x

منصور الجنادي بناء الإنسان المصرى.. استراتيجيًا منصور الجنادي الجمعة 11-09-2020 01:38


«استراتيجية بناء الإنسان المصرى» عنوان تردد كثيراً بالصحافة المصرية مقترناً باهتمام الرئاسة، وبمؤتمرات الشباب، ومؤخراً بمراجعة رئيس الوزراء لتقرير وزيرة الثقافة عن الأنشطة التى قامت بها الوزارة بالتعاون مع وزارات أخرى فى إطار «إستراتيجية بناء الإنسان المصرى».

هل مصر فى حاجة لإعادة بناء المصريين. نعم وبشدة. لماذا؟ لأن التنافس بين الدول فى عصر الديجيتال لن يرحم الضعيف.

هل سنستطيع بناء الإنسان المصرى؟ المهمة صعبة للغاية. هناك أمل، ولكن لكى يتحقق، لابد من قرارات صعبة، والتغلب على أنفسنا التى عبث بها ضيق الفكر فى العقود الأخيرة.

وما العمل الآن؟ لا أعرف. ربما كان اعترافنا بعدم المعرفة هو الحل، رغم أنه ليس هناك شىء اسمه «الـ» حل، أى الحل الوحيد الأكيد. فالحياة معقدة بطبيعتها، لذلك فالواقعى أن نقول «حلولا» وليس «الحل».

وماذا يعنيه ذلك بالنسبة لموضوع بناء الإنسان المصرى؟ يعنى أننى ـ كاتب هذا المقال ـ ليس لدى حلول، ولكن ربما يمكننى إلقاء بعض الضوء على كلمة هامة تضمنتها عبارة «استراتيجية بناء الإنسان المصرى» وهى كلمة «استراتيجية».

لماذا التركيز على هذه الكلمة؟ لأن جهود الحكومة فى بناء الإنسان، مهما كانت، يصعب نجاحها بدون استراتيجية.

وهل لدينا استراتيجية لبناء الإنسان المصرى؟ لا أعتقد.

ربما توجد استراتيجية، ولكنى بحثت فى الصفحات الإلكترونية لوزارات التخطيط والثقافة والتعليم، ولم أجدها. قد يكون لكل من هذه الوزارات تصوراتها الضمنية عن بناء الإنسان، ولكن لم أجد ما يمكن تسميته باستراتيجية بناء الإنسان المصرى.

إن وُجِدَت تلك الاستراتيجية فى مكان ليس من السهل الوصول إليه، فهذا يعنى النية إلى بناء الإنسان المصرى دون علمه، وهذا مستحيل سيكولوجياً وعملياً.

أما إن لم يكن لتلك الاستراتيجية وجود على الإطلاق، فهذا معناه:

1- لن تكون هناك نظرية تم الاتفاق على بناء الإنسان فى إطارها. نظرية نتجت عن مراجعة علمية تكاملية وتجارب دولية، وعن افتراضات واعية وسيناريوهات المستقبل المتوقع، وعن نظرة فلسفية كونية تاريخية تُرَتِّب الأولويات التى من شأنها أن يكون بناء الإنسان المصرى شامخاً قوياً قدر المستطاع.

2- وإن غابت نظرية بناء الإنسان هذه، فكيف سنُحدِد أهداف بناء الإنسان المصرى؟ هل على أساس آراء شخصية؟

3- علاوة على ذلك فالاستراتيجية مهمة لأنها تدوين مُوثق وليست مجرد نوايا بعقول المسؤولين، أو يُعبَّر عنها شفويا، تضيع فى غياهب النسيان، ولا تضمن الاستمرارية.

4- وبدون استراتيجية سنفتقر إلى تعريف للهوية المراد بناء الإنسان وفقاً لها، وإلى الميزة النسبية المراد تحقيقها لمصر بين شعوب العالم.

5- وإن افتقرنا إلى استراتيجية فسوف يكون فكر بناء الإنسان المصرى كيفياً وليس كمياً، وبالتالى سيصعب قياسه بالأرقام، ومتابعة مدى الوصول إلى الأهداف المنشودة.

المشكلة الأكبر قد تكون ليس فقط غياب الاستراتيجية، وإنما غياب صياغة الأهداف، حتى وإن كانت تكتيكية، واقتصار العنوان الرنان «استراتيجية بناء الإنسان المصرى» على مجموعة من الأنشطة الوزارية التى يفترض المسؤول أنها جديرة بتحقيق تلك المهمة الجبارة، دون سند نظرى استراتيجى.

فبناء الإنسان المصرى ليس هدفاً من أهداف وزارة التخطيط الثمانية لخطة 2030. هذه يغلب عليها المنظور الاقتصادى، وهو محورى بالطبع، ولكن تحقيقه قد يصعب بدون بناء إنسان يستطيع تنفيذه.

كذلك تدور أهداف وزارة التعليم الإثنى عشر جميعها حول القضايا التعليمية، وهى مهمة بالطبع، ولكنها لا تشتمل ـ إن لم أكن مخطئاً ـ على أهداف تتعلق بشخصية الإنسان الذى ستُنتجه العملية التعليمية فى نهاية الأمر، أى نظرته لنفسه وللعالم، وفلسفة حياته، أو القيم التى ستدور حولها شخصيته وهويته.

أما منصة وزارة الثقافة فلا تشتمل على أى أهداف أياً كانت، وإنما عرض لبناء الوزارة الإدارى، وفعالياتها.

وأخيراً، لم نستشف من تقرير وزيرة الثقافة المعروض على رئيس الوزراء، كما قرأنا عنه فى الصحف (انظر مثلاً المصرى اليوم 22.8.2020)، أهدافاً استراتيجية بالمعنى المذكور أعلاه.

نعم، بجانب إنجازات مصر فى مجالات الأمن والطاقة والتعمير والاصلاح الاقتصادى، حان وقت بناء الإنسان المصرى. ولكن أياً كان إخلاص عمال البناء ومهاراتهم فلن ينجحوا فى بناء ناطحة السحاب، بدون رسومات هندسية.

الاستراتيجية الاحترافية تطعيم ضد فيروس العشوائية، وجهاز مناعة ضد تكرار فشل محاولات بناء الإنسان العربى منذ نهاية القرن التاسع عشر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية