يقع جنوب ليبيا أسيرا للنزاعات القبلية والعرقية بعد تدخلات كثيرة في الجنوب منذ 2011 وحتى الآن وفي مقدمتها التدخل القطري والتركي وعملهما على تحويل مدن جنوبي ليبيا إلى مسرح لصراعات النفوذ الأجنبية.
ويتحقق ذلك من خلال الإبقاء على حالة الصراع والنعرات قائمة لاستمرار الفوضى وذلك بالتزامن مع منازعة الجيش الوطني الليبي النفوذ داخل الجنوب.
ويأتي ذلك كله استهدافا لثروات ليبيا التي يتركز منها نحو 70% في جنوب البلاد.
ويرى خبراء، بحسب مداد نيوز إنها ربما تكون السبب الأبرز في استمرار معاناة الجنوب وعدم وجود مساعدة دولية، إلا من بعض الدول التي لا تستهدف الثروة الليبية، للجيش الوطني الليبي لفرض أجندة السيادة الوطنية وحماية الجنوب الليبي بالشكل الكافي والمأمول بما يقطع الطريق على التدخلات الأجنبية.
ومن بين انعكاسات التدخلات الأجنبية في جنوب ليبيا، وتحديدا التدخل القطري والتركي، تكريس عدم الثقة والشعور بالعزل والصراعات بين أبناء الجنوب الليبي.
والخميس انتقد المجلس الأعلى لقبائل الطوارق عدم مشاركة شخصيات تمثلهم ضمن قائمة الـ 75 التي أعلنت البعثة الأممية في ليبيا مشاركتها في ملتقى الحوار السياسي المقرر عقده بتونس في التاسع من نوفمبر المقبل.
بيانات المجلس والأعيان وصفت عدم التمثيل بأنه تغييباً وتهميشاً وإقصاءً متعمداً لمكون من مكونات الشعب الليبي.
وتعقدت الإشكاليات في جنوب ليبيا بعد 2011 بعد تدخل قطر وتركيا، وبروز ذلك في الصراعات القبلية فيما يوصف من قبل المراقبين الليبيين بأنه صراع الكل ضد الكل.
قطر والنزاعات القبلية الكل ضد الكل
الصراعات القبلية خلقت قطر بعضها وزكت البعض الآخر، فهناك صراعات بين التبو والزوية، وبين الطوارق والتبو، وبين أولاد سليمان والقذاذفة، وبين التبو وأولاد سليمان، وأيضاً الصراع ما بين حكومة الوفاق، بقيادة فايز السراج، والجيش الوطني الليبي لبسط النفوذ على الجنوب، فضلا عن دخول المرتزقة والميليشيات الوافدة من تشاد والنيجر والسودان إلى جانب التنظيمات الإرهابية صراع تؤججه وتدعمه دولاً ومنظمات بعينها.
ودفعت الدوحة أموالا لإتمام الصلح بين الطوارق والتبو عام 2015، وناصرت إعلاميا تهديد القبيلتين في العام 2017 بالانفصال احتجاجا على مسودة الدستور وقدمت قطر الدعم العسكري لتحالف القذاذفة والتبو خلال صراعهم مع أولاد سليمان حتى تمكنوا من السيطرة على قاعدة تمنهنت الجوية العسكرية.
وفي نوفمبر 2014، ساعدت ميليشيات مصراتة «المدعومة من قطر» الطوارق لانتزاع السيطرة على حقل الشرارة النفطي من التبو الذين كانوا قد تحالفوا مع الزنتان.. كما تسعى قطر للتقرب من القبائل العربية.
ويقول الخبير الاقتصادي الليبي والمحاضر في جامعة سرت، محمد سويلم، إن الثروات كانت سببا في النزاعات الدولية متعددة الأطراف مستخدمةً الأطراف المحلية أو الاستعانة بتشكيلات مسلحة من خارج المنطقة.
ويوضح، في تصريح خاص لسكاي نيوز عربية، أنه في بعض الأحيان تتداخل وتتقاطع المصالح وتتشابك بين القوى الدولية اللاعبة بالمنطقة والتشكيلات المسلحة.
