x

وردة أمي.. قصة قصيرة لـ محمد شلبي أمين

الثلاثاء 15-09-2020 23:29 | كتب: اخبار |
محمد شلبي أمين محمد شلبي أمين تصوير : آخرون

تفتحت عيناى على وردة بنفسجية تزّين وجه شبشب زفت به أمى إلى أبى، أغرتنى كثيرا ونهشنى فضولى لانتزاعها، اليوم قررت نزع الوردة المضيئة من انعكاس ضوء لمبة الجاز المتعامد عليها فى ليل قريتنا الغارقة فى الظلام. استيقظت على الوردة فى وجه أمى، تحول البنفسج فى وجنتيها إلى الأحمر الجميل بتقاسيمه الرائعة، مزمجرة منقضة علىّ كأم الحارث التى حاصرت فريستها منتزعة من حضنى الوردة فى أسى وألم، أمسكت بالفردة المنزوعة وانهالت لأول مرة على جسدى غير منتبهة لصراخى، أفاقت قاذفة بها بعيدا، ضمتنى إلى صدرها لتزيل ما سببته من آلام غضبها. فى حضنها أيقنت أنها ستكون يوما أعز الأصدقاء، أفقت على صوتها المخنوق: وتجيب لى شبشب غيره. من يومها صارت العلاقة المباشرة بينى وبين المنزوع الوجه، مرتبطة بغضب أمى، أتفاداه كثيرا، طائرا، وعابرا، وزاحفا نحوى ليترك آثاره فى كل بقعة من بقاعى الناهضة. فى صباح يعانق نسيمه المنبعث من ماء النهر بيوت القرية وأرواح سكانيها، فيفيض عليهم عذوبة ورقة ومحبة، حضر ابن أبى الذى حول ثلاثتنا الذين أصغرهم إلى صانعى ومحترفى الكوارث، حثنا على التسابق إلى النهر، لنجده فاردا جناحيه على اتساعهما، فى انتظارنا أبدا، يغرينا بعناقه، نتجرد كمعظم الصبية، نرتمى بحضنه فى عناق طويل، وسعادة بحجم الثمانى الماضية، قطعت علينا نشوتنا البنت التى أمسكت بملابس شقيقى المنزوعة على الشاطئ، وأقسمت أن تذهب بهم إلى أمى لتخبرها أن أولادها يستحمون فى البحر، لأنهما قذفاها بالحجارة يوما، ناشدتها بحكم زمالتنا، تركت ملابسى، غابت عنا دقائق معدودة، أفقنا من لهونا على الأسدة المزمجرة على بعد خطوات قاطعها شقيقى مسرعين، تخطفا ملابسى كل منهما قطعة ستر بها نفسه وولى مدبرا، بقيت فى الماء عاريا، مواجهة أمى أصعب من الغرق فى النهر، نهرتنى بعنف وشدة، تطور نهرها إلى توعد، سرعان ما انحنت لتلتقط صغار الحجارة تقذفنى لأسرع الخروج من الماء، أقفز فى الهواء بمرونة متفاديا قذائفها، مستعرضا مهاراتى حين يعانق جسدى الماء مختبئا فى جوف النهر، لعلها تهدأ، تشطاط غضبا، يزداد وعيدها، تمتد يدها لتجلب حجارة أكبر فأكبر، لا أجد لى حلا، وهى كما عهدتها لا تتراجع، راودتنى فكرة أن أغوص فى الماء منجرفا مع التيار بعيدا بمحاذاتها وأخرج فارا مراهنا على سرعتى، فعلت ناسيا أننى أجرى فى الشوارع عاريا وهى خلفى بقذائفها التى جعلتها عوضا عن اللحاق بى، لم أنتبه لحالى إلا حينما مررت ببنات فصلى الذى أنا رائده يضحكن ويضعن أياديهن على عيونهن، نظرت إلى نفسى لأجدنى كما خرجت من بطن أمى، فحثنى خجلى على إسراع الخطى، وصلت بأسى إلى بيت العائلة، نجاتى فى حضن جدى، دخلت إلى غرفته فى أقصى البيت الكبير الملىء بالرجال، والنساء، والشباب، والأطفال، فتحت باب الغرفة كالفأر المذعور المنهك من شدة المطاردة، زاحفا بجسدى أسفل سريره الملكى، أرخيت علىّ ساتره منكمشا فى جحرى مستمعا لتلاوته، واستغفاره، وحمده، سكنت مع آيات الشكر، فغفلت، لأجد صوتها يهز أركان الغرفة. الواد أمين ماجاش هنا يابا أمين. قطع تلاوته، لا. كان فى البحر وجرى منى مش لقياه. شوفى كدا تحت السرير، سمعت صوتا يمكن هوا. هبطت من سمائها إلى أرضى لتتلاقى عيوننا، صرخت قبل أن تمتد يدها لتلامسنى.. آه.. الحقنى يا جدى. تزمجر فى غضب مكتوم، أمسكت بى ليزداد صراخى. نهض جدى حائلا بينى وبينها ناهرا إياها متحسسا جسدى العارى كالقرموط الخارج من النهر.. كقوله، ضمنى إلى صدره، لفنى كاملا فى عباءته مهددا إياها إنى مستنى، تركتنى احتراما منتفضة بلهيبها، أعلمها جيدا لن تتركنى، أحسست بالدفء والأمان، نمت، أفقت من عمق نومى مع هبوط الليل على السبعة المزمجرة تبرك علىّ ويدها تعلو وتهبط بالمنزوع الوجه على رأسى وجسدى حتى فارق الوجه المنزوع الوردة النعل، صراخى يشق ظلام القرية، عاد جدى مهرولا من قضاء حاجته دون إكمال وضوئه متخبطا فى كل ما يقابله ليجدها شفت غليلها وأخذتنى فى حضنها، تجاوز خيالى آلامى ليتوقف عند.. إننا سنكون يوما أصدقاء. سمعها باكية.. بكرة تكبر وتبقى وردتى وتجيب لى شبشب غيره.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية