان جودة بشكل يومى لمقالات كانت تدخلنا فى معارك شديدة مع السلطة.

■ وما أهم المعارك التى خاضتها الجريدة مع النظام السابق؟

- شهادة المستشارة نهى الزينى عن تزوير الانتخابات 2005، ولها قصة كبيرة حيث كان الصديق الأستاذ محمد البرغوثى يعمل فى الأهرام، واتصل بى وقال لى إنه يعرف مستشارة اسمها نهى الزينى، حكت له أن هناك تزويراً حدث فى الانتخابات، وأنها تريد أن تقول شهادتها، فوافقت على الفور وطلبت منه رقم هاتفها، وكلمتها فقالت لى إنها مازالت مترددة، فخيرتها بين إجراء حوار معها أو أن تكتب شهادتها حول الواقعة، فاختارت أن تكتب شهادتها، لكن بعض المقربين منها حذروها من نشر الشهادة التى كان عنوانها «تزوير الانتخابات تحت إشراف القضاة» بما يعنى وجود قضاة شاركوا فى التزوير، وفى ظل استمرار ترددها ذهبت إليها فى منزلها بسيارة هشام قاسم، لأنى لم أكن أريد أن يعلم أحد بالأمر، وقلت لها إذا لم نقف كلنا يداً واحدة مع الحق ولمصلحة البلد يبقى لا قيمة لما نفعله، فقالت لى: «أنا خائفة عليك»، فقلت لها: «مش معقول إنتى تكتبى باسمك وانتى سيدة وأنا أخاف وأنا رجل»، فأعطتنى الشهادة وقرأتها وطلبت منها نشرها على مسؤوليتى الشخصية، وأقنعتها بصعوبة، فوافقت وعدت مسرعاً للجريدة ونشرتها دون علم أى أحد تماماً حتى مجلس الإدارة، فاتصل بى المهندس صلاح دياب، ليلة صدور العدد، وقال لى: «إيه الكارثة اللى انتوا عاملينها دى.. خلوا بالكم على نفسكم»، وبدأت بعدها الاتصالات تتوالى، وكان أولهم الدكتور زكريا عزمى، الذى اتصل بى الساعة الواحدة والربع ليلا، وقال: «إنت عارف اللى انتوا عملتوه النهاردة هتدفعوا ثمنه طول عمركم، وهقفلكوا الجريدة، وأكثر مواطن نام حزين ومتنكد النهاردة من موضوعكم هو حسنى مبارك»، فقلت له: «أنا لم أكتب شيئا، المستشارة كتبت شهادتها بنفسها وهذه هى الحقيقة»، فقال لى: «لكن مصلحة البلد أهم»، فقلت له: «لا.. الشهادة فى مصلحة البلد لأنها ستفيدنا فى أن نكون غير مزورين».

■ وهل أثر ذلك على زيادة التوزيع؟

- نعم، بدأ الارتفاع فى التوزيع مع شهادة نهى الزينى، حيث كانت أرقام التوزيع قبل نشر الشهادة نحو 15 ألف نسخة، وبعد الشهادة وصلنا إلى أكثر من 30 ألف نسخة، وبعد ذلك كان الصعود الكبير للجريدة فى نهاية 2006، حيث وصلنا إلى 70 ألف نسخة، حتى وصلنا لمرحلة كنا نطبع فيها كميات تعادل «الأهرام» مرتين، ووصلنا أيام الثورة لطبع 800 ألف نسخة، وكانت الناس تبحث عن الجريدة فى السوق.

هذا بجانب قضية «ميليشيات الأزهر» فى 2006 والتى كانت مسار تحول للجريدة، لأن الطلبة هم من صور الواقعة، ونحن نشرنا، وسبب لنا ذلك أزمة مع «الإخوان» وقتها، لكنها لم تكن أزمة كبيرة لأن الجماعة كانت تحتاج فى ذلك الوقت إلى «المصرى اليوم»، وبالرغم من ذلك نشبت أزمات بيننا وبينهم بعد ثورة 25 يناير، وأنا أعتبر ذلك انتهازية سياسية من جانبهم، لأن أخبارهم كانت تنشر فى الصفحة الأولى قبل الثورة، ثم صفوا حساباتهم معنا بعدها.

■ وهل واجهت الجريدة ضغوطا معينة من جانب السلطة فى هذا الوقت؟

- نعم، وكانت الضغوط قوية وشديدة ووصلت إلى حد تهديدى أنا شخصيا أو إغلاق الجريدة، أو الإضرار بمصالح الملاك، وبالفعل كان أكثر من دفع ثمن هذه التجربة هو المهندس صلاح دياب، ففى نهاية عام 2008 كانت الجريدة تمارس دورا واضحا جدا فى انتقاد النظام الحاكم، وحدث وقتها ما يمكن أن نسميه تأميم ممتلكات صلاح دياب- وهى معلومات أذكرها لأول مرة - حيث تم وقف صرف أى مستحقات مالية لشركة صلاح دياب من وزارة البترول، وبلغت مستحقات الشركة لدى الوزارة 103 ملايين دولار، لدرجة أنه أصبح غير قادر على دفع رواتب موظفى شركاته فى قطاع البترول، أو حتى ضمان استمرار عملها، وتم وقف جميع عمليات توريد شركته للزيت لوزارة البترول بأوامر من رئاسة الجمهورية، وتمت ملاحقته فى بيته بمنيل شيحة بدعوى اعتدائه على نهر النيل، حتى أثبتت لجنة فنية عدم صحة ذلك، ووصل الأمر إلى التفتيش على محال «لابوار» لعمل محاضر تهريب الدقيق المدعم، أيضا نجيب ساويرس وأحمد بهجت تعرضا لمضايقات، لكن بدرجات أقل من صلاح دياب الذى كان هو صاحب الجريدة أمام النظام، لذلك كان التخطيط لضرب مصالحه وشركاته، وذات مرة جمعنى لقاء به ونجيب ساويرس وأنس الفقى، وزير الإعلام الأسبق، وكنت كتبت مقالا فى أكتوبر 2008 بعنوان «من يعزل الرئيس مبارك؟»، وهدد الفقى بإغلاق الجريدة، وقال إن مؤسسة الرئاسة غاضبة جدا من «المصرى اليوم» وإن مقال مجدى الجلاد سبب الأزمة، وكانت النتيجة أن ساويرس ودياب ردا على «الفقى» بمنتهى الحدة، وقالا له إنهما متمسكان بى فى رئاسة تحرير الجريدة و«اعملوا اللى انتوا عايزينه»، وفى إحدى المرات سبّ أحد قيادات النظام السابق الدين، خلال محادثة تليفونية معه بسبب مقال لمجدى مهنا يهاجم النظام فيه بشدة، فاتصل بى أحدهم يهاجم المقال، فقلت له هذه هى الليبرالية، فرد قائلا: «يلعن كذا الليبرالية» فقلت له: «والله يا فندم انتوا أحرار»، هذا فضلا عن تهديدات أخرى من أحمد عز وغيره، لكن ما أتعرض له حاليا من تهديدات أسوأ من أيام مبارك، فمازالت تأتينى تهديدات من «الإخوان»، لكن إيمانى بربى وبقضيتى يقوينى أكثر وأكثر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية