x

منى أبوسنة أن تكون المرأة المصرية «مواطنة» أو لا تكون منى أبوسنة الخميس 24-09-2020 01:27


تتردد بين حين وآخر، وبمناسبة الانتخابات، أيًّا كان نوعها، مقولة «تفعيل دور المرأة». وهو قول شائع هذه الأيام فى وسائل الإعلام بمناسبة انتخابات مجلسى الشيوخ والنواب.

طالما تساءلت عن معنى هذه العبارة «تفعيل دور المرأة»، وهى عبارة تنطوى على ثلاث كلمات، أود أن أتناولها فى هذا المقال بالبحث والتحليل.

أولاً: لفظ «تفعيل»، فعل مشتق من فعَّل (بفتح الفاء وتشديد العين)، وتفعيل يشير إلى تقوية وتدعيم ومؤازرة فعل ما. فما هو هذا الفعل؟ إنه مرتبط بالمفعول، وهو لفظ «دور» واضح بذاته وغامض فى آن واحد، حيث إنه لا يحدد طبيعة ذلك الدور، وكان الأجدر الإشارة المحددة لنوع هذا الدور، ما إذا كان اجتماعيا أم سياسيا أم الاثنين معاً.

فإذا استنتجنا أن المقصود هو الدور الثنائى، أى الاجتماعى والسياسى، فعلينا أن نتوقف ونسأل: هل المطلوب من المرأة تفعيل دورها الذى حددته لها الأنظمة الاجتماعية والسياسية المتلاحقة والممتدة فى القوانين والدساتير والأعراف الاجتماعية؟

ونسأل: إذا كان ذلك هو المطلوب من المرأة، فالمسألة تصبح مجرد تحصيل حاصل، وما عليها إلا أن تذهب إلى صناديق الانتخابات، وانتهى الأمر؟ هنا يصبح أداء الدور أداءً سلبياً.

أما إذا كان المقصود بتفعيل دور المرأة تفعيلاً إيجابياً، فالأمر يختلف ويصبح أكثر دقة وصعوبة؛ إذ فى هذه الحالة المطلوب من المرأة هو أن تسأل نفسها: لماذا تصر الدولة على مطالبتى بتفعيل دورى مع أننى أذهب إلى صناديق الانتخابات؟ هل المطلوب منى شىء آخر أنا لا أعرفه؟ وهنا تصبح الإجابة: على المرأة أن تعى مسؤوليتها تجاه أداء دورها الإجتماعى والسياسى، فالدولة لم تأل جهداً فى سن القوانين والتشريعات وإقامة المؤسسات التى تدعم حقوق المرأة الاجتماعية منذ قيام ثورة 1952 وحتى اليوم.

ولكن- وهذا الاستدراك له أهمية قصوى- عندما تطالب الدولة المرأة بأن تحدد نسلها (وهى الدعوة التى تقلصت فيما بعد وأصبحت تنظيم النسل بدلاً من تحديده، وهو شىء لا بد أن يُضاف عندما نتساءل عن دور المرأة)، لا تستجيب المرأة، وتقف على الطرف الآخر من سياسة الدولة غير مبالية بمدى تأثير ذلك على سياسات التنمية. وعندما تجرم الدولة عملية ختان الإناث، تضرب المرأة بالقوانين عرض الحائط وتورط نفسها طواعية فى جريمة وحشية ضد بناتها.

والسؤال الآن: هل المرأة المصرية التى تدفقت بأعداد مهولة إلى صناديق الانتخابات، راقصةً مهللةً طرباً لاختيار عبدالفتاح السيسى رئيساً لمصر، هى نفسها المرأة التى لا تستجيب لطلبه المتكرر لها بأن تشارك فى دعم تنمية المجتمع اقتصادياً بأن تلتزم بقانون تنظيم الأسرة؟

فرحت المرأة المصرية، ولا أقول المواطنة، بأن الرئيس حررها وحرر المجتمع من طغيان الإخوان. ولكن، عندما جاء دورها لكى تساهم فى بناء دولة جديدة، تاه فيها دورها كمواطنة ولم يبق سوى المرأة التى فرض عليها المجتمع الدور الأزلى الأبدى المكرور، وهو مجرد الإنسال.

والآن أتساءل، بعد أن ثبت بالدليل القاطع أن سن القوانين لا يغير عقل المرأة المكبل بالتراث الثقافى اللاعقلانى المشحون بالمحرمات التى تمنع المرأة من الاستجابة لدعوة الدولة للمشاركة فى التنمية، لماذا تعجز مؤسسات المرأة- وفى مقدمتها المجلس القومى للمرأة- عن أداء الدور الذى فشلت فى تحقيقه القوانين، وأعنى بذلك، استعادة وعى المرأة الغائب؟

جوابى هو أن مسؤولية مؤسسات الدولة المنشغلة بقضايا المرأة ما زالت حتى الآن تنحصر فى التركيز على قضايا حقوق المرأة من خلال تمكينها من التعرف على حقوقها القانونية ودعمها فى الحصول على تلك الحقوق، وفى المقدمة يأتى المجلس القومى للمرأة، وهو يقوم بهذه المهام على أكمل وجه، من حيث أهميتها وضرورتها على مستوى تحقيق العدالة الاجتماعية للمرأة وللأسرة.

السؤال الآن: ما هو ذلك الدور الذى يجب أن تنشغل به تلك المؤسسات؟ الجواب هو تحويل وعى المرأة من مجرد كونها أنثى إلى كونها مواطنة، وهذه المهمة هى الأكثر إلحاحاً وأهمية فى رأيى، وهى الانشغال بتغيير ذهن المرأة بهدف إعادة بناء وعيها بذاتها كمجرد امرأة محصورة فى دورها البيولوجى والمطبخى وما يصاحب كل ذلك، إلى وعى جديد بذاتها كمواطنة لها حقوق وعليها واجبات ومسؤوليات، ليس تجاه نفسها فقط، ولكن تجاه المجتمع والدولة فى المقام الأول، ومن خلال تدريب المرأة على تقوية وعيها بدورها كمواطنة، وهذا يشترط أن تكون المرأة قادرة على نقد وجودها الاجتماعى، أى دورها داخل الأسرة وخارجها، فيحل دور المرأة المواطنة محل المرأة الأنثى. ومن شأن ذلك الوعى المنشود إعادة النظر فى مفهوم الأنوثة الذى تم تشويهه، وذلك بعزله عن إنسانية المرأة. وإحداث هذا التلاحم بين الأنوثة وإنسانية المرأة هو دور المرأة المواطنة فى بناء مجتمعها الذى تحقق فيه وجودها الإنسانى بأبعاده الاجتماعية والسياسية. وكذلك تغيير وعى المرأة بذاتها، من مجرد أنثى وظيفتها الإنجاب باعتباره حرية شخصية لإرضاء أهواء ومتطلبات عادات بالية فرضتها عليها الأسرة، مثل فكرة «العزوة» و«العشيرة» إلى وعى جديد بذاتها كمواطنة مسؤولة عن تنمية المجتمع، وأنها ليست حرة حرية مطلقة فى الإنجاب بلا حدود، ولكن حريتها تتوقف عند بداية مسؤوليتها تجاه مجتمعها ووطنها.

وختاماً، أقول إن قضية الانفجار السكانى الذى يهدد التنمية هى قضية المرأة على الأصالة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية