فى مذكراته «أرض الميعاد» تحدث الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، عن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، باعتباره يمينيا ومتعصبا «ورث إخلاص والده للدفاع عن إسرائيل، وبرر لنفسه أشياء عديدة من شأنها إبقاؤه فى الحكم، من منطلق رؤيته لنفسه كأنه كبير المدافعين عن اليهود».
يقول أوباما: «حذرنى رام إيمانويل فى عام 2009، بأننى لن أتمكن من إحراز تقدم فى عملية السلام، لصعوبة الأمر عندما يأتى الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الإسرائيلى من خلفيات سياسية مختلفة».
وتابع أوباما: «كنا نناقش عودة نتنياهو كرئيس لوزراء إسرائيل مؤخرًا، بعد أن تمكن حزب الليكود من تشكيل حكومة ائتلافية ذات ميول يمينية».
رام كان عمدة شيكاغو وعضوا بارزا فى الحزب الديمقراطى، كما كان لفترة وجيزة متطوعًا مدنيًا فى الجيش الإسرائيلى وجلس فى الصف الأول فى مفاوضات أوسلو، ونصح أوباما باستئناف محادثات السلام الإسرائيلى الفلسطينى، لكنه لم يكن متفائلاً، وقال أوباما: «كلما قضيت مزيدا من الوقت مع نتنياهو والرئيس الفلسطينى محمود عباس، كلما فهمت السبب».
يقول أوباما فى وصف نتنياهو: إنه «كان ذكيًا وحكيمًا وصعبًا وموهوبًا فى التواصل باللغتين العبرية والإنجليزية، عائلته لها جذور عميقة فى الحركة الصهيونية، ورغم نشأته فى منزل علمانى، ورث إخلاص والده للدفاع عن إسرائيل.. وكان من الصعب تحديد ما إذا كان نتنياهو ورث أيضًا عداء والده للعرب والميل للصراع معهم.. لكن شخصيته لم تسمح بأى تسوية أو اتفاق».
ما كان مؤكدًا لأوباما أن نتنياهو بنى شخصيته السياسية بالكامل حول صورة للقوة، ورسالة مفادها بأن اليهود لا يستطيعون التعامل بتقوى زائفة، من منطلق أنهم يعيشون فى حى قاس ولذا كان عليهم أن يكونوا قاسين.
هذه الفلسفة جعلته، من وجهة نظر أوباما، يتماشى بدقة مع أكثر أعضاء لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) تشددا، بالإضافة إلى المسؤولين الجمهوريين واليمينيين الأمريكيين الأثرياء.
يقول أوباما: «رؤيته لنفسه على أنه المدافع الرئيسى عن الشعب اليهودى سمحت له بتبرير أى شىء تقريبًا من شأنه أن يبقيه فى السلطة، كما أن معرفته بالسياسة والإعلام الأمريكية أعطته الثقة فى أنه يستطيع مقاومة أى ضغط من قبل إدارة ديمقراطية مثل إدارتى».
على الرغم من اختلافات وجهات النظر بين أوباما ونتنياهو، إلا أن النقاشات المبكرة بينهم عبر الهاتف وأثناء الزيارات لواشنطن سارت بشكل جيد. يقول أوباما إن نتنياهو كان أكثر اهتمامه بالحديث عن إيران، التى اعتبرها أكبر تهديد أمنى لإسرائيل، واتفقنا على تنسيق الجهود لمنع طهران من الحصول على سلاح نووى.
لكن عندما طرح أوباما إمكانية استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين، لم يبد نتنياهو ملتزما، وقال لأوباما: «أريد أن أؤكد لكم أن إسرائيل تريد السلام.. لكن السلام الحقيقى يجب أن يلبى الاحتياجات الأمنية لإسرائيل».
يقول أوباما إن نتنياهو أوضح له أنه يعتقد أن عباس على الأرجح غير راغب أو غير قادر على القيام بذلك، وهى نقطة تعمد نتنياهو التأكيد عليها أيضًا علنًا.
ويعتقد أوباما أن إحجام نتنياهو عن الدخول فى محادثات سلام جاء ناتجاً عن قوة إسرائيل المتزايدة، ويصف أوباما الرئيس الفلسطينى بأنه «كان الخيار المفضل لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل لقيادة الفلسطينيين بعد وفاة عرفات، لاعترافه الصريح بإسرائيل ونبذه طويل الأمد للعنف».
