لقد دفعت عدة مئات من التكنولوجيا الصغيرة فى جميع أنحاء كامبريدج لازدهار الفكر الإبداعى للناس، وجذبت شبكات التكنولوجيا العالية إلى حديقة العلوم.
تحدثنا فى مقالات سابقة عن جامعة الجيل الثالث كتصور جديد لما يمكن للجامعة، أى جامعة، أن تقدمه لبلدها فى مجال التقدم والاستفادة بالعلم والتكنولوجيا وتطبيقاتها لدعم اقتصاد البلاد. اليوم سنأخذ مثالا حيا كيف استطاعت جامعة كمبريدج بإنجلترا أن تصبح خلال 30 سنة نموذجا محترما يمثل صفات وخصائص جامعة الجيل الثالث، حيث كانت بيئتها التشريعية والثقافية الأقرب إلى غالبية الجامعات فى العالم، مثل الجامعات الأمريكية كمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وستانفورد اللذين سبقا فى اعتماد عناصر جامعة الجيل الثالث. جامعة كامبريدج هى ثانى أقدم جامعة على مستوى العالم الناطق بالإنجليزية بعد جامعة أوكسفورد، وإحدى الجامعات السبع العتيقة فى الجزر البريطانية. تأسست عام 1209.. تقع فى مدينة كامبريدج بالمملكة المتحدة. احتلّت المركز الأول على ترتيب جامعات العالم حسب تصنيف QS لعام 2010 متجاوزة هارفارد الأمريكية لأول مرة منذ 7 سنوات. تعتبر من أكثر الجامعات تميزًا فى العالم.. تعتبر الجامعة الأعرق على مستوى العالم فى مجال العلوم الطبيعية والرياضيات والفيزياء.. حصلت على 89 جائزة نوبل، أكثر من أى جامعة أخرى فى العالم. خرّجت الجامعة بعضا من أهم العلماء فى القرون الماضية، من بينهم: إسحاق نيوتن (نظرية الجاذبية)، تشارلز داروين (نظرية التطور)، ويليام هارفى، ديراك، جوزيف طومسون (مكتشف الإلكترون)، أرنست رذرفورد، جيمز ماكسويل، جيمس واطسون، وفرنسيس كريك (تركيب الحمض النووى)، وغيرهم. بداية، دعونا نلقِ نظرة على التطورات التى حدثت فى مقاطعة كامبريدج، المملكة المتحدة. بفضل ظهور صناعة كبيرة ذات تكنولوجيا عالية، حولتها من واحدة من أفقر المناطق فى إنجلترا إلى ثانى أغنى مناطقها، حيث كانت فى ذلك الوقت منطقة ريفية لا يوجد بها صناعة، حدث هذا التغيير غير العادى نتيجة تفاعل قوى مع جامعة كامبريدج، والتى كانت فى نفس الوقت تقوم بعملية تحديث كبرى لتكون ضمن جامعات القمة فى العالم. وسمى التحولان معا بظاهرة كامبريدج Cambridge Phenomenon، حيث كانت أكثر وضوحا وكانت جزءا من تطور اجتماعى وسياسى أوسع. كان ظهور صناعة التكنولوجيا الفائقة ينبع من الأنشطة التى تقوم بها الجامعة، ويعود أيضا إلى رجال الأعمال الذين توجهوا إلى مجتمع علمى وبيئة ديناميكية على نحو متزايد، فظهرت شركات مثل أجهزة كامبريدج، التى أسسها هوراس داروين Horace Darwin (ابن تشارلز داروين) فى 1881، وشركة باى راديو Pye Radio والتى تأسست فى عام 1896 مع مختبر كافنديش فى كامبريدج (وتولتها شركة فيليبس للإلكترونيات عام 1960). وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت شركات أخرى تستغل التقدم الرهيب فى مجال الإلكترونيات نتيجة الحرب. فى عام 1970 كان هناك حوالى 20 شركة، وبعدها بقليل ظهرت موجة جديدة من المؤسسات، منها شركة أرك ARC، سنكلير Sinclair، أكورن للكمبيوتر Acorn Computers وغيرها. وفى عام 1983، مثلت كامبريدج واحدة من ثلاث مجموعات من النشاط الصناعى الجديد فى المملكة المتحدة، بجانب غرب لندن ووسط اسكتلندا. لقد دفعت عدة مئات من التكنولوجيا الصغيرة فى جميع أنحاء كامبريدج لازدهار الفكر الإبداعى للناس، وجذبت شبكات التكنولوجيا العالية إلى حديقة العلوم. حيث ضمت أساتذة من أقسام الرياضيات والكمبيوتر. وأصبحت البحوث متعددة التخصصات أكثر أهمية، وعلى سبيل المثال، تم إنشاء كرسى جديد فى أحد التخصصات الطبية تتعاون فيه كلية الطب، والمدرسة البيطرية، وإدارة الهندسة، ومعهد التكنولوجيا الأحيائية. وبينما اكتسب التعاون مع الصناعة سرعة، سعت الجامعة بنجاح للحصول على مجموعة من المنح الحكومية الجديدة، مستفيدة من خبرتها وسمعتها. وعندما أصبح جوردون براون Gordon Brown (وزير الخزانة) وزيرا للتمويل فى عام 1997، بدأ فى إعداد الكتاب الأبيض للحكومة، نص فيه على أن «القدرة على تحويل الاختراعات العلمية إلى منتجات وعمليات تجارية ناجحة هو أمر حيوى فى الاقتصاد القائم على المعرفة». وكان لهذا البيان أهمية تاريخية، لأنه جعل «نقل التكنولوجيا إلى المجتمع» هو الهدف الرسمى الثالث لمعاهد التعليم العالى.
* أستاذ بعلوم القاهرة