«جواز مصر من مرسي، وجماعته، باطل». بهذه الجملة يوجز الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش، ساخرا، رؤيته لأوضاع البلد، عقب حكم الدستورية العليا الأخير ببطلان انتخاب ثلث مجلس الشورى، وبطلان إعلان قانون الطوارئ، وبطلان تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدتسور.
غير أن فقيهنا الدستوري يعود لنا للبدايات، فالعدوان، وفق تعبيره، الذى تعاني منه حتى الآن، تمتد جذوره، كما قال لـ«المصري اليوم»، إلى 14 فبراير 2011، حين تكونت لجنة من طارق البشرى وصبحي صالح وحاتم بجاتو، ليطبخوا نظرية «الانتخابات أولا»، ويحرموا الدولة من أن تبني على أساس صحيح، وتصبح عرضة للانهيار.
يبدو الدكتور درويش متشائما، قائلا: البلد راحت خلاص، تديرها جماعة الإخوان بالعافية والبلطجة. ويرى أن الرئيس يتلقى الأوامر من الإرشاد، الذى يصدر القرار، ثم يعود ليسحبه، لأنهم ليس لديهم رؤية، فهم مجموعة من الفاشلين، سياسيا واقتصاديا.
والى نص الحوار:
■ ما تعليقك على حكم الدستورية العليا بحل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور؟
- المحكمة أصابت الحقيقة فى حكمها، واتسقت مع نفسها، لأن القانون الذى أجريت عليه انتخابات مجلس الشعب، الذى حكمت من قبل ببطلانه، هو نفسه القانون الذى أجريت على أساسة انتخابات مجلس الشورى، وبالتالى ينطبق عليه نفس الحكم، لذا حكمت ببطلان الثلث المنتخب على أساس فردى.
■ ولماذا لم توص بحل المجلس؟
- لأن الدستور به نص صريح يسند العملية التشريعية إلى مجلس الشورى، لحين انتخاب مجلس النواب، والمحكمة الدستورية لا تراقب نصوص دستورية، إنما تراقب قوانين، لذا أرجأت الحل لحين انعقاد مجلس النواب.
■ وهل القوانين التى صدرت عن الشورى باطلة؟
- لا، فنحن نتفق مع القانون الفرنسى فى النظرية الفقهية التى تعرف بـ«نظرية الموظف العام»، التى تعتبر كل ما صدر عنه صحيحا، حفاظا على مصالح المواطنين.
■ لكن هذا قد يدفع التيار الإسلامى لإنجاز مزيد من القوانين قبل انتخابات النواب التى يعرفون أنها لن تأتى بهم بنفس النسب السابقة؟
- أتفق معك، سيسارعون فى «سلق» القوانين، وأشعر أنهم يتعمدون تعطيل قانون مجلس النواب عبر إرساله للدستورية، رغم علمهم بعواره، لترفضه المحكمة، لكسب مزيد من الوقت، لإنجاز القوانين التى على هواهم، لأن انتخابات النواب القادمة ستفقدهم أغلبيتهم.
■ وماذا عن حكم المحكمة بعدم دستورية تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور؟
- الجمعية أنهت عملها، وفض تشكيلها.
■ أليس لذلك تأثير على الدستور الذى صنعته، فهى جمعية باطلة؟
- تم الاستفتاء عليه، مما يوجب بطلان الجمعية.
■ إذن، ما دلالة حكم الدستورية العليا السابق بعدم دستورية مواد فى قانونى النواب ومباشرة الحقوق السياسية؟
- هذا يؤكد وجهة نظرى السابقة عن الهيئة التأسيسية لوضع الدستور، فهى لم تكن مؤهلة لهذه المهمة العظيمة، فلم يكن بها أى شخص يفقه فى علم الدستور وصناعته، لم تضم من يقال عليه صانع دستور، لأنه صناعة شاقة، أشبه بصقل الماس، التى تحتاج لفن يجمع بين الإبداع والدقة المتناهية..
■ ولا حتى رئيس الهيئة المستشار حسام الغريانى؟
- ولا حتى الغريانى، فهو أصلا قاض جنائى، لا علاقة له بصنع الدساتير، ليس فقيها فى هذا المجال، حتى يوضع على رأس هذه الهيئة! هو جاء رئيسا للجمعية التأسيسية، فقط، لأنه إخوانى، وليس لأنه متخصص فى صناعة الدساتير. أعرفه جيدا، فقد لجأ لى، مع آخرين، للدفاع عن المستشارين محمود مكى وهشام البسطويسى، عقب أزمتهم مع النظام الحاكم عام 2006، لأن قضيتهما كان فيها شق دستورى، ولو كان لهم فى الفقه الدستورى، لما لجأوا لىّ. والمنطقى من لا يستطيع الترافع فى شق دستورى، لا يصلح لقيادة صناعة دستور كامل. فضلا عن أن إخوانيته تفقده حياده، فخطورة الدستور، فى أى بلد، يجب ألا يديرها إلا شخص محايد، لا أهواء له. وأكبر دليل على اهتراء الدستور الحالى أن به ما يقرب من 150 مادة مكانها فى القانون العادى وليس الدستور، كما أن كل مواده الانتقالية بها أخطاء جسيمة نتيجتها ما نراه الآن.
