يواصل الكاتب عمار على حسن سرد أحداث الجزء الخامس من روايته «آخر ضوء»..
وزارنى أبى في السجن عدة مرات، لكنه في المرة الأولى كان حريصًا على أن يقول لى:
ـ نفعنى الجيش، وكنت أظنه لا ينفع في مثل هذا.
وكنت أعرف أنه يحب دومًا أن يحدثه الناس عن الجيش، وأيامه في حرب اليمن، وحرب السابع والستين، وحرب أكتوبر. كان يشمخ بأنفه كلما سمع أي من أهل حينا يقول له، وهو يستعيد السنوات التي غابها في الجبال والصحارى:
ـ أنت والله بطل يا «أبوعبده».
لهذا قلت له على الفور:
ـ طبعا يا أبى، ينفع.
ولم أكن أعرف عما يتحدث، فتطلعت إليه، وسمعت منه:
ـ الضابط الذي فتش البيت كاد يخدعنى حين أقنعنى بأن أذهب معه لأقنعك بالاعتراف مقابل أن يخلوا سبيلك، لكن المساعد الذي كان بصحبته، احترم الزمالة، وأوصانى هامسًا بألا أثق في كلام الضابط، وأن أطلب منك أن تنكر وتصمت.
وابتسمت له، ووضعت يدى على كتفه، فواصل:
ـ مساعد مثلى، هو في الشرطة وأنا في الجيش، لكن الحال من بعضه.
وأردت أن أشاركه فرحته بما فعل، فقلت له:
ـ ربنا يخليك يا أبى، لولا أن الرجل احترمك، وقدر الزمالة ما وصاك بما أوصيتنى به، فنجوت.
تنحنح، وهو يلملم ابتسامة خاطفة، وقال:
ـ مساعد الشرطة أبلغنى يومها أن الحكومة جادة في إنزال أشد العقاب بمن حركوا الشارع.
وكنت أعرف أنه يريد أن يطيل الحديث عما فعله من أجل حمايتى، ليعوض عجزه عن حمايتى من أمى القاسية، فجاريته، وفتحت باب الكلام بلا حدود، إلى أن انتهت الزيارة.
وأعاد الكلام فور وصولى إلى البيت بعد الإفراج عنى، لكن أمى طوحت يدها في الهواء، وهى تعطينى ظهرها في تأفف، وقالت:
ـ خليك وراه إلى أن يضيع.
ورمى وجهه في صدره، غائبًا في أحزانه، لكنى أهملت كلامها، ولاحقته قبل أن يضنيه الصمت:
ـ كيف خاطر الرجل ونصحك؟
رفع وجهه وقال:
ـ احترم الزمالة.. كما أنه رجل طيب، أب مثلى.
ابتسمت وقلت:
ـ وهل بين هؤلاء رجل طيب؟
صمت برهة وقال:
ـ في البرك العفنة تنبت أحيانًا زهور جميلة لها رائحة طيبة.
وكانت تعجبنى حكمته التي أتته من كثرة الصمت حيال ثرثرة أمى، وقبلها مع مغزله وخيوطه، منذ أن كان صبيًا يعمل سروجى في ورشة كبيرة بـ «الدرب الأحمر» إلى أن وجد وظيفة بالجيش لمهارته في مهنته، التي مكنته فيما بعد من أن يدخل مكاتب بعض القيادات، ويسعى من خلالهم إلى إلحاقى بالكلية الفنية العسكرية، لكن الأيام أخذتنى في طريق مختلفة.
«فى البرك العفنة تنبت الزهور أحيانًا».
الله يا أبى، كم أفتقد حكمتك في هذا القبو، الذي يعشش فيه عفن كريه، ولا يمكن أن تنبت في عتمته الدامسة أي زهرة؟ وحتى حين تشرق الشمس في خارج هذه الجدران، وترسل بعض نورها عبر ثقب الباب الصدئ، لن أجد زهورًا أبدًا.