يشير أوباما إلى أن عباس بعد أن فقد السيطرة على غزة بالفعل لصالح حماس فى الانتخابات التشريعية لعام 2006، رأى أن محادثات السلام مع إسرائيل هى مخاطرة لا تستحق المجازفة.
وكشف أوباما أنه لإقناع نتنياهو وعباس الجلوس على طاولة المفاوضات، اعتمد على مجموعة موهوبة من الدبلوماسيين، بدءًا بهيلارى كلينتون، التى كانت على دراية جيدة بالقضايا ولديها بالفعل علاقات مع العديد من اللاعبين الرئيسيين فى المنطقة.
وصف أوباما بناء إسرائيل لمستوطنات جديدة فى الضفة الغربية بأنه أمر تطور مع مرور الوقت ليصبح سياسة حكومية بحكم الأمر الواقع، وفى عام 2009، كان هناك حوالى ثلاثمائة ألف مستوطن إسرائيلى يعيشون خارج حدود الدولة المعترف بها.
وقال أوباما إنه بدأ بالدعوة إلى تجميد مؤقت لبناء المستوطنات، وكما هو متوقع، كان رد نتنياهو سلبيًا بشكل حاد، وسرعان ما اتهم إدارة أوباما علنًا بإضعاف التحالف الأمريكى الإسرائيلى. و«بدأت هواتف البيت الأبيض فى الرنين، حيث قام أعضاء فريق الأمن القومى الخاص بى بتلقى مكالمات من المراسلين وقادة المنظمات اليهودية الأمريكية والداعمين البارزين وأعضاء الكونجرس، كلهم يتساءلون عن سبب تركيزنا على إسرائيل والتركيز على المستوطنات عندما يكون الجميع عرف أن العنف الفلسطينى هو العائق الرئيسى أمام السلام».
لكن بعد وقت قصير من إلقاء خطابه فى القاهرة، فى أوائل يونيو 2009، كشف أوباما أن نتنياهو أرسل خطابا خاصا أعلن فيه، لأول مرة، دعمه المشروط لحل الدولتين.
وبعد شهور من الجدل، وافق هو وعباس أخيرًا على المشاركة لإجراء مناقشة وجهًا لوجه أثناء تواجدهما فى أمريكا لحضور اجتماع القادة السنوى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نهاية سبتمبر.
وقال أوباما: «إنه رغم المناورات الدبلوماسية التى مارسها كل من جورج ميتشل (المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط فى عهد أوباما) وهيلارى كلينتون، إلا أن خططنا لمحادثات السلام لم تسفر عن شىء، حتى أواخر أغسطس 2010، قبل شهر واحد فقط من انتهاء مدة تجميد الاستيطان، عندما وافق عباس أخيرًا على إجراء محادثات مباشرة إلى حد كبير بفضل تدخل الرئيس المصرى حسنى مبارك والملك عبدالله ملك الأردن».
تحدث أوباما عن مشاعره بالقلق بعد انتهاء المفاوضات بين مبارك، والملك عبدالله، وعباس، ونتيناهو، فى واشنطن أغسطس 2010، وقال أوباما: «عندما انتهى العشاء وعاد القادة إلى فنادقهم وجلست فى غرفة المعاهدات لاستعرض مداخلاتى التى سألقيها فى اليوم التالى، لم أستطع منع نفسى من الشعور بقلق غامض».
وتابع: «الخطابات، والكلمات القصيرة، والألفة السهلة أداء ربما شارك فيه كل من القادة الأربع عشرات المرات من قبل، وهو مصمم لاسترضاء أحدث رئيس للولايات المتحدة كان يعتقد أن الأمور يمكن أن تتغير».
وقال: «يمكن لنتنياهو أن يلوم غياب السلام بسبب الرئيس عباس بينما يفعل كل ما فى وسعه لإبقائه ضعيفًا، ويمكن لعباس أن يتهم إسرائيل علنًا بارتكاب جرائم حرب، ويمكن للقادة العرب أن يتحسروا على الظلم الذى يتعرض له الفلسطينيون تحت الاحتلال بينما تقوم قوات الأمن الداخلى الخاصة بهم فى بلادهم بطرد المعارضين والساخطين الذين قد يهددون قبضتهم على السلطة بلا رحمة»، و«لا أحد من القادة الذين التقيت بهم اعتقدوا أن أى شىء يمكن أن يحدث بخلاف هذا الواقع».