■ كيف ترى انعكاس ملاحظة الدستورية العليا بأحقية رجال الجيش والشرطة بالتصويت فى الانتخابات العامة؟
- هذا أحد أخطاء الجمعية التأسيسية، فالمادة 55 من الدستور القائم تقر بأحقية جميع المواطنين فى ممارسة حقوقهم السياسية، بمن فيهم أعضاء القوات المسلحة والشرطة، وكان يجب أن ننأى بهاتين المؤسستين عن أى عملية انتخابية، لأن العملية السياسية عامة، سيئة وبذيئة، ودخول هاتين المؤسستين فيها يلوثهما ويفقدهما الثقة العامة.
■ البعض رأى أن «الدستورية» أخطأت وحادت عن الدستور؟
- هذا هو عهدنا بهم، كلما وقعوا فى مأزق، أكالوا الاتهامات للقضاء، المحكمة قضت وفق دستور وضعوه بليل، والعيب فيه وعلى من وضعه، وليس على القضاة. لا ننسى أن نفس مشروع قانون الانتخابات، الذى صنعوه، تم الطعن عليه. كان يجب عليهم أن يرسلوه للدستورية، لمراجعته بعد إتمام التعديلات التى طلبتها المحكمة، إلا أنهم فضلوا صناعة مشروع جديد. كل هذه المهاترات تدل على عدم وجود كفاءات قانونية فى مجلس الشورى، وما يحدث أقل وصف له أنه «عك قانونى ودستورى»، وهذا هو الشىء الوحيد الذى يجيده أعضاء مجلس الشورى. الذين فقدوا ثقة الشعب، بعد أن شاهد قانونين فقد بهما 13 مادة غير دستورية، 4 مواد بقانون انتخابات النواب، و9 مواد بقانون مباشرة الحقوق السياسية. المدهش أن هذه المواد تناقض مواد دستورية وضعوها هم أنفسهم، هذه فضيحة بكل المقاييس.
■ والحل؟
- أن يلتزموا بكل ما طلبته المحكمة من تعديلات لأن أى مخالفة ستجعل القانون غير دستورى.
■ لكنك تخشى تأثيرات هذا الأمر على المجتمع؟
- نعم لأنه سيعد كارثة وسيفتح الباب على مصراعيه لأخونة الجيش والشرطة، وسيجعلهما طرفا فى الصراع السياسى ولكن الإخوان وضعوا أنفسهم ووضعونا فى مأزق كبير. فإما أن يشرعوا بما يخالف الدستور أو أن يهينوا الجيش والشرطة!
■ اقترح البعض أن يتم تعديل الدستور نفسه لينص على عدم تصويت هذه المؤسسات كما كان فى دستور 71؟
- وفق دستورهم هم، تعديل الدستور يحتاج لمجلس النواب، فلا يحق لمجلس الشورى ذلك تحت أى ظرف، هم يسيرون فى دائرة أغلقوها على أنفسهم وعلينا، بسبب تعنتهم وفرضهم لآرائهم المخالفة لكل التراث الدستورى فى العالم كله.
■ ترى المستشارة تهانى الجبالى أن تصويت الجيش والشرطة يتسق مع مواثيق حقوق الإنسان، وأن ديمقراطيات كثيرة سمحت به؟
- ظروف مصر مختلفة، هذه الديمقراطيات نضجت بعد عقود من الممارسة الحقة وهناك ضوابط تحكم العملية الانتخابية، «ضاحكا: ثم فى الغرب لا يوجد لديهم فصيل إخوانى يريد أن يهيمن على كل المؤسسات.
■ هناك أيضا عدم دستورية تصويت المصريين بالخارج بالبريد، لغياب الإشراف القضائى الكامل؟
- هذه كارثة أخرى، فدستور الإخوان لم ينتبه إلى أن إطلاق النص، يعنى إرسال قضاة إلى ما بين 150 و160 دولة بها جاليات مصرية، وهو فخ آخر صنعوه بأيديهم ووقعوا فيه. فإما إرسال قضاة وإلا بطلت هذه الانتخابات وطعن عليها.