ويعطي سويلم مثالا على ذلك باستعانة قطر وتركيا بمجموعة الإرهابي الليبي إبراهيم الجضران الذي استولى في وقت سابق على الهلال النفطي بمحيط مدينتي السدرة ورأس لانوف.
وتحالف التبو، المدعوم من قطر، والعصابات التشادية التي يقودها المتمرد التشادي تيمان ارديمي، المقيم في قطر، للسيطرة على جبال الذهب وأحواض الغاز بأقصى الجنوب الليبي.
تركيا والكنز الليبي المدفون
كشف تقرير تركي، بشكل غير مباشر، عن نظرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأطماعه في الجنوب الليبي.
وأشار التقرير التركي، الذي نشرته وكالة الأناضول للأنباء، إلى تركز ثروات ليبيا في الجنوب، وقال إنه في الجنوب الغربي بمنطقة تاروت في مدينة براك الشاطئ، شمال مدينة سبها، توجد مناجم الحديد وفي منطقة العوينات الغربية بالقرب من مدينة غات الحدودية مع الجزائر توجد مناجم اليورانيوم كما يوجد خام الذهب قرب المثلث الحدودي مع مصر والسودان بمنطقة العوينات وفي جبال تيبستي على الحدود مع تشاد.
واستند التقرير التركي بشكل كبير على دراسة صادرة عن وكالة الطاقة الأميركية، جاء فيها أن ليبيا لديها مخزون من النفط الصخري يقدر بـ74 مليار برميل مما يجعلها الأولى عربيا والخامسة عالميا من حيث احتياطات النفط الصخري الموجود في شمال غرب ليبيا وفي جنوبها ووجود مخزون منه يقدر بنحو 177 تريليون قدم مكعب فضلا عما تتمتع به المنطقة من طاقة شمسية.
ومن جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي، محمد الزبيدي، أن الصراع الدائر في الجنوب وتغذيه دولا بعينها هو صراع حول النفوذ والسيطرة على الثروات الطبيعية بالمنطقة والتي يقدرها الخبراء الليبيين بنحو 60 إلى 70% من حجم الثروة الطبيعية الليبية.
وأضاف الزبيدي، في تصريح خاص لسكاي نيوز عربية، أن الجنوب الليبي بالنسبة للأتراك هو «كنز مدفون» لأن ليبيا ليست دولة مصدرة للبترول وقليل من الغاز فحسب، بل تمتلك ثروات معدنية هامة غير مستغلة مثل الذهب والحديد واليورانيوم ورمال السيليكا والمنجنيز وغيرها من المعادن مازالت بباطن الأرض.
مساندة الجيش الوطني الليبي
ومن جانبه، يقول الخبير العسكري الليبي اللواء محمد حمودة لسكاي نيوز عربية إن غياب دور الدولة الأمني والعسكري وبسط نفوذها على الأراضي الليبية بالجنوب، وسياسة التهميش التي يعاني منها أهل إقليم فزان وترك القبائل والمليشيات التابعة لها تقوم بالدور الأمني وحراسة الحدود جعل المنطقة ملعباً مفتوحا لكافة الأطراف من الداخل والخارج.
وحل المشكلة الليبية، من وجهة نظر حمودة، يبدأ من تماسك المؤسسة العسكرية وتطويرها لقدرتها على ضبط الأوضاع، ولنأخذ مثالا على ذلك بنجاح الجيش الوطني الليبي في إعادة سيطرة الدولة على حقلي الشرارة والفيل بعد قتال مع ما يعرف بالقوة الثالثة المكونة من ميليشيات مصراتة ومجموعة إبراهيم الجضران المكونة من مرتزقة تشاديين ومجلس شورى بنغازي الإرهابي وكلها ميليشيات تربطها علاقات بقطر وتركيا التي تتسلل للجنوب عبر التناقضات الأمريكية الفرنسية الإيطالية.
ويطالب حمودة الدول الراعية للسلام الحقيقي في ليبيا دون الطمع في مواردها وعلى رأسها مصر مساعدة الليبيين في القضاء على تهميش الجنوب الليبي بضرورة تمثيلهم ضمن اللقاءات والمشاورات على سبيل المثال المشاورات الأمنية والعسكرية المعروفة بـ«خمسة زائد خمسة» (5+5) لتصبح ثلاث خمسات بإضافة 5 ممثلين عن الجنوب.