تجاهل الغرب الزعماء الأفارقة، ما مهد الطريق لتفشي الفوضى في ليبيا، فالعقلية الاستعمارية القائمة على التمييز العرقي ترى القارة الإفريقية «ملعبا أوروبيا»، وتتجاهل مخاوف الأفارقة وتواصل تأجيج الموت والدمار، فالغرب يكرر نموذج «لورانس العرب» ولكن هذه المرة في إفريقيا، حسب مجلة فورين بوليسي.
قال أستاذ العلاقات الدولية والفكر السياسي بمركز الدراسات والأبحاث الإفريقية بجامعة كورنيل، سيبا نزاتيولا جروفوجوي، إنه يبدو أن الفوضى التي تعم ليبيا اليوم تدعم الرأي الإفريقي بأن محادثات السلام الشاملة والانتقال الدستوري كانا مفضلين على شن هذا النمط من الحرب الشاملة التي لا يمكن التكهن بنهايتها.
وأضاف في مقاله التحليلي الذي نشرته مجلة فورين بوليسي في عددها الجديد، أن ما حدث في ليبيا ليس جديدا، موضحا أنه كان هناك استخفافا مماثلا بالزعماء والنخب الإفريقية بسبب معارضاتهم شبه الموحدة للغزو الأمريكي للعراق في 2003 . وأشار إلى أن الزعماء الأفارقة يتعرضون على نحو روتيني للنقد بسبب ما يسمى بـ «الضعف الأخلاقي»، والفساد، وعدم تقدير المخاطر في السياسة العالمية .
ونبه إلى أن قيادات الغرب لم يكفوا عن التشكيك في أن جيران ليبيا المباشرين والزعماء الذين عرفوا معمر القذافي منذ عقود ربما عندهم شيء يقدموه . ونوه إلى أن التشكيك في إفريقيا قاد فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية إلى محاباة تغيير النظام الحاكم في ليبيا وتهميش إفريقيا تماما، مؤكدا أن هذا التهميش تم تقديمه في الصحف على أن إفريقيا خسرت نفوذها، بينما كانت القرارات تتخذ في برلين وأسطنبول وموسكو.
وأردف أن فرنسا تعمدت هي وحلفاؤها الغربيون والعرب، تهميش إفريقيا من خلال منع الاتحاد الإفريقي، والوسطاء المقترحين من الأفارقة البارزين من رؤساء الدول وغيرهم، من التدخل في عملية التحول السياسي التي طالب بها الشارع العربي، حسبما هو مفترض، والتي قد تؤدي وعلى نحو إعجازي إلى الانتقال من طغيان القذافي إلى الحكم الديمقراطي .
واستشهد بما يسمى تاريخيا بـ«عبء الرجل الأبيض» الذي يمثل العقلية الاستعمارية التي تعتبر إفريقيا مكانا تتحرك فيه أوروبا انطلاقا من أمنياتها، فمن مؤتمر برلين 1884 ومؤتمر برازافيل 1944 وصولا إلى التدخل في ليبيا 2011، شعرت أوروبا بالراحة في تقرير مصير إفريقيا دون استشارة الأفارقة .
وسادت نظرية عبء الرجل الأبيض في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، والتي لجأت إليها الدول الاستعمارية لتبرر هيمنة الرجل الأبيض، حيث ظهرت النظرية في فكر القرن التاسع عشر، كنظرية عنصرية متكاملة تقسم البشر إلى أجناس غير متساوية القيمة. بين أجناس عليا تمثل الرجال والنساء البيض، وأجناس دنيا تمثل الرجال والنساء السود ولواحقهم والمهجنين. وحسب النظرية يمنح للرجال البيض كل الحقوق والامتيازات، فيما يبقى الرجال السود مجرد عبيد ينتمون إلى ثقافات بدائية متوحشة ومتخلفة، ولذلك كان يطلق عليهم«البرابرة» أو «الهمجيين».
وقال الكاتب إن أوروبا اعتمدت طويلا على نصيحة من يسمون برواد الأعمال الاستعماريين مثل هنري مورتن ستانلي، الذي كان كبير المستشارين للمك ليوبولد الثاني، ملك بلجيكا حول الكونغو، مؤكدا أن التدخل الأوروبي لم يحقق سوى قليلا من التغيير، فعلى سبيل المثال اختار الرئيس الفرنسي الأسبق نيقولا ساركوزي، بيرنارد هنري ليفي، ككبير مستشاريه حو ليبيا ، ومن ثم فإن اختيار متخصصين من غير الأفارقة ليس مفاجأة .
واقتبس قول ساركوزي في يوليو2007 في خطابه بجامعة الشيخ انتا ديوب بدكار، السنغال، والتي أعلن فيه أن مأساة إفريقيا تنحصر في أن الأفارقة لم يدخلوا التاريخ بشكل كامل .
وأشار إلى أن هنري ليفي، مستشار ساركوزي، الذي يوصف، في التقليد الاستعماري بالرجل الأبيض المُخلِص، والذي نال التقدير على سقوط القذافي ولتدعيم المسؤولية التي التي أناطتها به الأمم المتحدة لحماية ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية .
وربط بين رواية ليفي عن دوره في الأحداث برواية لورانس العرب، وهو قائد عسكري بريطاني ظهر كمستشار ولعب دورا أساسيا في الثورة العربية عام 1918 ضد العثمانيين، والتي جسدها فيلم وثائقي كتبه وأخرجه ليفي نفسه تحت عنوان «يمين طبرق».
وركز الكاتب على نتيجها مفادها أن الزعماء الغربيين مثل ساركوزي، ومستشاريهم مثل ليفي، تصرفوا انطلاقا من اعتقاد بديهي بأن الأفارقة يفتقرون إلى الأنظمة الأخلاقية والفكرية المتماسكة التي تستلزم الاهتمام، مستدركا بأنها رؤية بالية وخطيرة .
ودلل على ذلك بأن تصفية الاستعمار أفسحت مكانة للأفارقة كي يصيغون آرائهم بشأن الأخلاق الدولية، والتي تشمل الحق في تقرير المصير، والمواطنة العالمية، والمصالحة كوسيلة لصنع السلام .