■ كذلك السماح للوزير والمحافظ للترشح لمجلس النواب أثار تخوفات شديدة؟
- للمرة الألف، هذا نتيجة العك القانونى، وباطل بكل المقاييس، لمخالفته أبسط قواعد المساواة. لدينا 28 محافظا و35 وزيرا، نظريا، يمكن أن ينافسوا فى أكثر من 60 دائرة. الكارثة أنهم قالوا فى مشروع قانونهم، إنه إذا نجح أحدهم يستقيل من منصبه، وإن خسر يعود لمنصبه، وهذه مصيبة مزدوجة، أولا: هل سيهتم الوزير بعمله، أم بجولاته الانتخابية؟ كيف للمحافظ أن يكون محايدا وهو رقيب على جزء من الممارسة الانتخابية، مثلا هو الذى يفرض غرامة على مخالفى طرق الدعاية، وهل سيعاقب نفسه؟ أو يعاقب زميله المحافظ؟ أو حليفه الوزير؟ ناهيك عن أنه أصلا لا يوجد قانون يعاقب على وضع الملصقات، مخالفين القاعدة الدستورية الدولية «لا عقوبة إلا بنص»
■ كيف ترى استقالة المستشار محمد فؤاد جادالله؟
- استقالته تعد وثيقة اتهام قانونية ضد نظام مرسى، فكل ما تواتر خلال الأشهر الماضية من أقاويل عن هيمنة مكتب الإرشاد على مطبخ الاتحادية، لم يكن لدينا دليل قاطع عليه، هذا ما أكدته هذه الاستقالة. مرسى لا يحكم، ولا يتمتع بأى كفاءة، فكيف يصدر إعلانات دستورية. المنتج النهائى للاستقالة يثبت أن كل ما أقدم عليه مرسى، من قرارات، باطل ومنعدم.
■ كثير من مساعدى ومستشارى الرئيس استقالوا فلماذا اكتسبت استقالة جادالله هذه الأهمية؟
- لأنها مكتوبة من الإخوان أنفسهم، وبأيديهم، فالمستشار جادالله كان منهم، وعلى اطلاع بدهاليز وطريقة الحكم، لذا أعتبرها وثيقة للتاريخ وليس مجرد استقالة.
■ لكن الناس العادية يقلقها التاريخ القادم لمصر، السؤال الدائم: البلد رايحة على فين؟
- راحت خلاص.. مصر لم يعد بها نظام حاكم ولا قانون ولا قضاء. مصر تعرضت فى عهد مرسى لعدوان أسوأ من عدوان 1967 منذ الإعلان غير الدستورى، وتعيين نائب عام بالمخالفة لجميع الأعراف، واختراق السلطة القضائية بما يسمى قضاة من أجل مصر، الذين ثبت أن جميعهم من إخوان، مما يفقدهم أصلا صلاحية تولى القضاء فالقاضى لابد أن يكون متحررا من أى انتماء سياسى، فالقاضى يحكم بالمستندات وبغير أى انتهاك للأعراف، إنما القضاء الآن فى حالة سيئة جدا لأنه لا يوجد قانون فى البلد.
■ إذن كيف تحكم مصر إذا ما كانت بلا قانون وبلا قضاء؟
- مصر تحكم بقانون العافية والبلطجة، منذ وضع مرسى رئيس الأركان، سامى عنان فى غرفة، والمشير حسين طنطاوى فى غرفة، ثم أطاح بهما. نحن أمام حكم إخوانى بالدرجة الأولى، وليس نظام حكم، أمام جماعة اغتصبت الثورة، وتدريجيا سنكتشف الكثير مما حدث إبان الثورة ومدى تورط وضلوع الإخوان فى الجرائم التى تخللتها.
■ مثل ماذا؟
- أنهم هم من فتحوا السجون، فعندما يتستر وزير الداخلية على هارب من السجون، ويقول إن اسمه لم يكن فى القائمة، هذا يستوجب استقالة الوزير ومأمور السجن وكل قيادات الداخلية، لأن المأمور لا يجرؤ على أن يستقبل أى سجين إلا بأمر اعتقال.
■ إذن ما تفسيرك لما قاله وزير الداخلية؟
- تفسير واحد، أنه وزير داخلية نظام الإخوان، وليس وزير داخلية مصر.
■ هل نجحوا فى إخفاء مستندات هروب دكتور مرسى من السجن؟
- هناك أدلة ثبوتية كافية، مهما أخفوا من أوراق، من ضمنها اتصاله بقناة الجزيرة، عبر القمر الصناعى. القضية المعروضة أمام جنح الإسماعيلية الآن ستكشف المزيد، والقاضى مصمم أن يستمع إلى الرئيس وقد طلبه للشهادة، ويجب عليه أن يذهب للشهادة. تصورى أنه لم يصدر قرار واحد سليم منذ توليه الرئاسة.