أبى كبر هناك بين الشوارع والمعسكر اثنى عشر عامًا، وأنا كبرت، وكبر معنا «الاتحاد السوفيتى» شاخ أبى، وشاخ هو أكثر منه، وتخطيت أنا الثلاثين بسنتين، دون أن أفارق اللحظة التي كنت عندها، حين وقفت خطيبًا بين زملائى في باحة الكلية بعد ثلاثة أسابيع من الغضبة الكبرى.
لم أيأس حين وجدت «جورباتشوف» يمهدنا لبداية النهاية، وكلماته تزدهى فوق صلعته الناعمة، والبقعة البنية التي تحط عليها، كأنها تؤشر إلى الخرائط التي سيقطعونها من ملكه المتداعى. جرى بعضنا نحو بعض، كل منا وقف أمام الآخر، ونظرنا في عيوننا مليًّا، وطرحنا السؤال الذي فتنا به دومًا حين كتبه الرفيق «لينين»:
ـ «ما العمل؟»..
بدا الأمر لنا في هذه اللحظة، وكأنه مهمة الحفاظ على آخر شرارة من نار عرمرم استدفئنا بها سنين، وأرانا خيط لهيبها، حين أنار قليلًا، ما نضع فيه أقدامنا على دربنا الطويل.. الطويل.
لم يكن لدينا وقت نضيعه في التفكير، فتحركنا سريعًا ننفذ ما قاله لنا الرفيق الكبير الدكتور «نبيل سعيد»، وهو ينفث دخان سيجارته أمام أعيننا المتعلقة بوجهه المريح، ورأسه الذي نعده معمل أفكار متنقل:
ـ لننتشر وسط العمال، هم ناسنا ومصدر قوتنا، وهدفنا، وبهم بدأت غضبتنا في مطلع العام السابع والسبعين.
ولم أكن بعيدًا عن هذه الطريق أبدًا، بل كنت من أكثر الرفاق سيرًا فيها. في أوله كانوا جميعًا يتحدثون عن عزمهم الذي لا يلين، وتضحياتهم التي لا حدود لها، في سبيل أن تنتصر فكرتهم، وتجرى بين الناس، لتصل إلى الغاية المنشودة. بعضهم قطع ثلاث خطوات فقط ثم استدار وعاد هاربًا، وبعضهم تحامل وقطع خطوات أبعد قليلًا، لكنه نكص وفر، عائدًا إلى الثرثرة.
عرفت أيامها، وأنا على الشاطئ، أن لكل فكرة أولياءها وأدعياءها، وقررت أن أكون من الأولياء. استأجرت غرفة متواضعة في حى «شبرا الخيمة»، حيث القلاع الصناعية التي كانت لا تزال تدوى، قبل أن تصمت تباعًا، مخلفة وراءها الحسرات. كنت مدفوعًا على الدوام بقول الرفيق الكبير «عامر النجدى» الذي رحل عن الدنيا:
ـ مخالطة الناس هي التي تخلق الوعى الطبقى أكثر من قراءة الكتب.
ذهبت لأرمى نفسى بين الناس، ولم أكن أدرى على وجه اليقين إن كنت أهرب من أمى، أم ألبى نداء الواجب حيال ما أؤمن به؟ وتصالح الأمران داخلى، فقد كانت فرصة أن أبتعد عن وجه امرأة لا تكف عن استغلال أبى والإساءة له ولى، وأوسع مكانا لإخوتى، وأرفع جزءًا من العبء الذي يثقل كاهل أبى. ومع هذا أكون مع أولئك الذين أسعى من أجلهم.
كنت في السنة الثانية من حياتى الجامعية، حين دفنت رأسى وسط رؤوس المتعبين، الذين كانوا يدبون حولى كنمل جائع، يظللهم غبار الطريق، وسناج المداخن المجهدة، والثرثرات التي تتدفق من المقاهى مخلوطة بنقرات النرد والضحكات الموجوعة.
كانت حارة غارقة في الأسى والبهجة، أسى مقيم وبهجة عابرة. وكنت أقطعها على مهل محملقًا في وجوه الناس، ويملؤنى شعور بأننى مسؤول عنهم، حتى من يكبروننى في السن، ومن يرفعون وجوههم إليَّ وفى عيونهم سؤال:
«من هذا الغريب؟»..
في الليل يأتينى نقر زهر الطاولة، وقرقعة قواشيط الدومينو على مقهى صغير يظل ساهرًا حتى يسيل النور الأول من السماء. ويأتينى غنج نسوة متحرقات شوقًا للمضاجعة، وبكاء صغار، وشجار شباب في الأركان المظلمة والنواصى وعلى الأسطح، وداخل الحجرات المقبضة، ومواء قطط ونباح كلاب جائعة.
كنت أرمى أذنيَّ إلى النافذة، واسترق السمع، إلى تلك الألحان المشتهاة، الممزوجة بلهو وغضب، فيتقلب جسدى الفتى بين لحظات أنس، أنسى فيها كل شيء بما في ذلك الهدف الذي أتيت إلى هنا من أجل تحقيقه، وبين لحظات وحشة، يتملكنى فيها شعور بالأسى حيال من أعيش معهم، وينقصهم أن يعرفوا أن ما هم فيه قبيح ومزر، وكفيل بانفجارهم غضبًا.
ولمت نفسى أحيانًا على بعض وقتى الذي يضيع وأنا أحتفل باللذة التي تجتاحنى حين أسمع تأوهات تلك المرأة التي تقطن في الطابق الذي يسبق غرفتى المقبضة. كانت الزوجة الثانية لرجل لا يبدو على من يراه سائرًا في الشارع، يجرجر قدمين متعتبين، أنه قادر على انتزاع كل هذه الصرخات منها، وهو يضاجعها طوال الليل. كان يغيب أيامًا، وحين يعود، أعرف أنه قد عاد، حين تقتحم الصرخات نافذتى الصغيرة، وتأخذنى من كل شيء، وتضيف إلى أسباب بقائى في هذا المكان سببًا جديدًا، وكنت أقول لنفسى:
«لا بد من شيء غريب يعين على البقاء هنا».
في الحالتين رأيت في هذا ما يؤكد أن الطريق الذي أمضى فيه هو الأصوب. إنه الحس الذي يحرك هذه الأصوات الساخنة فتملأ الليل غنجًا وزعيقًا وشخيرًا وقهقهة. إنه نداء الجسد الذي لا يكف عن النداء، ذلك الشيء الذي يرقص من فرط الألم على الجسر الواصل بين المعدة والفرج، وبين القلب والساعد، وأنا ومن معى مشغولون بملء كل البطون الخاوية، وإنهاء كل أشكال الاستغلال، حتى لو كان استغلال رجل أنانى لجسد امرأة فائرة، يقضى منها وطره، ويتركها تتلوى.
اكتفيت في البداية بالتنصت على أصوات الليل الساخنة، وكنت أدس يدى بين فخذى حتى أنال بهجتى، لكن هذا كان يزيدنى حرمانًا، تشتد ضراوته حين كنت استدعى جسد الأرملة التي تقطن في الطابق الثالث، وأراها في صعودى وهبوطى، ترمقنى بنظرات عميقة.
كنت أهرب منها، لكنها برعت في تضييق الخناق عليَّ مستغلة ضعفى وغربتى وخوفى. راحت تخترع الحجج التي تجعلنى في طريقها، إلى أن وجدت نفسى ذات ليلة عاريًا في أحضانها، أتعلم منها فنون المضاجعة، التي تعلمتها في رحلتها الطويلة تحت أجساد الرجال.
كانت بجحة، ولا تهاب أحدًا، مسنودة بأخيها الذي يعمل موظفًا بالسجل المدنى، وله علاقات ممتدة مع ضباط قسم شرطة «شبرا الخيمة»، يهدد بها كل من يخالفه من أهل الحارة، أو يمس أخته بشيء، ولو يسير. ووجدتها تهددنى ذات ليلة بأننى إن لم أستجب لها، ستمسك بى وتصرخ مدعية أننى تحرشت بها، وتنادى كل أهل الحارة ليمسكوا بى معها. وراحت تضحك هازئة منى وقالت:
ـ وقتها ستخرج من هنا إلى قبرك.. فهنا ناس لا تتساهل أبدًا في الشرف.