■ هل الخطأ من الرئيس أم من المستشارين القانونيين؟
- لا تحمليهم أكثر من طاقتهم، فالرئيس يتلقى الأوامر من الإرشاد، الذى يصدر القرار، ثم يعود ليسحبه، لأنهم ليس لديهم رؤية، فهم مجموعة من الفاشلين، سياسيا واقتصاديا.
■ كثيرون يرون أن هذا كشفهم أمام الشارع، والعالم كله، وأفقدهم شعبيتهم؟
- هذا صحيح، لو أنفقنا مليارات الدولارات لاكتشاف حقيقة الإخوان ما استطعنا كشفها، كما فعلوا هم بأنفسهم، وخلال وقت قصير جدا، لقد تحولوا مع مشروعهم، النهضة، إلى «نكتة سياسية»، فأقصى كفاءتهم هى تجارة التجزئة، فلا مشروع سياسى ولا اجتماعى ولا اقتصادى.
■ أثار تعيين المستشار حاتم بجاتو وزيرا للشؤون القانونية لمجلسى النواب والشورى لغط شديد حول نتائج انتخابات الرئاسة؟
- دعينى أخبرك أن المستشار حاتم بجاتو هو من أشار على المجلس العسكرى بفكرة أن تجرى انتخابات مجلسى الشعب والشورى أولا، قبل وضع الدستور، وهو اللاعب الرئيسى فى التعديلات الدستورية، واعترف لى أنه هو الذى شكل اللجنة التأسيسية، قائلا: مالها اللجنة يا دكتور إبراهيم، دا أنا اللى مختار أعضاءها! وكان على علاقة بالإخوان والمجلس العسكرى فى نفس الوقت، ولم يكن صادقا فى تصرفاته وفى أقواله وأفعاله، ففى أثناء إعداد التعديلات الدستورية، كان دائم الذهاب للمجلس العسكرى، يشير عليهم بأمور قانونية لصالح الإخوان حيث ثبت أركانهم فى الدستور، تمهيدا لحكمهم. وهذا ليس بجديد عليه، فهو كان يعمل مع ممدوح مرعى، وزير العدل الأسبق، وكلنا نعلم توجهاته وانتماءه لنظام مبارك.
■ هل تقصد أن المستشار بجاتو كان من الخلايا نائمة؟
- أظن أن عصام الإسلامبولى هو من أطلق عليه خلايا نائمة، لكننى أعتقد أنه اكثر من كونه خلايا نائمة.
■ إذا كنت تراه هكذا، فلماذا دافعت عنهم عندما حاصرتهم عناصر الإخوان؟
- دافعت عن المبدأ، وليس عن أشخاص. دافعت عن استقلال القضاء وعن المحكمة الدستورية، ضد التغول عليهما. لأننا لو فتحنا الباب اليوم لتغييرهم، بدعوى أنهم محسوبون على مبارك، سأرسخ لمبدأ الاعتداء على الدستورية وأعضائها، والتشكيك فى أحكامها.
■ فى رأيك ما الدور المنوط بالمستشار بجاتو لعبه فى الفترة القادمة؟
- أتى للدفاع عن الأخطاء الجسيمة لحكم الإخوان. ولمن لا يعلم كان موقعه كقاض أفضل من منصب رئيس الوزارة، بل راتبه أكبر من راتب وزير.
■ هل تؤمن بما قاله البعض من اتهامات للمستشار بجاتو بأنه كان له دور فى نجاح دكتور مرسى فى الرئاسة بشكل أو بآخر؟
- المستشار بجاتو متهم، لأن محامى الفريق شفيق قدم بلاغات كثيرة عندما أجريت الانتخابات الرئاسية، للجنة العليا للانتخابات، منها سرقة آلاف البطاقات من المطابع الأميرية، وتسويدها، ومنع قرى من التصويت،.. إلخ. بجاتو هو الذى كان يدير العملية برمتها، وليس فاروق سلطان أو عبدالمعز إبراهيم، وكانت له اليد الطولى بحفظ البلاغات دون تحقيق.
■ ربما حفظ البلاغات لعدم وجود أدلة عليها؟
- كان يجب أن يحقق أولا، فصوت واحد مزور يستحق أن تعاد انتخابات الدائرة، أو عدم اعتمادها، لكنه قصد بعدم التحقيق إنجاح من لا يستحق، مرسى، بتعمد وترتيب.