وكنت غريرًا، يسكننى الخوف، ويحرقنى الشوق إلى عالم لم أكن قد دخلته إلا في أحلام الليل، التي لا تكتمل، وكنت مشدودًا إلى ما فيه من لهفة وأساطير. لكل هذا صرت بالنسبة لها صيدًا سهلًا.
ولم أكن أعرف أن هذه المرأة المجربة ستورثنى عذاب ضمير طويل، ليس لأننى نلت بهجتى معها، ولا لأننى تعلمت كيف أجعلها تشتهينى دومًا، فتلح في طلبى، وتطاردنى كظلى، لكن لأنى اكتشفت أن علاقتنا تسببت في انتحار «سلوى» ابنة صاحب البيت التي وقعت في غرامى، وجاريتها ليطول مقامى هنا، حين اكتشفت ما بينى وبين تلك الأرملة.
لم أسع أبدًا إلى إيذاء «سلوى»، وأظهرت اهتمامًا مصطنعًا بها حتى لا أصدمها، وأخفيت عنها علاقتى بتلك المرأة التي استدرجتنى إلى فراشها، بالترهيب والترغيب، وحبى لـ «أمينة»، لكن كل شيء انهار في لحظة.
كنت عائدًا من المصنع أجرجر قدمى من إنهاك العمل والمضاجعة، حين سمعت صراخًا حادًا يخرج من البيت، ورأيت الناس يهرعون من البيوت وتمتلئ بهم الحارة.. اقتربت بطيئًا في خوف، وسألت عما يجرى، فقالت عجوز تتوكأ على حفيدها:
ـ «سلوى» قتلت نفسها.
وعرفت بعد أيام من أختها الكبرى أنها تشاجرت مع والدتها، وأن الأم كانت تبكتها بما عرفته عن علاقتى بالأرملة، وأن «سلوى» ظلت تنكر، وتقول لأمها إننى أحبها، مكتئة على قبلات سريعة، وأحضان دافئة، كنت أمنحها لها كلما التقينا خلسة.
وواجهتنى ذات يوم بما تقوله أمها فأنكرت علاقتى بتلك السيدة، وصدقتنى، لكن تبكيت أمها لم يتوقف، فصعدت قبل انتحارها بقليل إلى شقة الأرملة وسألتها عما بيننا، فقالت لها إننى قد تزوجتها عرفيًا، فهبطت تتخبط في أسى وحيرة، وظلت صامتة، وفجأة هرعت إلى صفيحة الكيروسين، وسكبت كل ما فيها على رأسها، ثم أشعلت النار.
وقلت لنفسى في هذه الليلة والدموع تنفجر من عينى:
«أنت مستغل يا من تحارب المستغلين»..
لكننى سرعان ما كنت أطرد هذا الشعور القاسى، باستدعاء ضعفى وقلة حيلتى ونبل المقصد الذي جئت إليه هنا واللحظات السعيدة التي منحتها لـ «سلوى» وأنا ألثم شفتيها، وأهمس في أذنيها بكلام كانت تنتظره في لهفة شديدة.
وكانت كل هذه المآسى تتساقط من نافذتى التي تكاد تطير من مكانها في ضربات هواء الليل البارد، ويتناثر تحت أقدام المارة ليل نهار، ويختلط بتراب الحارة ووحلها، حين يأتى وجه «أمينة»، التي كنت أعد دقائق أيام إجازة الصيف حتى أراها في العام الدراسى الجديد.
كان حضورها يهمس لى دومًا بأن هناك ما هو أبعد مما أحسه، لكن هذا الحضور كان غيابًا، وغيابها كان الغياب، فلا هي معى، ولا أنا قادر على أن أكون معها. كنت أستحضرها وأنا واقف على ماكينة النسيج، أكدح بساعديَّ، وأفكر برأسى، وينطق لسانى، بما أحاول به أن أستميل من يكدحون معى.
حدثتهم عن الذين يشربون من عرقهم خمرًا، ويخطفون الحَبَّ من أيديهم، ويجبرونهم طوال الوقت على الانحناء. كانوا ينصتون وأنا أُبَسّط كلامى لهم، لكن في نهاية الوردية، كان أغلبهم يهش كلامى عن أذنيه، ويأتى في اليوم التالى، كأنه لم يسمع شيئًا.
ثلاثة فقط اقتربوا منى، كانوا شبابًا لا تزال خطواتهم خضراء، وكان لديهم استعداد للسماع، فاقتربوا منى، واقتربت منهم، وأتوا إلى غرفتى، لنكمل ما بدأناه.
لا أزال أتذكر أحدهم، وكان يتيمًا وطموحًا، ووجدته يقول لى:
ـ أريد أن أكون معك.
رفعت وجهى إليه مرحبًا، لكن كان عليَّ أن أضعه موضع اختبار، فمن يدرينى أن هناك من دفعه نحوى بهذه القوة ليخترق خليتنا الصغيرة. نظرت في عينيه طويلًا، وقلت له:
ـ أنت معى بالفعل.
صمت برهة وسألنى:
ـ سمعتك تتحدث ذات مرة عن شباب ينظمون أنفسهم من أجلنا.
ابتسمت وقلت:
ـ نعم.
سألنى في هدوء:
ـ هل تقبلون مثلى بينكم؟
هززت رأسى بكل ثقة:
ـ طبعًا.
وطلب منى أن يقنع الاثنين الآخرين، اللذين استملتهما، فقلت له في خوف:
ـ لا تتعجل.
وكنت أريد أن أضعه هو أولًا تحت الاختبار قبل أن أكلفه بهذه المهمة. لم يطلب الوقت حتى صارت معى خلية صغيرة في مصنع النسيج، بعد أن اطمأننت إلى ثلاثتهم.
وانكببت على عملى بإخلاص، منتظرًا أجرى الذي يساعدنى في الإنفاق على متطلباتى الجامعية، وأنتظر أكثر أن أوسع دائرة الذين يثقون فيَّ، فأجذبهم إلى طريقى، وأتيه بهم على رفاقى الذين عجزوا عن الصمود هنا مثلى.
في الأيام الأولى جاء ثلاثة منهم «منير فراج» و«معتز عبدالواحد» و«فريد سعفان»، قالوا:
ـ سنعيش هنا في «شبرا الخيمة» ونعمل بكامل طاقتنا من أجل تجنيد عمال، لينضموا إلى خليتنا.
«منير» ذهب يحضر أغراضه، ولم يعد. و«معتز» مكث ثلاثة أيام يبحث عن عمل، فلم يجد، وحين وجد لم يرض بما أتيح له. أما «فريد» فقد اشتغل أـسبوعًا واحدًا، واحمرَّت يديه، وكلَّ ظهره، فقال لى في اليوم الأخير:
ـ لا أقدر على الاستمرار هنا.
ابتسمت، وقلت له:
ـ من يسمعك وأنت تخطب فينا، لا يتوقع أن تُسلِّم بهذه السرعة.
ابتسم ورد في فتور:
ـ هناك من يفكر، وهناك من يخطط، وهناك من ينفذ، وكل يمضى في الطريق الذي يعطى فيه أفضل.
طوحت يدى في وجهه، وقلت غاضبًا:
ـ تتحدث وكأنك تعرف ما لا أعرفه.
وحين طلب منا الدكتور «نبيل سعيد» أن ننخرط في صفوف العمال، ونجذبهم إلينا، استعدت كل ما جرى لى في حى «شبرا الخيمة» قبل اثنى عشر عامًا، ولم يكن أي منا يحسب أن عيون أجهزة الأمن مفتوحة على خطواتنا الوئيدة، التي كانت تقترب من العمال الغاضبين في «حلوان»، فالتقطتنا قبل أن نشرع في شيء، وجاءت بنا فرادى، بعد أن اعتقلنا زوار الفجر، لنتجمع رغم عنا في قسم الشرطة، ومنه إلى السجن الكبير، وفيه هذه الزنزانة الضيقة العفنة.